لبنان ومعضلة الانتظار … ماكرون يتولى إيجاد حل!
بقلم: اكرم كمال سريوي

النشرة الدولية –

الثائر  –

بات واضحاً بعد جلسة الانتخاب الفاشلة الأخيرة، أن الانقسام اللبناني لن يُنتج رئيساً للجمهورية، ولا الحوار المقطوع بين رؤساء الكتل، سيوصل إلى تسوية ما.

لقد سجن الجميع أنفسهم، وعلقوا وسط زنزانة التعصب السياسي والطائفي والمواقف المتصلبة.

فالثنائي الشيعي تبنى ترشيح فرنجية كخيار وحيد، ودعا الآخرين إلى الحوار حول حصصهم من عهد فرنجية. والآن أصبح مكبلاً بهذا الترشيح، فهو غير قادر على التراجع، الذي يعتبره انكساراً له ونصراً للفريق الآخر، كما بدا في خطابه الأخير حول ترشيح جهاد أزعور، وفي نفس الوقت غير قادر على استكمال معركة فرنجية، وكسبها في وجه أغلبية المسيحيين، والمعارضين لترشيحه.

أما التيار الوطني الحر بقيادة جبران باسيل، فاصبح عالقاً في دوامة رفضه القاطع لترشيح فرنجية وجوزيف عون، وانحيازه الى المعارضة بترشيح جهاد أزعور فلا هو قادر على العودة إلى أحضان حزب الله، والموافقة على فرنجية، ولا هو قادر على إيصال مرشحه بالتعاون مع المعارضة.

أما باقي أطياف المعارضة، فهم عالقون رهن شعارات رفعوها، ويعلمون أنها غير قابلة للتحقيق. فأي رئيس في مواجهة حزب الله، لن يصل، وعلى افتراض أنه وصل، فهو لن يستطيع أن يحكم، وسيعجز عن تشكيل حكومة واحدة طيلة عهده.

لذا وجرياً على العادة، فإن غالبية القوى تنتظر الخارج، والمبعوث الفرنسي واجتماع ماكرون بن سلمان، والدور الرئيسي يلعبه طبعاً سفراء تلك الدول في لبنان، فهم يعرفون اللبنانيين وزعماءهم جيداً، وينقلون الصورة والنصح إلى حكوماتهم، التي تتخذ القرار الذي يناسب مصالحها.

لقد سمعنا منذ البداية نواباً وزعماء كُثر يقولون أنهم يريدون رئيساً يُرضي الخارج!!! ولم نسمع كلمة عن رضا الشعب.

يريدون رئيساً ترضى عنه؛ فرنسا، وأمريكا، وإيران، وسوريا، ودول الخليج العربي، والبنك الدولي، وصندوق النقد، وربما الأمم المتحدة مجتمعة أيضاً.

اجتمع ممثلو خمس دول في باريس لاختيار رئيس للبنان، وثم جال بعض السفراء على زعماء لبنان، هدّدوا بالعقوبات، وحجب المساعدات، ووضعوا الفيتوات، وحذفوا ساكناً وحرّكوا ساكناً آخر، ولم نسمع كلمة عن السيادة من السياديين، ولا ممانعة من الممانعين.

في مقابلة تلفزيونية قال أحد نواب الأمة : “المقاومة أعادت لنا كرامتنا” فقاطعته الصحافية بسؤال: هل هذا يعني، أنه عندما سعيت للحصول على الجنسية الأمريكية، لم يكن لديك كرامة؟؟؟

(نفذت بريشها!!! فهي ليست صحافية لبنانية، ويحق للأمريكي ما لا يحق لغيره).

تهديدات بالجملة لنواب ومسؤولين لبنانيين، تلقوها من السفراء وأنذروهم؛ بسحب الجنسية منهم، والحجز على حساباتهم البنكية وأموالهم، ورفع السرية المصرفية عنهم، والكشف عن حجم الأموال والمساعدات التي تلقوها من الخارج، وفضح المستور في علاقاتهم واتصالاتهم، والتقارير التي كتبوها للسفارات، وحتى أن بعض التهديد جاء علنياً وعلى المكشوف، ولائحة العقوبات باتت جاهزة ومسرّبة إلى بعض الإعلام.

عندما تحدّث البطريرك الراعي عن حياد لبنان، قامت الدنيا ولم تقعد، فكيف يكون لبنان محايداً، وهو نصّب نفسه أباً للقضية الفلسطينية؟؟؟

وتعالت أصوات الثوار المناضلين، حتى يخال لك بأن محاربينا الأشاوس، يقاتلون على أبواب القدس، يدكّون أسوارها بالمدافع والسيوف القواطع، وما هي إِلَّا لحظات حتى يتم القضاء على الصهاينة “الملاعين”، ورميهم في البحر، وأن البطريرك بدعوته للحياد، يريد وقف تحرير فلسطين.

بعض اللبنانيين يحمل على كاهله عبء أزمات العالم، من تايبيه إلى هانوي وسيول وبيونغ يانغ وكييف، وليبيا واليمن والصومال، وحتى مدغشقر، يدعم الثورات، ويعلّم الشعوب الوطنية، ويحدد لهم رؤساءهم الصالحين والطالحين .

كل ذلك ونحن عاجزون عن انتخاب رئيس لبلدنا، بل عاجزون عن حل مشكلة الكهرباء، وثمن رغيف الخبز، ولا نستطيع توقيف ومحاكمة مهرّبٍ أو مضاربٍ أو محتكرٍ أو مختلسٍ أو فاسد.

ننتظر أن يمنّ علينا الخارج ببعض النقود (مليارين أو ثلاثة) لإنقاذ اقتصادنا ووطننا، وننسى أننا أهدرنا قرابة ٣٠ مليار دولار، في أقل من ثلاث سنوات، على الدعم والتهريب والهندسات المالية والسمسرات والسرقات.

لو كان هناك سيادة ودولة حقيقية، ومسؤول عادل صاحب ضمير، فلبنان لا ولن يحتاج إلى دولار واحد من مساعدات الإذلال والارتهان تلك، ولتحوّل خلال فترة قصيرة إلى سويسرا الشرق من جديد.

كل ما نحتاجه هو حاكم عادل، يحمل جنسية لبنانية فقط، وولاءه فقط للبنان، يقطع يد السارق، ويثبّت الأمن، ويطبّق الدستور والقانون، وسيكون لبنان بألف خير.

لكن من أين سنأتي بهذا الحاكم، وكم ومَنْ مِن مسؤولينا لا يحمل جنسية بلد آخر، يواليه ويخدم مصالحه على حساب لبنان؟؟؟؟؟

تولى الفرنسي مهمة إيجاد مخرج لأزمة الرئاسة في لبنان، وفيما يعتقد البعض أن ماكرون يبحث عن خيار ثالث بين ازعور وفرنجية، يأمل حزب الله أن ينجح ماكرون بتسويق فرنجية عند بن سلمان.

لقد وضع المسيحيون فيتو حاسماً على فرنجية، لكن هل سيدوم اتفاق جعجع باسيل؟ وإلى متى فيما لو طال الفراغ؟

الآن دخل لبنان مرحلة انتظار جديدة، لا أحد يعلم كم ستطول، حتى يمنّ علينا الخارج باختيار رئيس، خاصة أن الأمريكي الذي كان له إصبع بترشيح أزعور، لم يقل كلمة واضحة بعد، ويختبئ خلف الفرنسي إلى حين. وفي هذا الوقت سيستمر اللبنانيون بادعاء السيادة حتى تصلهم كلمة السر، وبعض الوعود والنقود.

قال مارتن لوثر: “إن الصرح الذي يُنتج متسوّلين يحتاج إلى إعادة هيكلة.”

فقد يُغيّر المتسول مكانه لكنه لن يتغيّر .

Back to top button