لماذا يساند الناس جوني ديب بطريقة عمياء؟
بقلم: شارلوت براودمان
خلال عملي كمحامية رأيت العديد من ضحايا العنف الأسري يُقاضَين بتهمة "التشهير" لتجرؤهن على التحدث عما فعله الجاني بهن
النشرة الدولية –
The Independent –
“إذا كانت خائفة حتى الموت، فلماذا لم تغادر؟” سأل جوني ديب، محبوب الجميع والممثل المفضل في هوليوود الذي تحول أخيراً إلى فتى شرير.
كان جوني يتحدث، بالطبع، عن زوجته السابقة أمبر هيرد، التي يقاضيها بتهمة التشهير في الولايات المتحدة بسبب مقال كتبته لصحيفة “واشنطن بوست” في عام 2018. خلال شهادتها، اتهمت الممثلة ديب بالاعتداء عليها جسدياً وجنسياً.
إذا بدت عبارة ديب مألوفة لكم، فذلك لأن: الناجين من ضحايا العنف الأسري وعائلاتهم والنشطاء يعملون بلا كلل للحؤول دون استخدام المجتمع مثل هذه الاستعارات لإلقاء اللوم على الضحايا. بدلاً من سؤال المرأة عن سبب عدم هروبها من الإساءة، أسأل الرجل عن سبب الإساءة إليها في المقام الأول. أعتقد أن هذه نقطة جيدة لبدء النقاش.
يعد الهروب من علاقة مسيئة من أخطر الأوقات بالنسبة للضحايا. فانتهاء العلاقة لا يعني ببساطة أن الإساءة انتهت. يُعد السلوك القسري والسيطرة بعد الانفصال أحد أكثر أشكال الإساءة مكراً وإزعاجاً التي رأيتها على الإطلاق.
خسر ديب دعوى التشهير أمام المحكمة العليا في لندن عام 2020. وقد استقبله المعجبون المحبون بإلقاء الورد عليه، ورمي القبلات في الهواء، ورفع لافتات تعبر عن دعمهم. كنت أقف بجانبه بعدما تخطينا الحراسة الأمنية، ابتسم لي فقابلته بأكثر نظرة جمود يمكنكم تخيلها.
وجد القاضي لاحقاً أن ديب اعتدى جسدياً على هيرد (بما في ذلك ضرب رأسها، ونتف خصل من شعرها، وإمساكها من رقبتها)، وقالت أمبر إنها كانت تخشى على حياتها. يُزعم أن ديب أرسل رسائل نصية إلى صديقه، بول بيتاني، يهدد فيها بإحراق هيرد و”مضاجعة جثتها المحترقة بعد ذلك للتأكد من أنها ميتة”.
من الواضح أن ديب يجر هيرد إلى محاكمة ثانية رفيعة المستوى في الولايات المتحدة، آملاً في أن نتيجتها ستكون أفضل. إنه يقاضيها للحصول على مبلغ ضخم قدره 50 مليون دولار – وهذا يبدو لي وكأنه سيطرة مالية خطيرة.
تركز كلتا القضيتين في إنجلترا والولايات المتحدة على إسكات هيرد عن الحديث عن الإساءة التي تقول إنه سببها لها. أرى العديد من ضحايا العنف المنزلي يُقاضَين بتهمة “التشهير”، لتجرؤهن على التحدث عما فعله الجاني بهن.
بينما ينصّب العالم نفسه في مكان القاضي ويتساءل عما إذا كانت هيرد “ضحية حقيقية”. هل تبدو كضحية؟ هل تتحدث كضحية؟ هل تبكي مثل الضحية؟
أين هي عناوين الصحف التي تتساءل ما إذا كان ديب هو الجاني وتحلل كل حركة يقوم بها؟ لا توجد إجراءات خاصة في المحكمة – يجلس ديب هناك مبتسماً، بينما تعيد هيرد سرد الإساءة والصدمة وتذكرها.
يتم استخدام محامي ديب كبيدق وسلاح لإعادة هيرد إلى دور الضحية من أجل تسلية العالم. أصبحت المحكمة أداة للجاني لمواصلة إساءته وسيطرته. ما هي الرسالة التي يوجهها هذا إلى الضحايا؟ الضحايا اللواتي لا يمتلكن المال والشهرة وصوراً تثبت إصاباتهن ورسائل نصية تهددهن؟ كيف يعتقدن أن نظام العدالة سيعاملهن؟
يُطلب من المحكمة اعتبار هيرد “غير طبيعية” و “مريضة عقلياً” و “مجنونة”. في كثير من الأحيان، توصم ضحايا العنف الأسري بأوصاف متحيزة جنسياً مثل “اضطرابات الشخصية الهستيرية والحدية” من قبل علماء النفس، بدلاً من فهم أنهن يعانين من صدمة ناجمة عن العنف الأسري. وليست هيرد استثناء.
اقترحت الطبيبة النفسية الدكتورة شانون كاري أن هيرد قد تكون مصابة باضطرابين في الشخصية، بينما شخصت الدكتورة دون هيوز إصابتها باضطراب ما بعد الصدمة. ولكن لماذا لا يتم تشخيص ديب بالمرض؟ أين تشخيص صحته النفسية؟
بعد كل شيء، هذا رجل شرح سلوكه التعسفي من خلال تسمية نفسه بـ “الوحش”. كل عنوان رئيس في الصحافة علّق على الصحة العقلية لـ هيرد قد وصم الأشخاص الذين يعانون من صعوبات الصحة العقلية، بينما يقوض في الوقت نفسه مصداقية الضحايا اللواتي يرفعن أصواتهن.
من المقرر أن تخضع هيرد لاستجواب فريق ديب القانوني. يمكنني أن أخبركم من الآن كيف سيجري ذلك لأنني أراه كل يوم في قاعات المحكمة: “لماذا لم تقولي لا؟ ما هي درجة السُّكْر التي كنتِ فيها؟ لقد قمتِ باستفزازه. كنتِ مسيئة. إنه خطؤك”.
هذه الأسئلة تلقي باللوم على الضحية وتجعل الجاني غير مرئي. إنه تكتيك لا يزال فعالاً ومقنعاً للغاية، لأنه يستفيد من كل الخرافات التي تعلمناها عن آلية الإساءة. هي تكذب وهو بطل.
لذلك، عندما أرى وسوماً تنتشر على “تويتر” مثل آمبر هيدر كاذبة AmberHeardIsALiar# أدرك مدى عمق كره النساء في مجتمعنا. لا يهم وجود قرار للمحكمة العليا يثبت أن ديب اعتدى على هيرد، ولا يهم إذا شاهد العالم ديب وهو يعتدي جسدياً على هيرد في الأماكن العامة، فسيظل الناس يدعمون ديب. ما الذي يجعله فوق القانون؟
هل لأن ديب هو تعريف الذكورة؟ ولأن كل رجل أراد أن يكون في مكانه في لحظة ما؟ إذا كان ممكناً أن يكون حتى “هو” مرتكباً للعنف الأسري، على رغم كل ما يمتلك من شهرة ومجد ومال وسلطة، فهذا يرسل رسالة قوية إلى الرجال مفادها أن أي شخص يمكن أن يكون مرتكباً للعنف. يمكن لأي شخص أن يسقط من مجده – حتى أنت.
لكن الرسالة تقول أيضاً شيئاً خبيثاً أكثر: إن مجتمعنا لا يهتم بالعنف الأسري. “ما المهم في الأمر، لقد صفعها؟ هي تستحق ذلك”. قال ديب إنها كانت “إساءة معاملة متبادلة”. يُقال لنا بمهارة إنه حتى لو أساء إليها، يجب أن نشعر بالتعاطف معه (وهو تعاطف ليس في محله مع الرجال أصحاب السلطة الذين يسيؤون إلى النساء).
كما تعلمنا، لا ينبغي أن يُدمَّر هؤلاء الرجال لأنهم تعدوا على النساء ، لأن النساء لا يستأهلن ذلك. إن مجتمعنا الأبوي يحافظ على هذه الجدلية ويستخدم ديب لمواصلة التعاطف مع الجناة وتوجيه اللوم للضحايا.
لقد رأينا ذلك يحدث مع هارفي وينستين، كيفين سبيسي، لويس سي كيه و بريت كافانو، على سبيل المثال لا الحصر. ديب ليس أول رجل يحصل على دعم شعبي – على رغم الأدلة على أنه كان يضرب زوجته – ولن يكون الأخير.
*الدكتورة شارلوت براودمان محامية متخصصة في العنف ضد النساء والفتيات وزميلة قسم أبحاث المتبدئين في كلية كوينز بجامعة كامبريدج.