الأغبياء لا يستحقون الذكاء الاصطناعى
بقلم: محاسن السنوسي
النشرة الدولية –
الدستور المصرية –
هل تريد أن تستمع إلى صوت والدك الذي رحل عنك منذ زمن؟ هل تريد أن تشكو له حالك وماذا فعلت بك الحياة؟ هل ترغب في التنزه مع والدتك في أرقى الأماكن في العالم وتسترجع معها الذكريات رغم أنها توفيت وأنت طفل صغير؟.. هل تريد أن تشدو لك بأغنية كنت تستمع إليها حين تقوم والدتك بأعمالها المنزلية؟.. لا تستعجب حين تلامس يدك يديها أو ترتمي بين أحضانها وتشعر بدفء قلب أمك التي غيبها الموت عنك.. هذا ما يعدك به الذكاء الاصطناعي أو ما يعرف بمصطلح “الحوسبة العاطفية” أو قدرة الآلة على قراءة المشاعر ومحاكاتها، فما عليك إلا أن تمتلك إنترنت الأشياء التي تؤهلك لاستقبال من ترغب في عودتهم لحياتك مرة أخري، ولا تندهش حين يهتف والدك بنصائحه المعتادة بطريقة عصرية في عالم الميتافيرس.
ضجة وحالة سخط أصابت الجميع حين أعلن الملحن عمرو مصطفي عبر حسابه بإحدي منصات التواصل الاجتماعي عن تقديم لحن جديد لسيدة الغناء العربي “أم كلثوم” وأراد أن يعرف رد فعل الجمهور.
بالطبع استخدم “عمرو” تطبيقا من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في إعادة صوت كوكب الشرق بكلمات وألحان جديدة بعد نجاج تجربة حفلاتها الحديثة عن طريق تقنية “الهولوجرام”، وقد يتكرر الأمر مع عبدالحليم حافظ أو شادية أو محمد عبدالوهاب فلم لا؟ فقد حدث ذلك مع سيمفونيات بيتهوفن؟!.. وإن كان هذا الأمر لم يعد مستحيلا في ظل التقنيات الحديثة التي تهيمن علي أغلب مناحي الحياة . فالذكاء الاصطناعي لم يعد رفاهية أو بعيدا عن أي إنسان يعيش في أقصى نقطة على كوكب الأرض.
قد يترتب على استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال مثل مجال الفن خلق مشكلة قانونية تتعلق بحقوق الملكية الفكرية، في ظل غياب قوانين منظمة لأخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي، فالأمر الطبيعي أن يتحقق الحدث ثم التداعيات التي يمكن معالجتها من واقع تشريعات تحفظ حقوق الآخرين، أو من أصابهم مكروه من جراء استخدام مثل هذه التطبيقات بقدراتها اللامتناهية.. وسؤال جوهري: أي تشريعات وقوانين جديدة تحاكم الآلة لم يسبق لنا معرفتها ولم نعهدها من قبل؟.. إلى الآن ليس هناك قوانين ملزمة إلا من رحم ربي، أو كما أوصي الباحثون في مجال الذكاء الاصطناعي وعلى رأسهم مؤسسة “لينكد إن” بضرورة أن تضع الحكومات المبادئ والمعايير التي من شأنها تحد من مخاطر استخدام التكنولوجيا، ويبدو الأمر لا يختلف كثيرًا عن القوانين المنظمة لوسائل التواصل الاجتماعي ومخاطرهها فالأمر متروك لتقديرات الدول كما ترى وفقًا لقوانينها الداخلية.
وفي تصريح مدو أعلن “سام ألتمان” الرئيس التنفيذي لشركة “أوبن إيه آي” التي تقف وراء منصة الدردشة الإلكترونية تشات جي بي تي ChatGPT أحدث تطبيقات الذكاء الاصطناعي- في حالة فشل الشركة وضع مخطط مشروع قانون ينظم “الذكاء الاصطناعي” ستغادر الشركة الاتحاد الأوروبي بلا رجعة، وأن المسودة الحالية لقانون الاتحاد الأوروبي للذكاء الاصطناعي ستكون مفرطة في عملية التنظيم -أفلح إن صدق- وعلى الجميع الانتظار.
الذكاء الاصطناعي في أبسط تعريفه هو مجموعة خوارزميات تنتج برامج إلكترونية تحاكي الذكاء البشري والقدرة الذهنية وأنماط عملها، ويساعد الإنسان في تحقيق أهدافة بأقل جهد ووقت، ومن ثم ينعكس ذلك على تحقيق جودة حياة ينعم بها من يمتلك هذه التطبيقات.
السباق مستمر في هذا المجال ولا أحد يتوقع إلى أي مدى تصل بنا الثورة التكنولوجية مع أمور قد تتعارض مع أمن واستقرار نفسي والتحديات الوجودية للإنسان.
الخوف والتهديد من الآلات الجديدة ليس وليد اليوم فهو إحساس يلازم الإنسان منذ بداية الثورة الصناعية دائمًا مايردد أن الآلة بديل للعنصر البشري، وفي النهاية نكتشف أنها تزيح أعباء عضلية وأعباء ذهنية، وفي سياق آخر لمخاوف استخدام الذكاء الاصطناعي ليس ما يتعرض له التراث الفني فقط ، بل ازدات المخاوف مع ظهور “الربوت” وقيامه بأعمال يؤديها الإنسان العادي نجد مجموعة “جولدن ساكس” وهي مجموعة مالية واستثمارية أمريكية ومتعددة الجنسيات نشرت في مارس الماضي دراسة بحثية جاء فيها أن 300 مليون وظيفة سيتم الاستغناء عنها في أوروبا وأمريكا بسبب استخدامها هذه التطبيقات، وبالبحث في الهيكل الوظيفي لهذه المجموعة المنتشرة فروعها في أغلب دول العالم نجد أن عدد العاملين بها تجاوز 35 ألف موظف، مثل هذه الشركات عابرة القارات تبادر بهذه الدراسات وترحب بنتائجها، فتقليص العمالة وتوفير الرواتب هدف أساسي تسعى إليه مثل هذه المؤسسات العملاقة والتي يقاس نجاحها بقدر ما تحققه من أرباح، لا سيما أن لديها برامج عمل موحدة يمكن من خلالها إدارة كافة الأفرع في العالم من مقر الشركة الأم… هل هذا يعني أن الربوت وتطبيقات الذكاء الاصطناعي ستؤدي كافة الأعمال دون تدخل بشري؟ بالطبع لا !! .. علينا أن ندرك آخذين في الاعتبار أن الإنسان هو صانع الآلة وهو المصمم الرئيسي للخوارزميات الذي تعمل به الآلات الحديثة ، والسباق مستمر بين الإنسان والآلة وكل ماهو جديد في الثورة العلمية، وعلي العنصر البشري أن يكون الأذكي دائمًا وأن يلاحق الآلة في تطورها، فالأغبياء لن يكون لهم مكانة فى عالم حديث ولا يستحقون الذكاء الاصطناعي.