موهبة.. ركيزة رؤية 2030
النشرة الدولية –
عكاظ السعودية –
في المعرض الدولي الأخير للعلوم والهندسة بأتلنتا، حصد الشباب السعودي ٢٢ جائزة تتوج مواهب هذا الجيل النابه الذي ترعاه مؤسسة الملك عبد العزيز للموهبة والإبداع (موهبة).
لن أحدثكم اليوم عن مدى جدوى احتضان الأطفال والشباب ذوي المواهب، ولا عن واجب الأوطان في دعم من هم بحاجة لدعم لتحقيق ملكاتهم المتميزة، وإنما سآخذكم معي بنقاش فلسفي علمي عن ما تمثله «موهبة»… بعدما استوقفتني هذه المواهب لوهلة وجعلتني أبحث بهل الموهبة حظ أم هي نتيجة؟
إن موضوع المواهب مطروح في الفلسفة الاجتماعية والدراسات النفسية والتربوية وخاصة في الأعوام الأخيرة، وذلك بسبب الانتقال الشامل إلى نظام التربية المتساوية المتكافئة التي تخضع جميع التلاميذ والطلبة لنفس البرامج والمقررات التربوية، من منطلق أن الأفراد متساوون لا فصل بينهم ولا تمييز، تتاح لهم نفس الفرص ويصلون على تفاوت نجاحهم لنفس المواقع والمسؤوليات!
ولكن هل هذه حقيقة؟ وهل هذا عدل؟
بالمقارنة بين السياقين الغربي والعربي في تحديد معنى موهبة والتي تترجم في جل اللغات الأوروبية بعبارة (تالنت)، نلاحظ أن العبارة تعني في خلفيتها اللغوية العربية العطاء والمنح وتدل في أصلها البعيد على السحاب الممطر أو غدير الماء المتدفق، أما في اللغات الأوروبية فتعني أصلا الحظ في دلالته المادية المباشرة! ومن هنا «استعارة الحظوظ» في الإنجيل التي تحيل إلى ضرورة استخدام الحظ بأفضل الطرق من خلال تدبير المال وصرفه لغاية التوفير والربح…
التصادم واضح… بين نظرية التفاوت الفطري بين البشر التي تحول أصلا دون القول بالمساواة بينهم كما في الفلسفة اليونانية ونظرية تكافؤ البشر في القدرات الأصلية بحيث يكون التمايز نتاج السياسات الخاطئة وليس التباين الجوهري بين الأفراد.
لنعد للسؤال الكبير: هل التميز نتاج الموهبة والحظ أو الجهد والمثابرة؟
من الكتب التي استوقفتني بالحياة كتاب The Outliers، فالكاتب مالكوم غلادويل فكك بكتابه المشهد لعالم المبدعين والموهوبين بالرجوع لعدد كبير من الحالات المدروسة… ووصل إلى نتيجة مذهلة وهي أن البشر الاستثنائيين من العلماء والمبدعين لا يختلفون عن غيرهم إلا بالجهد والعمل المضني والمثابرة الدائمة، ولذا تحدث عن ما سماه «أسطورة الموهبة».
لكن الدراسات العلمية الدقيقة قد فندت هذه النظرية، ومن بينها الدراسة التي قام بها فريق العالمة النفسانية بروك ماكنمرا من جامعة برنستون عام ٢٠١٤، حيث توصلت بالاستناد إلى كثير من التجارب والاختبارات أن الممارسة العملية لا يتجاوز دورها ١٢٪ في تشكيل الشخصية الموهوبة التي تتميز باستعدادات فطرية قابلة للنمو، تكون في أوج قوتها قبل البلوغ.
إن هذه المعطيات تبين بوضوح أن المواهب قابلة للاكتشاف والاحتضان والرعاية من أجل استخدامها أمثل استخدام، وهو ما قامت به مؤسسة الملك عبد العزيز في مشروعها الرائد لتكوين جيل من العلماء والمبدعين السعوديين في مختلف المعارف والفنون ليكونوا من ركائز الرؤية وتنمية رأس المال البشري.
في نص شهير للفيلسوف الألماني أمانويل كانت حول العبقرية، يقول «إن الموهبة منحة طبيعية هي التي تبدع القوانين الدقيقة في الفن الذي لا يخضع في أصله لأي معايير ثابتة، بما يميز الفنان المبدع عن الحرفي الماهر الذي يتعلم صنعته بطريقة التلقين والممارسة».
الخلاصة تقول.. إنه من باب انتهاك الخلق السليم العزوف عن تنمية المواهب.