بايدن و«الثعلب»!
بقلم: رجا طلب
النشرة الدولية –
يتفرد هنري كيسنجر (99 عاما) بصفته أشهر السياسيين المخضرمين خلال القرن العشرين والحادي والعشرين وأكثرهم دهاء ومنذ زمن مبكر أطلق عليه «ثعلب السياسة الاميركية»، فهو الذي حقق بدهائه أبرز الاختراقات التي أوصلت الولايات المتحدة للاستفراد في العالم منذ نهاية عقد الثمانينات وإلى اللحظة الراهنة، ومن أبرز تلك الاختراقات التاريخية التي حققها كان فتح العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، حيث أقنع الرئيس ريتشارد نيكسون وبصفته مستشارا للأمن القومي بضرورة إيجاد مساحة من التباعد أو التناقض إن أمكن بين بيكين وموسكو، وذلك بهدف إضعاف المعسكر الشيوعي، وتكللت زياراته السرية المتعددة لبكين بإنجاز صفقة تاريخية عام 1971 أدخلت الصين للعالم كدولة عظمى وفي ذات الوقت ساهمت تلك الصفقة بإبعاد الصين خطوات وخطوات عن موسكو، وبدهائه أيضا عمل على إقناع القادة الصينين بفشل النظرية الاقتصادية الشيوعية، ويمكن استبدالها باقتصاد يزاوج بين الراسمالية والاشتراكية، ويكون له عوائد مالية ومردود تنموي كبير، ونجح كيسنجر بذلك بإيجاد مساحة كبيرة من التعارض وأحيانا التناقض بين بيكين وموسكو.
أما الاختراق التاريخي الثاني الذي أنجزه هنري كيسنجر فقد كان إقناع الرئيس المصري الراحل أنور السادات وبعد حرب اكتوبر بالسلام مع «إسرائيل» واستطاع وبدهائه أيضا من تحويل النصر العسكري العربي والمصري في اكتوبر من عام 1973 إلى هزيمة سياسية تمثلت بزيارة السادات لتل أبيب والبدء بمفاوضات «السلام» التي انتهت في كامب ديفيد إلى اتفاقيات «كامب ديفيد» وهي التي كانت المشرط الذي «بُقرت» به خاصرة القضية الفلسطينية والتي مازالت تنزف إلى الآن، والمسألة المرتبطة بتلك الاتفاقيات وبالتزامن معها كان كيسنجر قد أعد أخطر سيناريو لمنطقة الشرق الأوسط وتحديدا في لبنان في عقد السبعينيات والثمانينات، إنه سيناريو (لفت الانتباه) أو إشغال مراكز صنع القرار في العالم العربي بحرب طائفية طاحنة في لبنان بوجود عسكري فلسطيني – سوري، ونقل عن سياسيين عرب وأميركيين أن نظرية كيسنجر في ذلك الوقت كانت قائمة على أن السلام يُبنى في جبهة، فيما الحرب الطاحنة توجد في جبهة اخرى.
مقالي هذا ليس مرافعة لكي اقنع القراء الكرام بذكاء هنري كيسنجر بل لكي انطلق منه لرسم المشهد الأكثر سخونة في العالم ألا وهو الحرب في أوكرانيا، ورأي هذا «الثعلب» بسياسات الرئيس بايدن الذي وصفته عدة صحف بالعالم بأنه عاجز.
الثعلب الأميركي قال في محاضرته بمؤتمر دافوس مؤخرا كلاما استراتيجيا أغضب إدارة بايدن، وكذلك الرئاسة الأوكرانية، ووصل هذا الغضب حد وصف كيسنجر من قبل الرئيس زلينيسكي بأنه «جاهل في فهم التاريخ» حيث قال (قد يتكون لديكم انطباع بأن تقويم السيد كيسنجر لا يشير إلى عام 2022 وإنما إلى عام 1938، وأنه يعتقد أنه يخاطب جمهورا ليس في دافوس وإنما في ميونيخ في ذلك الوقت)، والمقصود اتفاقية ميونخ التي قبلت فيها الدول الغربية إطلاق يد هتلر في شيكوسلوفاكيا.
يمارس زلينسكي رقصته السياسية بمنتهى التبعية لمستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، ويتعامل مع نصائح «الثعلب» بعجرفة وازدراء ويجعلنا فعلا ننتظر النتائج الكارثية في أوروبا بل والعالم كله إن لم تستطع إدارة بايدن وخلال شهرين وكما حددها كيسنجر من إيجاد تسوية في أوكرانيا حيث قال وبلغة هادئة (إن التسوية في أوكرانيا ستكون صعبة المنال) والسؤال ماذا يعني هذا الكلام؟
ما يعنيه أن روسيا ستستمر في تحطيم قواعد النظام الدولي الحالية بكل أشكالها وعبر أدواتها العسكرية ونفوذها السياسي – الاقتصادي في مجالي الطاقة والنفط، ومحاربة نظام الدولار كعملة صعبة أساسية في التجارة الدولية، ومن المهم أن كيسنجر في إطلالته بدافوس كان يوجه رسائل لبايدن أكثر من أي طرف آخر، فهل يسمع بايدن نصائح الثعلب؟