مادبا العز أنموذج للحياة التشاركية
بقلم: رلى السماعين
النشرة الدولية –
الدستور الأردنية –
غدا الاردن نموذجاً عالمياً في التآخي والاعتدال والعيش المشترك التي هي بالنسبة للاردنيين حياة تشاركية طبيعية، وهذا أمر واقع وموثق، فتاريخ العيش المشترك في أردننا الحبيب بشكل عام طويل وعميق ولا يمكن تقويضه.
تتميز مدينة مادبا بأنها مدينة نادرة بتكوينها التراثي والتاريخي والاثري، فهي تحفة فسيفسائية كبيرة من الناحيتين البشرية والاثرية لذلك عُرفت بأنها مدينة الفسيفساء أو عاصمة الفسيفساء العالمية وقد وضعت على الخارطة العالمية السياحية بهذه التسمية
عُرفت مادبا بانتشار الكنائس الاثرية فيها على امتداد اراضي المدينة والمناطق المجاورة لها ، وقد قيل بأنك أذا حفرت بأي منطقة فيها ستجد آثاراً لكنيسة، ومن ضمنها الكنائس التي تم التنقيب عنها والتعريف بها هي كنيسة القديس جاورجيوس المشهورة بكنيسة الخارطة، وكنيسة الرسل، وكنيسة رقاد العذراء مريم، وكنيسة القديس يوحنا المعمدان، ومجمع أديرة ضخم في جبل نيبو، وكنيسة القديس لوط والقديس بروكوبيوس التي تُعرف بكنيسة المخيط، وكنيسة يوحنا المعمدان في مكاور. وهناك أيضاً كنيسة النبي ايليا، وكنيسة الصناع، وكنيسة الخضر، وكنيسة الشماس توما، وغيرها الكثير.
أصل اسم مادبا هو آرامي «ميدبا» ويعني مياه الفاكهة، الامر الذي يدل على غنى الارض بالمياه والينابيع، وبالتالي جودة التربة التي من المتعارف بأنها من أفضل الاتربة للزراعة في المنطقة. أما أهل مادبا الذين يعرفون بكرمهم الكبير، فقد جاء معظمهم من مدينة الكرك، فقد هاجر غالبية مسيحيو الكرك في 1880إلى مادبا وسكنوها جنباً الى جنب مع سكانها الاصليين من المسلمين، وحموها «بالسيف والمنسف» أي بالفروسية وبالكرم وبالحكمة أيضاً، وتحملوا مسؤولية تعدت حدود مادبا، فقد ساهم أهل مادبا منذ البدايات «في الدفاع عن القدس في «ثورة القدس عام 1936، وتطوع كثير من ابناء مادبا في صفوف المجاهدين في القدس وفلسطين عند تقسيمها عام 1948» كما ذُكر في كتاب ديوان الشاعر سالم القنصل اعده المهندس خليل القنصل
تحمل أهل مادبا، مسلمون ومسيحيون، مسؤولية الحفاظ على الكنائس المنتشرة والفسيفساء الخلابة، الامر الذي عكس قوة ترابطهم وشعورهم بالمسؤولية تجاه بلدهم وكنزهم الاثري، وهذه بالذات تشكل حالة مميزة من الوعي وتعكس صورة راقية عن الحياة التشاركية والذي نطلق عليها العيش المشترك.
أما علم الاثا،ر فقد وفّر العديد من القصص حول التسامح والعيش المشترك في المدينة، منها قصة كنيسة المخيط. كتبتُ عن خصوصية كنيسة المخيط التي تقع قرب جبل نيبو في كتابي ‹حصن السلام› في الفصل الذي يحكي عن حياة العيش المشترك في الاردن بعنوان التراث الشفهي للعيش المشترك في الاردن. كنيسة المخيط، واسمها كنيسة الشهداء القديس لوط والقديس بروكوبيوس تعود لعام 557 للميلاد، وتعود لزمن الاسقف يوحنا في مادبا في القرن السادس. اكتشفتها امرأة مسلمة تعيش وعائلتها في خيمة. لاحظت بأن على أرضية الخيمة (منزلها) شيئاً لم تراه من قبل، فقد رأت لوحة من حجارة ملونة لحيوانات. أدركت السيدة أهمية ما تراه، وتواصلت مع الرهبان الفرنسيسكان الذين يقطنون في الجبل ليكتشفوا ارضية متماسكة من الفسيفساء تعود لكنيسة شيدها القديسان لوط وبروكوبيوس. كان اكتشاف السيدة هذا قبل أكثر من ستون سنة.
تصور احدى اللوحات قصة جمع العنب وصناعة النبيذ والحفل الموسيقي الذي كان بالعادة يرافق هذه المناسبة، بالاضافة الى لوحات من الفسيفساء التي تصّور أنواع الحيوانات التي كانت تعيش في المنطقة مثل الغزلان والدببة والاسود.
بعد تنفيذ الحفريات في الموقع قام الرهبان ببناء الكنيسة وبناء منزلاً للعائلة قرب الكنيسة الذي من وقتها وهم حملة المفتاح وحماة الموقع
في مادبا، كما في باقي المحافظات في الاردن، الهوية واحدة، والاهداف واحدة في بناء مجتمع حديث وآمن والتصدي للتحديات ومواجهتنا بيد واحدة.
التقارب وعلاقة المودة والاحترام بين أهل المدينة يعكس ما نطلق عليه المصالحة المجتمعية: الكل يعرف بعضهم البعض، فهم متواصلون وداعمون لبعضهم، وأما التنوع الديني فهو جمالية وقوة وهو ما يجسد اكثر ما توحي به كلمة
«العيش المشترك».
هناك مغناة نسمعها في كل المناسبات، تعكس محبة أهل المدينة وفخرهم ببلدهم، من كلماتها:
مادبا يوم الكون ما تنداسِ
فيها شباب ورافعين الراسِ
حتى البنات مجَنَدة بالرصاصِ