قراءة في رواية (خبز على طاولة الخال ميلاد) للكاتب الليبي (محمد النعّاس)

النشرة الدولية – نسرين عبد الله كريم –

من هو محمد النعّاس؟ قاص وكاتب وصحفي، مواليد عام ١٩٩١، حاصل على باكالوريوس  الهندسة الكهربائية من جامعة طرابلس عام ٢٠١٤، وهو أول كاتب ليبي وعربي ينال هذه الجائزة، له مجموعة قصصية بعنوان دم أزرق، وله أصدارات عديدة في الشعر والقصة.

أما عن روايته التي حصلت على الجائزة العالمية للرواية العربية للبوكر (٢٠٢٢) عن روايات القائمة القصيرة، فإن متنها الحكائي يدور حول شخصية مركزية (ميلاد) شاب نشأ بين أربع أخوات، وتلقى تربية جعلته يبدو كما لو أنه ناشز في مجتمع قروي ذكوري محافظ، مجتمع يؤمن بسيطرة الرجل على النساء، لأن الأدوار كما يلح أبوه مقسمة وفق ضوابط واضحة (الرجل يزرع ويحصد والمرأة تطبخ)، الرجل الحقيقي يعيش يوما كديك ولا يقبل أن يعيش عشرا كدجاجة.

لكن سلوك بطل الروية كان مغايرا لهذه القيم الذكورية، حيث كان يقوم بكل الأعباء المنزلية في حين كانت زوجته منشغلة بالعمل، وكانت الموجهة، ليظهر كشخصية بسيطة ثم معقدة ومركبة ومهووسة.

مواجهة مع علاقته بوالده الذي لا يذكر أنه حضنه يوما، ومع عمه الذي سرق منه حياته وشغفه بصناعة الخبز، زوجته التي اعتقد أنها تخونه، العسكري الذي عذبه خلال خدمته، والعبسي الذي يريد أن يقوي فحولته، ليطرح مساءلة التطورات الجاهزة لمفهوم الجندر، والصراع بين الإنسان الفردي والإنسان الجمعي.

وفي سياقات متعددة سيحاول الانتصار أو الهروب ثم يقع بين تجربتين مريم وزينب لينتهي في التشظي بينهما، يقتل زينب ويعيش المغامرة مع مريم.

في كل هذا عرض لشخصية متشظية في طاحونة مجتمع ذكوري محاولة أن تجد لذلك جذورا في تربية الطفل بين الأخوات وصراع تربية الطفولة مع قيم الذكورة المعروفة، لتظهر العائلة كفضاء منتج لشخصية فقدت فيها.

قدمها الكاتب في ٦ فصول بنى كل واحد منها على مثل شعبي، استطاع أن يقدم فيها بوح وأنفاس كل من الرجل والمرأة في علاقتهم المتوترة وإشكالات الأنوثة والذكورة في هذه المنطقة، والتي ستؤدي بالشخصية للضياع، والتعرض للتعنيف إثر ظهوره المسالم تجاه المرأة واهتمامه بها، والبحث عن توازنه وهويته.

عرض كلاسيكي وتسليط ضوء تقريري يمكن أن يكون في مقالة صحفية ، أما في العمل الفني فالأمر مختلف تماما.

فكرة الرواية الجوهر تتلخص باكتشاف فني جميل من عقل الكاتب الباطني (الخبز)، جوهر وجودي عميق يتصل بمبدأ الخلق كتب بعمق فني ملفت يتحول من خلاله كل فصل إلى عجن وخبز تجمع بين تشكل الخبز وتشكل قيمة ثقافية وتعميق نصه الروائي، دقيق، خبز، ماء، خميرة والقليل من الملح نستطيع أن نصنع منها معجزة الخبز. كان يمكنه استثمار هذه الفكرة والتعمق فيها، (أخبرني كيف يخبز الناس في مجتمعاتهم أخبرك كيف سيعيشون)… لو أنه تمسك بفكرته وتعمق بها ليظهر بالخط العريض التصنيف الثقافي والاجتماعي لفضح أشكال التمييز  الطبقي والنفسي الإنتروبولوجي… كان بإمكانه استثمار الوصفة الخبزية بشكل واسع لتكون نحن كيف نعيش في فرن ثقافي إجتماعي، فيه من يصنع القيم ويشكلون حياتنا الثقافية والاجتماعية والقيمية، بحسب المقادير والمتغيرات والوقائع التاريخية، الخباز قد يكون الحاكم، والسلطة هي درجة الحرارة واللغة والتاريخ والحضارة…

بلغة سردية متدفقة بألق لا مبالغة فيه، بغض النظر عن بعض الأخطاء اللغوية التي يجب ألا تمر في رواية مرشحة لجائزة ونالتها، كانت الرواية جسرا للتعبير عن خبايا الروح والجسد بلا تكلف، ربط قصته بالخبز وهذا ما أعطاها دفق اللاعادي، التنقلات الزمنية بمرونة وبساطة، كتابة واعية قادرة أن تحرض وعينا، قدم رواية عن مشكلة مجتمعية لعلاقة الرجل بالمرأة والرؤية الذكورية، ولكنها فكرة مستهلكة لا جديد من حيث الموضوع يقول الجاحظ المعاني مطروحة على قارعة الطريق، بلغة تقريرية تحدث عن العنف الأسري والتحرش بالنساء، موعظة كان بإمكانه تذويبها في روح النص، إضافة إلى الأمثال الشعبية التي شرحها في كل فصل، كقارئ حين أتخذ قرارا بقراءة عمل معين أتصور أن الكاتب سيقدم لي رؤية جديدة عن الموضوع أو أن يوسع مداركي أو يعدلها، نحن لا ننتظر أثرا يقدم ما نعرفه عن الموضوع، فتسليط الضوء يكون في مقالة صحفية أما في العمل الفني فالأمر مختلف تماما، ننتظر من الرواية أن تحقق رهاناتنا إن من حيث جمالية العمل أو الأسلوب أو الأدوات الفنية أو الجماليات…

باختصار… ربح الجائزة وخسر الرواية الأجمل (الرغيف).

زر الذهاب إلى الأعلى