كم طفلاً سيموت قبل أن تغير الولايات المتحدة قوانين حيازة السلاح؟
بقلم: فيكتوريا ريتشارد
إذا كنتم ترون أن هذه الأخبار مجرد أرقام أو قصة غير واضحة الحيثيات أليس لأنها باتت تبدو مألوفة إلى حد معيب؟
النشرة الدولية
اندبندنت عربية –
قمت للتو بتفقد طفليّ أثناء نومهما، كلاهما لم يبلغ الـ 10 من العمر بعد، ويخالجني شعور من القلق عليهما لأن أحدهما يعاني التهاباً في الحلق، فيما الآخر مصاب بالربو وسعال حاد.
لقد عادا اليوم إلى المنزل من المدرسة، وهما متحمسان للتحدث عما جرى في يومهما.
في الولايات المتحدة الأميركية اليوم آباء وأمهات مثلي تماماً بفارق واحد فقط، ولكنه مهم جداً. اليوم، هؤلاء الأهل لن يضعوا أطفالهم في الفراش ليخلدوا إلى النوم، بل إنهم سيبكون على فراقهم ويتحسرون على غيابهم.
الأنباء الواردة من المدرسة الابتدائية في مدينة أوفالدي في ولاية تكساس الليلة لا يمكن لعقل أن يتصورها، فقد ماتت معلمة وقضى ما لا يقل عن 19 طفلاً أعمارهم بين الخامسة والـ 11 عاماً، تماماً في سن طفليّ، متأثرين بإطلاق نار كثيف في “مدرسة روب الابتدائية” Robb Elementary School في أوفالدي بولاية تكساس، وذلك بحسب المعطيات الواردة من السلطات المحلية حتى لحظة كتابة هذا التقرير.
إنه فعلاً لأمر مأساوي ومروع ومثير للغضب في الوقت نفسه، فهذه ليست المرة الأولى التي أضطر فيها إلى أن أكتب عن موت أطفال أبرياء بأسلحة نارية، في بلاد يفترض أن تكون أرضاً للحرية، ولا أعتقد أنها ستكون المرة الأخيرة، لكن السؤال يبقى كيف ستتعاطى الولايات المتحدة مع هذه المسألة الآن؟
لوهلة تبادر إلى ذهني اليوم الذي كتبت فيه عن الوفاة المأساوية للفتى آدم توليدو العام الماضي، فذلك الطفل كان في سن الـ 13 عندما قضى برصاص الشرطة في أحد الأزقة بعد مطاردته، وأظهرت لقطات كاميرا له اللحظات الأخيرة التي سبقت بقليل مصرعه، فذراعاه كانتا مرفوعتان في الهواء، وكان يرتدي سترة رياضية سوداء واسعة عليها علامة “نايكي” Nike، وقبعة بالية مشدودة إلى الخلف. أما عبارة “افعلها” Just Do It الشهيرة (شعار علامة نايكي) التي كانت على صدره، فكانت نذير شؤم لما سيحدث له في ذلك اليوم، إذ ما لبث هذا الفتى أن لقي حتفه بعد لحظات.
كذلك تامر رايس، وهو الآخر صبي كان في الـ 12 من عمره فقط عندما عاجله الشرطي الأبيض تيموثي لومان بإطلاق النار عليه العام 2014 في مدينة كليفلاند بولاية أوهايو، وأفادت تقارير بأن تامر كان يحمل مسدساً لعبة، يطابق في شكله المسدس الحقيقي، وقد قتل على الفور بعد وصول الشرطة إلى موقع الحادثة.
وبينما معظم ضحايا عنف السلاح في البلاد هم من فئة الشباب، إلا أن خسائر فادحة في الأرواح سجلت لدى فئات عمرية أكبر، منها بريونا تايلور العاملة الطبية التي قتلت بعد مداهمة فاشلة لشقتها العام الماضي، وجورج فلويد الذي تصادف الذكرى السنوية الثانية لوفاته على يد شرطي أبيض سابق بمدينة مينيابوليس في الـ 25 من مايو (أيار).
وفيما برزت أسماء بعضهم وأثار مقتلهم كثيراً من مظاهر الاحتجاج، إلا أن آخرين تم نسيانهم وتجاهلهم حتى الآن، لماذا؟
في الواقع، إذا كانت هذه القصص مجرد أرقام أو مسألة غير واضحة بالنسبة إليكم، ألا يمكن أن يكون السبب أنها ربما باتت مألوفة إلى حد معيب؟ أو إلى حد ما (ليس بالتأكيد بالنسبة إلى العائلات المكلومة) أصبحت روتينية؟
قد تندمج العناوين كلها في عنوان واحد، ويتنهد العالم متحدثاً عن مقتل عشرات أو نحو ذلك من الأفراد، وعن مأساة في حرم جامعي ومقر عمل ومنتجع صحي وملهى ليلي ومتجر بقالة، وقبل أكثر من أسبوعين فتح مسلح يحمل بندقية ودرعاً واقية النار على متجر سوبر ماركت في بافالو بولاية نيويورك.
إنه يوم آخر في الولايات المتحدة يشهد إطلاق نار جماعياً آخر، يا لها من مأساة مروعة ومضيعة للحياة.
المفارقة أنه في بعض الأوقات يكون الضحايا غير مقصودين، لكن في كثير من الأحيان الأخرى يكونون أفراداً من مجتمعات “السود والآسيويين والأقليات العرقية الأخرى” Black, Asian and Minority Ethnic (Bame)، ويبقى السؤال كم يجب أن يموت بعد من آباء وأمهات وعاملين في المجال الطبي وأطفال، قبل أن تستيقظ أميركا؟
سبق أن اتخذ رئيس الولايات المتحدة جو بايدن إجراءات في شأن عنف السلاح، فقد أعلن مجموعة من الإجراءات العام الماضي تستهدف وقف ما يعرف بـ”الأسلحة الشبح” (أو الخفية وهي عبارة عن قيود مفروضة على الأسلحة التي يمكن تجميعها بسهولة في المنزل ويصعب تتبعها لعدم وجود أرقام تسلسلية عليها)، والتشجيع على اعتماد “قوانين تحذيرية مشددة” في ما يتعلق بحيازة الأسلحة، وإدانة العنف المسلح في البلاد باعتباره “وباء” ويمثل “إحراجاً على المستوى الدولي”، ووعد في شهر أبريل (نيسان) من هذه السنة بأنه سيقدم “حزمة شاملة” من الإجراءات في هذا المجال للحد من أعمال القتل.
وإذا لم يحدث ذلك الآن، فمتى سيحصل؟ لقد كان على حق عندما أشار إلى أن كارثة تتربص بالبلاد اسمها الأسلحة النارية، وفي غضون ذلك سنظل نشاهد آباء وأمهات يحزنون على أطفالهم، وسنواصل “تقديم التعازي وتلاوة الصلوات” ذاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، ريثما تستيقظ أميركا أخيراً من سباتها وتلغي نهائياً التعديل الثاني في الدستور (ينص على حماية حق الفرد في امتلاك سلاح ناري غير متصل بخدمة عسكرية واستخدامه لأغراض مشروعة مثل الدفاع عن النفس داخل المنزل).
وإلى حين حدوث ذلك، سيستمر الموت سيفاً مسلطاً فوق رقاب أطفالنا، وسنواصل الوقوف موقف المتفرج عاجزين عن القيام بأي شيء للخروج من هذه المأساة.