بين السياسي والثري والصحفي
بقلم: مصطفى أبو لبدة
إرم نيوز –
جرت العادة، في استطلاعات الرأي المتخصصة بقياس المزاج العام وفجوات الثقة، أن تَمنح السياسيين ورجال الأعمال مراتب الصدارة في التنافس على أيهما الأعلى في نسبة ضعف
جرت العادة، في استطلاعات الرأي المتخصصة بقياس المزاج العام وفجوات الثقة، أن تَمنح السياسيين ورجال الأعمال مراتب الصدارة في التنافس على أيهما الأعلى في نسبة ضعف الثقة العامة به.
ولكثرة ما تواترت هذه الاستبيانات على اتصال السنوات العشر الأخيرة، فقد تعممت في معظم دول العالم، (ومنها الشرق الأوسط)، انطباعات أضحت مسلمّات، بأن ثنائي السياسيين ورجال الأعمال يتناوبان على رأس قائمة الأقل موثوقية.
استَجدّ العام الحالي أن صدارة ضعف الثقة العامة تقاسمها السياسي والصحفي، أو بالتوصيف المؤسسي الحكومات والإعلام.
وكان تفسير ”مرصد أيدلمان لقياس الثقة“، وهو يَخرجُ بهذه النتائج لاستطلاعه الأممي السنوي لعام 2022، أن كليهما – الحكومات والإعلام – فشلتا بمواجهة تحديات غير مسبوقة، (كورونا وحروب سياسية باردة وساخنة)، ووقعتا في شباك حلقة مفرغة من التزييف، كمنفعة مشتركة قصيرة المدى، مرفوقة بالمبالغة والانقسام.
لكن إيلون ماسك، على سبيل المثال، وهو أغنى رجل في العام، مالك صحيفة واشنطن بوست، وبعد أن استحوذ على منصة ”تويتر“، بكل ما أثارته هذه الخطوة من ردود فعل حدِّية متفاوتة، بات مقنعًا أن صدارة الكراهية أو عدم الثقة، يتنافس عليها شخصان اعتباريان: السياسي ورجل الأعمال فائق الثراء.
فجوة الثقة لها في استطلاعات الرأي العام تجليّاتها القابلة للقياس، تكاد تتفق على تفسير اتساعها في الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، بأنه نتيجة خلطة من الخصوصيات بينها الحروب، والإرهاب، والفساد، والفشل.
لكن التخريج البُنيوي والنفسي لعدم الثقة، يذهب إلى أن جذوره – كما الكراهية – يراها تشارلز داروين، في غريزة الدفاع عن النفس، إذ ترتقي أحيانًا إلى الانتقام.
يحصل ذلك عندما نتعرض إلى الغش المبرمج أو الإساءة، حيث ينشأ توجّس بدرجة فقدان الرضا الذي يسحب من رصيد الثقة، ويمكن أن يتحول بسهولة إلى كراهية.. يوم السابع والعشرين من الشهر الماضي، وفي ذروة حملاتٍ عليه توزعت مصادرها ما بين السياسي والإعلامي والاجتماعي، بدعوى أنه يدفع قرابة 45 بليون دولار للسيطرة المُريبة على شريان التواصل الاجتماعي الأممي، فقد لجأ إيلون ماسك إلى رصيده الهائل من المتابعين لحسابه على ”تويتر“ ليستفتيهم في الردّ على من يراهم كارهين أو حاقدين على ثروته التي تتجاوز المائتي مليار دولار.
قال إن ”استخدام كلمة ”ملياردير“ بغرض الإهانة، خطأ أخلاقي مع غباء“.
كان ردًا موجوعًا، أيضًا، على الذين وصفوه بأنه يسيّس ثروته الخرافية ولا يتورع عن توظيف مشاريعه الخيرية للاستعراض، بدلًا من أن يوجهها لقضايا ذات أولوية حقيقية، كما يفعل غريمه في قائمة البليونيرات، بيل غيتس.
استخدم ”ماسك“ رصيده من المتابعين على ”تويتر“ والذين يصل عددهم قرابة 83 مليونًا، (يُشاع أن نصفهم وهميون)، لإجراء استطلاع رأي حول سؤال يقول: أيهما الأقل موثوقية بالنسبة لك، السياسيون أم أصحاب البلايين؟ وكانت نتيجة التصويت أون لاين 75.7% يرون أن السياسيين هم الأسوأ، فيما حظي المليارديرات بنسبة 24.3% من الأصوات.
محاولة ماسك تخفيف وطأة الكراهية أو الحقد على المليارديرات وتوجيهها نحو السياسيين، كانت مناسبة للكثيرين للتوسّع في عرض هذه الظاهرة الموجودة في معظم المجتمعات العالمية، لكنها في الولايات المتحدة تأخذ طابع الفولكلور.
ليس فقط لما يشيعه لقب الملياردير من اتهامات مبطنة بالثراء على حساب المجتمع، وإنما أيضًا لما يوحي به من تنفّذ سياسي مبطن، يصبح فيه الملياردير والسياسي شركاء في سُلطة فقدت بالممارسة ثقة الناس.
ومع أن المجتمع الأمريكي، كمجتمع رأسمالي، يوصف بأنه صديق للأثرياء وليست لديه شهية لأكلهم، إلا أن سرعة مراكمة هذه الثروات الهائلة خلال السنوات الأخيرة أصبحت مثار حقد وتندّر.
صباح يوم 15 مارس الماضي، كانت ثروة ماسك -على سبيل المثال – 166 بليون دولار، وفي نهاية اليوم ارتفعت إلى 172 بليونًا.
والسبب في ذلك هو أنها رأسمالية يهيمن عليها ارتفاع مطرد في أسعار الأصول، من أسهم وسندات وعقار، وهي التي يركز عليها الأثرياء في اقتصاد يجعل الثري أكثر ثراءً بغض النظر عما إذا كان مالك الثروة يعمل أم لا.
وبمجرد تكوين الثروة ينمو رأس المال وفقًا لديناميكية خاصة به، ويصبح الفرق بين الغني العادي والثري الملياردير، أن الأول يتمتع بعدّ الأموال التي لديه، بينما الثاني يتمتع بحرية فِعْل ما يريده بوقته، ويستخدم دخله للدفاع عن نفسه تجاه من يرونه أنه ينافس السياسيين في انعدام الثقة بهم.
ينسبون إلى ”ماسك“ أنه سُئل قبل بضع سنوات إن كانت ثروته تعني له مُتعة استثنائية أو شيئًا خاصًا، فأجاب: ”أن تكون ثريًا هو بالتأكيد أفضل من ألا تكون، ولكنه في النهاية ليس أمرًا بالجودة التي تتخيلونها“.