البسمتي الذي قضى على المقاطعة
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
لا نريد أحداً يزايد علينا، فقد كتبنا نطالب بالوقوف موقفاً جاداً من معاملة حكومة الهند لمواطنيها المسلمين، وهذا ليس تدخلاً في شؤونها بقدر ما هو إبداء لرأي لا ننكره على أحد بحقنا!
صدرت قبل أيام تصريحات غير مبررة من المتحدثة الرسمية باسم الحزب الحاكم في الهند، واعتبرت دول إسلامية عدة أنها مسيئة لرموزنا الدينية، على الرغم من أن ما قالته ليس بجديد، بل ورد ذكره في كتب ومراجع كل المذاهب الإسلامية دون استثناء، فأين الخطأ في الموضوع؟
بعد تزايد الاحتجاجات، قامت الحكومة الهندية بإقالة المتحدثة، بعد اعتذارها، ولكن البعض طالب باعتذار رسمي من الحكومة الهندية نفسها، ولكن الأخيرة رفضت ذلك!
اللافت للنظر أن دولاً كثيرة تصدر عنها أقوال وتصرفات وكتابات كثيرة مسيئة لرموزنا الدينية، ومع هذا لم أسمع غير «همسات» احتجاج، ولا يرتفع صوتنا إلا مع الدول التي نعتقد أن بإمكاننا «الإضرار» بها، علما بأن تجاهل مثل هذه الأمور هو الأفضل، أما إصرارنا على الإضرار بهم، أو الإساءة لمواطنيهم في دولنا فإنه قرار أخرق سرعان ما سينقلب علينا، وسينتج عنه رد فعل لدى الطرف لآخر، والإساءة أكثر للمسلمين لديهم، انتقاماً من مقاطعتنا لهم!
عندما وقع الغزو والاحتلال العراقي اللئيم لوطننا، كان يعيش في الكويت مئات آلاف الهنود، الأفضل بين مختلف الجاليات في ما يتعلق بسجلهم الأمني والأخلاقي. علق هؤلاء في ظروف معيشية صعبة، وكاد أن يتحول وضعهم لمأساة بشرية، مع انقطاع كل سبل عودتهم لوطنهم بأمان، فقامت حكومتهم بالتصرف بسرعة كبيرة، وإرسال الأساطيل لترحيلهم من الكويت في أكبر عملية من نوعها في التاريخ. وبالتالي يجب ألا نعتقد أن ترحيل الهنود من دولنا يمكن أن يستخدم كسلاح ضدها، فآثاره سترتد علينا منذ اللحظة الأولى التي يغادر فيها تراب وطننا أول ألف هندي!
لقد عاشت الهند، الهندوسية في غالبيتها، تحت الحكم الإسلامي في الفترة 1526 وحتى 1858، وانتهى ذلك الحكم مع بدء الاستعمار الإنكليزي، ولم تكن تلك الفترة يوماً سمناً وعسلاً على الهندوس، من قبل غزاة مغول جاءوها من خارجها. وكان المسلم يعتقد دائماً، منذ أن وطأت أقدامه أرض الهند عام 711م (96 هجرية) بأنه الأقوى والأهم، وتالياً الأكثر عراقة وسمواً من الهندوسي. هذا الشعور بالفوقية رأيناه تقريباً في كل الأمم والحضارات، من تفوق البيض على الملونين، والآريين على بقية العالم، والفاشيين والصهاينة على غيرهم إلى آخر ذلك من أوهام العظمة الجوفاء. وفي هذا السياق يقول المعلق الهندي «مأنوج جوشي» إن المتطرفين الهندوس أو «الهندوتفا» ينادون بتفوقهم، وأن مسلمي ومسيحيي الهند هم نتاج التحول القسري لأسلافهم، وعليهم العودة للأصل أو الرحيل، إن لم يكن الفناء! وهذه الفكرة هي التي أمدت الحزب الحاكم بقوته السياسية الحالية، علما بأن التطرف الهندوسي لم يقتصر على المسلمين فيها، بل امتد ليشمل بقية الأقليات الدينية والمكونات الأخرى التي لا تسير في ركب القومية المتعصبة.
إن الوقوف ضد سياسات حزب جنات القومي يجب أن يكون ضمن تحرك دولي يحارب توجهاته وأفعاله ضد مواطنيه. علما بأننا سبقناهم في التصرف بعنف ضد الأقليات غير الإسلامية في دولنا من خلال تطبيقات قانونية غير عادلة معهم، والأفعال المجرمة «لعمر البشير» وغيره لا تزال عالقة في الأذهان!
من يرد مقاطعة الهند فعليه البدء بنفسه، أو بطنه، والتوقف عن استهلاك «البسمتي»!