لماذا يُهدد كيم جونغ أون بشن حرب استباقية؟

النشرة الدولية –

ناشيونال إنترست –

تنبّه المسؤولون في واشنطن وسيول سريعاً إلى وعود كيم جونغ أون الطموحة باستعمال أسلحة كوريا الشمالية النووية بطريقة استباقية للدفاع عن مصالح البلد الأساسية، وحذّر الخبراء من تغيّر استراتيجية بيونغ يانغ النووية، فتوقعوا أن يؤثر هذا التطور في استقرار المنطقة، لكن لم تطرح هذه التحليلات في معظمها أي سياسات بديلة لأنها مبنية على أسس ضعيفة نظرياً وعملياً.

يحذر المحللون المتشائمون مثلاً من مساعي كوريا الشمالية لتحضير برنامج قد يسمح بغزو الجنوب يوماً، حيث يبقى هذا السيناريو وارداً، لكن من المستبعد أن يتحقق طالما يهدف التحالف العسكري بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية إلى كبح استفزازات كوريا الشمالية.

في المقابل، يزعم المحللون المتفائلون أن بيونغ يانغ تُركّز بكل بساطة على حماية نفسها من الولايات المتحدة، وبالتالي يُفترض أن تُسهّل واشنطن جهود التعاون معها، لكن يغفل هذا التحليل عن حاجة كوريا الشمالية إلى الحفاظ على بيئة خارجية عدائية لتبرير صمود النظام نفسه، فقد أعلن كيم في خطابه أن بلده سيطبّق على الأرجح استراتيجية تضمن زيادة قدراته النووية لتحقيق أهدافه السياسية.

لا تشمل هذه التحليلات أي رؤية واضحة لأنها لا تطرح تفسيراً مقنعاً لركيزة المصالح الوطنية الكورية الشمالية التي يريد كيم الدفاع عنها عبر استعمال القوة النووية، ولهذا السبب، سيكون فهم مصالح البلد الوطنية أساسياً لتوقع مسار استراتيجيته النووية.

عملياً، تُعتبر كوريا الشمالية دولة ثورية ويرتكز وجودها على تحقيق أهداف وطنية ثورية، ويقود «حزب العمال الكوري» الثورة الوطنية في هذا البلد، لذا يتفوق على الدولة بحد ذاتها ويشكّل قانونه الداخلي وثيقة الدولة العليا بدل الدستور الرسمي.

وينصّ ميثاق «حزب العمال الكوري» على السعي إلى تحقيق هدفَين وطنيَين فوريَين في كوريا الشمالية، ويتعلق الهدف الأول ببناء بلد قوي في النصف الشمالي من شبه الجزيرة الكورية، أي المنطقة الكورية الشمالية، أما الهدف الثاني، فيرتبط بإنشاء دولة اشتراكية تشمل شبه الجزيرة الكورية كلها، بما في ذلك كوريا الجنوبية، ما يعني تحرير الكوريين الجنوبيين من الإمبريالية الأميركية المزعومة وبناء بلد شيوعي موحّد.

يجب أن يدرك الجميع أيضاً أهمية عائلة كيم لتحقيق هذه الأهداف الوطنية، وانطلاقاً من عقيدة «زوتشيه» (مبدأ الاتكال على الذات الذي يشكّل أساس الرؤية التي تحملها كوريا الشمالية عن الدولة والمجتمع)، تُعتبر قيادة عائلة كيم الوسيلة الوحيدة لتنفيذ ثورة اشتراكية ناجحة، وهزم الولايات المتحدة، وتوحيد شبه الجزيرة الكورية، وفي السياسة الكورية الشمالية، لا يُعتبر كيم جونغ أون مجرّد دكتاتور إذاً، بل إنه الزعيم الذي يوجّه الكوريين الشماليين لتنفيذ ثورتهم.

لقد أصبح هذا النظام السياسي الركيزة التي تستعملها كوريا الشمالية لتحديد مصالحها الوطنية الخاصة، فبشكل عام، تعتبر الدول العادية سيادة أراضيها، وراحة شعبها، وازدهار اقتصادها، من أهم المصالح الوطنية، وقد تكون هذه الأهداف من المصالح الوطنية المهمة في كوريا الشمالية أيضاً، لكن تضع عقيدة «زوتشيه» عائلة كيم فوق جميع الأهداف الوطنية الأخرى باعتبارها تجسيداً للمصلحة الوطنية العليا وسبب وجود البلد، إذ ترتكز هذه الفكرة على قناعة مفادها أن كوريا الشمالية لن تتمكن من تحقيق أهدافها الوطنية وإتمام ثورتها إلا إذا صمدت عائلة كيم.

استفزازات نووية متكررة

تتّضح المشكلة الأساسية حين تعتبر كوريا الشمالية مصالحها الأساسية مُهددة، بما أن مصالح الأمن القومي هناك ترتبط بوجود نظام كيم، تكثر المواقف التي تدفع بيونغ يانغ إلى اعتبار مصالحها العليا مُهددة، وبعبارة أخرى، لا تقتصر التهديدات المحتملة على المخاطر العسكرية الخارجية التي تواجهها الدولة، بل تتعدد الظروف الخارجية والداخلية القادرة على إضعاف شرعية النظام.

نتيجةً لذلك، لا يُستعمل نظام الردع بالشكل الذي تتصوره كوريا الشمالية لمنع الخصوم من إطلاق هجوم استباقي ضد البلد فحسب، بل إنه يهدف أيضاً إلى الدفاع عن نظام كيم، ولهذا السبب، يشمل مفهوم الردع من وجهة نظر كوريا الشمالية عناصر إكراه قد تنشئ بيئة خارجية لتعزيز شرعية النظام أو إجبار الدول المجاورة على تقبّل الوضع الذي تفرضه بيونغ يانغ.

كانت كوريا الشمالية قد استعملت جيشها لتحقيق هذا الهدف المزدوج في آخر سبع سنوات، حيث يتعلق أول هدف بمنع أي غزو من جانب التحالف الذي يجمع واشنطن وسيول، أما الهدف الثاني فهو الحفاظ على شرعية نظام كيم أو تقويته أحياناً، ونتيجةً لذلك، لطالما كانت المقاربة العسكرية الاستراتيجية في كوريا الشمالية قريبة من استراتيجية «السيطرة على التصعيد»: تُحقق بيونغ يانغ أهدافها السياسية المنشودة عبر إطلاق استفزازات مدروسة وحذرة لا تصل إلى المستوى الذي يستلزم رداً أميركياً واسعاً، مما يعني الحد من مخاطر اندلاع حرب شاملة.

أعلن كيم جونغ أون في خطابه صراحةً أن كوريا الشمالية قد تستعمل أسلحتها النووية مثلما استخدمت قوتها العسكرية للدفاع عن مصالحها الجوهرية ومنع اندلاع حرب كبرى، ويعني ذلك أن كوريا الشمالية قادرة على استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستعمالها لتحقيق أهدافها السياسية من دون تجاوز العتبة التي تدفع الولايات المتحدة إلى إطلاق رد نووي، ومن المستبعد أن تلقي كوريا الشمالية قنابل نووية على كوريا الجنوبية، لكن يمكنها أن تستعمل أسلحتها النووية لرفع مستوى الإكراه عبر نشر مخاوف توازي الرعب المرافق لأي هجوم حقيقي من هذا النوع.

هل من حلول واعدة؟

هذا التحول الواضح في البيئة الاستراتيجية يطرح تحديات كبرى على مهندسي الأمن القومي في واشنطن وسيول معاً.

أولاً، يجب أن يطوّر مهندسو الأمن القومي سيناريوهات قد تدفع كوريا الشمالية إلى استخدام أسلحتها النووية أو التهديد باستعمالها، ومن المتوقع أن تطلق بيونغ يانغ مستويات متنوعة من الاستفزازات النووية المدروسة في محاولةٍ منها لتحقيق أهدافها السياسية المنشودة، حيث تتعلق خطوة أساسية برصد الاستراتيجيات التي تميل كوريا الشمالية إلى اختيارها في ظروف مختلفة، وسيكون تحديد هذه الخيارات والظروف المُسببة لها ضرورياً لإدارة الأزمة بأفضل الطرق.

ثانياً، تبرز الحاجة إلى ابتكار وسائل متنوعة للرد، ويدعو البعض كوريا الجنوبية إلى تطوير أسلحة نووية، بما أن كوريا الشمالية طوّرت أسلحتها الخاصة، أو ربما يُفترض أن تعيد الولايات المتحدة نشر أسلحتها النووية التكتيكية في شبه الجزيرة الكورية، لكن نظراً إلى طبيعة الاستراتيجية النووية الراهنة في كوريا الشمالية، فقد لا يعطي أيٌّ من هذين الخيارين المفعول المنشود، وستحاول كوريا الشمالية على الأرجح تحقيق أهدافها عبر إطلاق استفزازات مدروسة بدل شنّ حرب نووية شاملة، وقد يثبت الاتكال على الخيارات النووية أن التحالف القائم بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية يفتقر إلى الوسائل المناسبة للرد على استفزازات كوريا الشمالية النووية المحدودة، ومن الأفضل على الأرجح أن يبدأ العمل على تقوية القوات التقليدية المتقدمة في كوريا الجنوبية وتحديث القوات الأميركية المتمركزة فيها لزيادة مصداقية الرد الفوري من جانب التحالف الثنائي.

ثالثاً، يجب أن تطوّر الأطراف المعنية استراتيجية ردع أكثر سلاسة، ففي الظروف الراهنة، حيث يستطيع الطرفان تدمير بعضهما، قد يخسر رد كوريا الجنوبية مصداقيته بسبب تعهدها بإطلاق رد هائل وغير مشروط على أي استفزاز من كوريا الشمالية، ونتيجةً لذلك، يجب أن يستعد الجميع لمستويات مختلفة من الردود المحتملة التي تتراوح بين التحركات المحدودة والتدريجية والشاملة. يعني ذلك أن التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية قد يردّ على استفزازات كوريا الشمالية بطريقة تزيد احتمال خوض حرب شاملة لكنها لا تجعلها مؤكدة.

أخيراً، يجب أن تستمر الجهود الرامية إلى فتح قناة حوار مع كوريا الشمالية تزامناً مع تعزيز قدرات الردع داخل التحالف الثنائي، وسيكون تبادل المعلومات أساسياً لإدارة الأزمة لأنه يسمح لكل طرف بتوقع الخطوة التي ينوي الفريق الأخير اتخاذها، حيث تزداد أهمية هذا العامل حين تتفاقم الأزمة عن غير قصد، إذ يمكن تحليل المعلومات نفسها بطرق مختلفة في هذه الظروف، مما يؤدي إلى ارتكاب أخطاء محتملة بسبب القرارات أو الأحكام المتسرّعة.

إلى أين؟

بدأت كوريا الشمالية تزيد قدراتها النووية سريعاً، وقد أوضح كيم جونغ أون أن بلده مستعد لاستخدام القدرات المكتسبة حديثاً بطريقة ناشطة واستباقية، فهذا الوضع يزيد الضغوط على المخططين العسكريين في واشنطن وسيول، لكن يجب أن يحاول هؤلاء تحليل الوضع بموضوعية في هذه الظروف لأن العواطف والأحكام المنحازة لا تنعكس إيجاباً على صياغة أي سياسات عقلانية، كذلك من الضروري أن يتذكر المخططون العسكريون أهدافهم السياسية المنشودة، فلا تخوض الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية منافسة أيديولوجية مع كوريا الشمالية، بل يتعلق هدفهما السياسي بإرساء الاستقرار والحفاظ عليه في شبه الجزيرة الكورية لضمان السلام والازدهار في المنطقة، فقد حان الوقت إذاً لإعادة النظر بأفضل استراتيجية عسكرية في ظروف مماثلة.

* مانسيوك لي

Back to top button