الملف السوري في الأمم المتحدة… والحائط المسدود
بقلم: حمزة عليان

النشرة الدولية-

الأزمة المستمرة في سورية ولّدت لجاناً ومبعوثين أمميين هذه اللجان تحتاج إلى «شرطي مرور» لتنظيم حركتها وحصرها، كل يوم نسمع عن لجنة ومبعوث جديد وكلما زاد العدد أوحى ذلك بأن الحرب مستمرة وغير معلوم متى تنتهي.

بعد غد ستشهد كازاخستان الاجتماع رقم «18» لما يعرف بـ«صيغة أستانا» وفي موازاة «أستانا» هناك اللجنة الدستورية المصغرة التي أنهت جولاتها «9» قبل أيام دون أي تقدم يذكر؟

جوهر الموضوع أن الأمم المتحدة أوكل إليها مهمة التحضير لصياغة دستور جديد لسورية والعمل على إيجاد حل سياسي للحرب الدائرة منذ عام 2011، فماذا فعلت؟

تعاقب على إدارة هذا الملف منذ «اندلاع الثورة» خمسة مبعوثين أمميين يمثلون الأمين العام للأمم المتحدة أولهم محمد الدابي (سوداني) كان مندوباً عن الجامعة العربية، جاء بعده كوفي عنان (6 أشهر) ثم الأخضر الإبراهيمي ثم دي ميستورا (السويد) وآخرهم غير بيدرسون (النرويج).

كل الجولات التي شهدتها جنيف وعواصم أخرى انتهت إلى الفشل، فلا التوافق حصل على دستور جديد ولا الحل السياسي المنشود خطى خطوة واحدة إلى الأمام.

صيغة «أستانا» مازالت تراوح مكانها وإن كانت بعض الدول الضامنة لها «روسيا وإيران وتركيا» أبدت امتعاضها من الطريقة التي يتم التعامل بها عن طريق مبعوثي الأمم المتحدة.

يبدو أن البيروقراطية والتعالي من بعض المبعوثين من الأسباب التي طفت على السطح، ولم يستطع هؤلاء خلق تقارب بين القوى المتقاتلة، فالجلوس في أروقة المكاتب في جنيف والنظر إلى ما يحدث على الأرض في إدلب أو في القامشلي بالنظارات وعن بعد لن يكون في مقدوره ردم الهوة والقدرة على إدارة الصراع ووضع الحلول العملية والمناسبة له.

أسلوب وطريقة تعاطي بعض مبعوثي الأم المتحدة إلى بؤر الصراع في المنطقة لا تبشر بالخير، قد ينجح البعض وهذا أمر وارد كما حصل في اليمن مؤخراً، لكن ماذا عن هذا الدور في ليبيا أو في سورية، لم نر المفاوض الأممي يجلس وينزل الميدان ويقترب أكثر من قوى المجتمع المدني أو المعارضة أو حتى الوفد الحكومي.

كنت أراقب تجربة الأخضر الإبراهيمي كمبعوث أممي في سورية، شعرت أن هذا الرجل يملك ثقافة واسعة عما يجري هناك، لديه معرفة بطبيعة وخلفية القوى المتصارعة وعنده خبرة متراكمة في حل النزاعات والوساطات وهذا ما يجعل المهمة تحظى بقدر من النجاح لأنه لامس الواقع وعايشه عن قرب.

لقد وصلت جولات المبعوثين الأممين إلى حائط مسدود ولم يعد لاجتماعاتهم جدوى تذكر في تصحيح المسار ولا في وقف الحرب ولا في تسوية سياسة مؤقتة، فالمبعوث وراء المبعوث لكسب الوقت والاستمتاع أكثر بالسفر جوا وبالخدمات والمزايا التي يحصلون عليها فقط، فالأزمة السورية حولت هذا البلد إلى حقل تجارب.. ومكاتب المبعوثين تملأ العواصم العربية والأوروبية وفي النهاية، ليس هناك من يراقب أو يحاسب، وسط أجواء من إنعدام الثقة.

غالبية المسؤولين والمعنيين بالملف السياسي السوري جالسون في جنيف لم يكلف أحدهم نفسه بالذهاب إلى دمشق للتواصل مع الأطراف المتقاتلة، فهل سيكون هؤلاء قادرين على الدخول في أي مفاوضات حقيقية؟

أحد المراقبين للملف السوري يعتقد أن مشكلة بعض المبعوثين افتقادهم إلى خطة استراتيجية وليس لديهم مقترح عمل مضمون قابلاً للنقاش، والأمم المتحدة تتفرج على واقع الاحتلال العسكري لسورية من قوى إقليمية ودولية دون أن تقوى على رفع الصوت وتطالب بإخراج هؤلاء.

في السياق العام، يظهر أن الملف السوري في الأمم المتحدة هو الأسوأ مقارنة بالملفين اليمني والليبي، وقد يحتاج إلى «نفضة» لضخ دماء جديدة وإعادة تصحيح المسار لأعضاء وفد سياسي لم يخرجوا من الفندق الذي ينزلون فيه بدمشق مسافة مئة متر.

قد يكون الوقت مناسباً لإعادة النظر في مكاتب مبعوثي الأمم المتحدة في المنطقة العربية ونوعيتهم ودورهم وصلاحياتهم خصوصا أولئك الذين يمسكون بملفات الأزمات المتفجرة والملتهبة في سورية واليمن وليبيا بحيث يكون أكثر تأثيراً وفاعلية.

زر الذهاب إلى الأعلى