الطلاب أمام “الميدل إيست” بالحمرا: حقوق الجامعة اللبنانيّة المهدورة
النشرة الدولية –
المدن – بتول يزبك –
عشرات من الشباب اليافع والنشط، طلابٌ من شتّى الجامعات والثانويات والمهنيات، (من المنتسبين للاتحاد الطلابي العام والمؤيدين له)، تجمعوا في تحركٍ رمزيّ مساء الإثنين. افترشوا الأرض، وزعوا عبوات المياه، وعلقوا اليافطات المطلبيّة، من على أبواب شركة طيران الشرق الأوسط في أحد متفرعات شارع الحمرا الرئيسي، عازمين على إقامة جلستهم النقاشيّة التمرديّة من أمام مكتب “الميدل ايست” لتذكير الشركة بمال الجامعة (52 مليون دولار) المحتجز لنحو السنتين. وعلى قارعة الشارع العمومي جلس هؤلاء يتناقشون ويحاججون ويتمازحون، غير آبهين بنظرات المارة المتفرسة، ولا رجال الأمن الحانقين، أو حتّى المخبرين والشرطة التّي حضرت لاحقًا.
جلسة نقاشية
وإن شدّد المنظمون على كون الجلسة التّي عُقدت أمام مكتب “الميديل ايست” هي في الأساس نشاطٌ طلابيّ بحت، وهو محاولة لتنظيم العمل النقابي الطلابي، وجعله عملاً متماسكًا من حيث الخطاب والتنظيم والتصعيد المُحتمل، إلا أنّه وبغير ما توقعه المنظمون، تمكن التحرك المتواضع حضورًا وبمرور الدقائق الأولى من بداية النقاش، من اقتناص نظرات العابرين واهتمامهم، ليتوقف غالبيتهم للمشاهدة والمُتابعة والتّصوير، فيما فضل البعض الخوض في النقاش والتساؤل عن الأهداف والمطالب وكيفيّة استرداد حقوق الجامعة، وأثر الخطاب المطلبي على مستقبلها ومستقبل عموم أهل الجامعة. فيما اعتمد البعض تصوير اللافتات المنصوبة والتّي حملت شعارات مثل “مصالحنا بوجه مصالحكم” و”فكر، إنتاج، عدالة اجتماعيّة”.
واُستهل النقاش الذي حضره حقوقيون، أبرزهم المحامي واصف الحركة، بتلاوة الناطقة باسم الاتحاد، حنين محمد، بيانًا فندت فيه آلية العمل النقابي في الإطار الطلابي حديث الإنشاء، فضلاً عن المطالب الرئيسيّة التّي ينادي بها هؤلاء كالتالي: “مصالحنا بوجه مصالحكم، أخترنا أن يكون عنوان الجلسة حول مصالحنا كطلاب، طموحاتنا الجامعية وخصوصاً في الجامعة اللبنانيّة وقطاع التعليم ككل، دور الطالب في المجتمع وبالتالي دور الجامعة وقطاع التعليم في هذا المجتمع. اخترنا هذا المكان تحديدًا في إشارة على الفساد واللصوصيّة والزبائنية التّي تنتهجها شركة الميدل ايست في ملف فحوص الـ” بي سي آر”. هنا تصب مصالحنا، وهذا ما سنتحاور به، آلية المواجهة لاستراد الحقّ المنتهك بالرغم من صدور قرار قضائي يُثبته”. مضيفةً: “الاتحاد الطلابي العام، اتحاد نقابيّ طلابيّ، ما زلنا بمرحلتنا التأسيسية للاتحاد. ونقول تأسيسيّة لأننا نعرف حجم المعركة وضرورة التنظيم وضبطه لنتمكن من خوضها. ولا ننفي أن مسارًا طويلاً للبناء وساحات مواجهة ستعترضنا، تتطلب جهداً يوميّاً وحثيثا. وهذا الجهد سنبذله نحن الطلاب العازمين على خوض المواجهة بإطار منظم، ضدّ منظمة فاسدة”.
أموال “بي سي آر”
تشير حنين محمد، أن الجامعة ومن المرات النادرة أدت دورًا محوريًا وجديًا في خدمة المجتمع، في خضم أزمة كورونا، وشغلت مختبراتها وتقنياتها وطلابها وأساتذتها لتدارك وطأة الأزمة. وتمكنت أن تكون منتجة وفعالة، وكوفئت الجامعة بنهب مقدراتها وحقوقها من مال فحوص الـ”بي سي آر”، لأن حيتان المال وعصبة المصارف اعتبرت أن مراكمة الثروات أهم من التعليم، وأن نهب الجامعة وصمت إدارتها المتواطئة، وتفقير كادرها البشريّ ومصادرة حقّ الطلاب بالتعليم، يصب في مصلحتها الخاصة. وتقع اليوم مصلحة الطلاب في استرداد ما قضم ولو استدعى الأمر المواجهة والتصعيد والعنف. لذلك “فإن مصالحنا نقيضة لمصالحهم، نريد تعليماً بخدمة المجتمع، نريد اقتصاداً ومؤسسات وسياسات بخدمة المجتمع، نريد الثروة بخدمة مجتمع نُحقق فيه وجودنا وطموحاتنا وأحلامنا. سوف نسترد 52 مليون دولار من “بطن الحوت” (إشارة إلى رئيس مجلس إدارة الميدل إيست، محمد الحوت)، ليس فقط لكون ميزانيّة الجامعة بحاجةٍ للأموال، بل لكون الصراع صار اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا ومصيريًا ما بين قوى تقوم بتفتيت المجتمع وقوى تُريد بناء مجتمع”.
هذا فيما يُذكر أن المبالغ المستحقة للجامعة منذ تموز عام 2021 حتّى 9 كانون الثاني من عام 2022، هي حوالى 52 مليون دولار أميركي (22 مليون دولار من مجمل الشركات و40 مليون دولار من شركة الطيران الأوسط للخدمات الأرضية وضمنًا “الميدل إيست”). ولا تزال الشركات المذكورة تحتجز مال الجامعة العام، ولا يزال الملف نقطة مفصليّة ومصيريّة في إنقاذ ما تبقى من القدرة التشغيلية للجامعة.
وقد عمدت شركات الطيران للتهرب المستمر من معالجة هذا الملف ورد المبالغ، بالرغم من القرار الصادر أواخر شباط من عام 2022 عن المدعي العام لدى ديوان المحاسبة، القاضي فوزي خميس، الذي ألزم الشركتين آنفتي الذكر بتسديد المبالغ المستحقة بالدولار النقدي. ناهيك بتلكؤ النيابة العامة المالية، التّي تنظر في هذا الملف، منذ حينها، من دون أي تقدم يُذكر، وحتّى من دون وضع سقف زمنيّ لتحقيقاتها. بينما تمتنع وزارة الأشغال العامة عن التطبيق الفعليّ لصلاحيتها، من جهة حقها بفسخ عقود الشركات، إن امتنعت مجدّدًا عن إيفاء المبالغ المتوجبة عليها، ما يصب في مصلحة الجامعة وإعادة الأموال العامة المهددة بالهضم والنهب.