بسبب فقدان العمل التعاوني… التعاونيات في لبنان ضعيفة البنية والتنظيم
النشرة الدولية –
نداء الوطن – باتريسيا جلاد –
مواكبة للأزمة الأقتصادية التي أطاحت بالإقتصاد اللبناني وما رافقها من جائحة كورونا والحرب الأوكرانية وصعوبة استيراد القمح والتضخم العالمي، حاول القطاع الزراعي اللبناني أن يتجاوز انهيار العملة الوطنية والمشاكل التي يتخبّط بها ويحقّق نقلة نوعية على خط تحقيق الأمن الغذائي للبلاد وزيادة الصادرات لإدخال العملة الصعبة.
فما هي المشاكل التي يواجهها القطاع وكيف السبيل الى حلّها، مواضيع عرضتها «نداء الوطن» مع وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عبّاس الحاج حسن. وفي ما يلي نصّ الحوار:
ما هي المشاكل التي كان ولا يزال يعاني منها القطاع الزراعي؟
يعاني القطاع الزراعي في لبنان من جملة من المشاكل تحول دون تطورّه السريع، فهو كان منذ زمن بعيد مترهّلاً ومأزوماً، وأبرز المشاكل التي يواجهها القطاع الزراعي في لبنان هي:
1 – إنخفاض ميزانية وزارة الزراعة: لم تعطِ الحكومات السابقة الأولوية اللازمة للقطاع الزراعي في توزيع الميزانية العامة، اذ كانت نسبة تخصيص الميزانية لوزارة الزراعة منخفضة جدًا بدليل ان ميزانية وزارة الزراعة كانت تشكّل نسبة 0.59% في الموازنة العامة. أما اليوم فارتفعت الى 1,8%. ولكن هل هذا يعني أننا قادرون بهذه النسبة على تنشيط القطاع؟ هذا الرقم يكفي لتسديد الأجور والرواتب و»كان الله يحبّ المحسنين»، ما أثر سلباً على القدرة التنافسية للمزارعين وتطوير القطاع.
2 – كساد المواسم (مشاكل داخلية): يعاني المزارعون من كساد في بعض المواسم وارتفاع في الأسعار. فتكاليف المدخلات الزراعية مرتفعة جداً، مثل المياه والكهرباء والأسمدة والمبيدات. ويعود سبب ذلك الى عدم اعتماد منهج ورؤية واضحة في الإقتصاد اللبناني عموماً والقطاع الزراعي خصوصاً من خلال اعتماد الإستدامة في القطاع. وهذا الارتفاع في المدخلات يجعل منتجاتنا أغلى سعراً وأقل تنافسية.
3 – نقص الروابط التعاونية: تعاني القطاعات التعاونية الزراعية في لبنان من ضعف في البنية التحتية والتنظيم، مما يجعل عملية الاتصال والتواصل بين المزارعين والمستهلكين غير فعالة.
4 – تهريب المبيدات والأدوية الزراعية غير الصالحة والتي تتضمن مواد مسرطنة والتي تدخل الى السوق اللبنانية من دون التصريح عنها.
5 – وقف الدول الخليجية الإستيراد من لبنان (مشاكل خارجية): إغلاق أسواق الخليج العربي الإستيراد من لبنان منذ العام 2021 بسبب تهريب شحنات كبتاغون من خلالها عدا عن أن بعض الشحنات تضمنت منتوجات دون المواصفات، الأمر الذي يتسبب بالإرباك بالنسبة للبنان.
لكن ما هي الحلول للمشكلات المعروضة لتحسين وضع القطاع الزراعي؟
1 – زيادة موازنة وزارة الزراعة.
2 – دعم المزارع من خلال خفض قيمة الأسمدة والمبيدات والمساعدة في مجال الطاقة وتوفير الطاقة البديلة. وفي هذا السياق سأطرح خلال جلسة مجلس الوزراء المقبلة إمكانية خفض كلفة رسم الإشتراك وساعة الكهرباء للساعات الزراعية للمزارعين فالطاقة تشكّل نسبة 30% من كلفة الإنتاج. علماً أننا طرحنا مشروعاً منذ عام ونصف العام حول توفير طاقة شمسية لكل بئر إرتوازية زراعية ووافق البنك الدولي على تمويل المشروع ونحن في مرحلة تحديد الآليات الأنسب مع البنك.
3 – أن تلعب التعاونيات الزراعية دورها المفقود، أولاً في تقليص هامش الربح بين سعر الشراء من المزارع والسعر المباع في السوق الذي يجب ألا يتعدّى نسبة 15%. فضلاً عن الدور الذي يجب ان تلعبه التعاونيات في التوعية والإرشاد للمزارعين التقليديين الذين لا يزالون على سبيل المثال يعتمدون سياسة وضع كميات كبيرة من الأسمدة ظنّاً منهم أن نمو المزروعات سيكون أسرع.
وفي السياق سنطلق تطبيقات ذكية ليتمكن المزارع من خلال الهاتف الذكي الاضطلاع مثلاً على الأمراض التي قد تلحق بالمزروعات في شهر معين والأدوية التي يمكن استخدامها والكميات.
4- وضع حدّ من قبل القوى الأمنية لمسألة تهريب الأسمدة والأدوية الزراعية التي تدخل الى لبنان. فليست كل الأسمدة التي تدخل الى البلاد والمستخدمة مصرّحاً بها. وأقدّم في هذا السياق إخباراً للنائب العام التمييزي والنيابة العامة الماليه بملاحقة عمليات التهريب ولتضافر الجهود في سبيل وقف هذه المخالفات باعتبار أن بعض المبيدات والتي يتمّ تهريبها قد تكون مسمّة وتتضمن مواد مسرطنة.
5 – إعادة فتح الأسواق الخليجية أبوابها مجدّداً أمام استيراد المنتجات اللبنانية وذلك سيتمّ تدريجياً بعد عودة الثقة بالتعامل مع لبنان وبالتالي بالإستيراد منه فيطمئن المستورد الى أن المنتجات التي ستصل اليه «نظيفة» وذات جودة عالية.
لماذا هامش الربح كبير بين سعر الشراء من المزارع وسعر المبيع لدى التجار؟ وما الحلّ؟
لأن حلقة الربط والوصل ما بين المنتج والمستهلك مفقودة، في ما يتعلق بالعمل التعاوني.
يبيع المزارع على سبيل المثال كيلو البطاطا بأرضه بقيمة 12 ألف ليرة ولدى التجار والسوبر ماركات يُباع بقيمة 40 ألف ليرة. وهذا الهامش مرتفع في الوقت الذي حدّد فيه القانون الهامش بـ15%، وحلّ ذلك الأمر يتطلب كما ذكرت آنفاً في الحلول تضافر الجهود لتوفير الدعم للمزارع من خلال خفض قيمة الأسمدة والمبيدات والمساعدة في مجال الطاقة وتوفير الطاقة البديلة. باعتبار أن نسبة 30% من المزارعين يريدون ان توفّر الطاقة لهم عدا الطاقة الكهربائية العادية ومولّدات الكهرباء التي تشغّل على المازوت، وبذلك نكون وفّرنا 30% من المدخلات الزراعية فتنعكس انخفاضاً على سعر المنتج بنسبة 30% على المستهلك اللبناني وقدرتنا تزيد 30% على المنافسة في الخارج. وهذه المعادلة يمكن الإنطلاق من خلالها.
وبالنسبة الى السعر المرتفع والذي يباع فيه كيلو البطاطا والبالغ 40 ألف ليرة مثلاً فيعود الى فقدان العمل التعاوني. في اوروبا مثلاً هناك ما يعرف بالأسواق الشعبية، وانطلاقاً من هنا يمكن في بسكنتا مثلاً إقامة سوق صغير تعرض فيه مثلاً المنتجات البلدية التي لدى المزارعين مثل البندورة أو التفّاح على سبيل المثال. علماً ان المشروع يكون للبلدية على سبيل المثال فيتمّ شراؤه مثلاً من قبل المستهلك بأقلّ بنسبة 40%.
ماذا عن الرقابة على السلع المصدّرة؟
لا بدّ من الإلتزام مع دول الخليج العربي بالفحوصات التي كانت معتمدة على السلع المصدرة وذلك ضمن الشروط التي وضعها الإتحاد الأوروبي وهي عالية جداً ما يتيح لنا تصدير الكرز الى لندن والنبيذ الى فرنسا وزيت الزيتون الى اسبانيا وهذه دول أوروبية لا يمكن التلاعب معها. كل تلك المنتجات وغيرها مثل الحمضيات والموز والتفاح والورقيات سنعاود تصديرها الى كل دول الخليج، من البوابة الأوسع وهي المملكة العربية السعودية التي استوردت من لبنان في العام 2018 ما حجمه 69432 طناً خضراوات ومواد زراعية وحيوانية (دجاج لبن حليب جبنة…)، آملاً عودة الأمور مع السعودية الى سابق عهدها لأن السوق السعودي واعد والمنتج اللبناني محبوب.
هل بدأ التصدير الى الكويت؟ وماذا عن السعودية؟
تمّ تصدير شحنة، ولكن الكويتيين يفضلون ان يكون الجانب اللبناني قد أنجز كل الإجراءات اللازمة في ما يتعلق بموضوع التصدير. فالإجراءات التي نقوم بها جيّدة ولكن تحتاج الى أن تكون ممتازة لتسريع العجلة.
علماً أن فتح الأسواق سيكون تدريجياً على دول الخليج. مع العلم ان هناك منافسة للمنتجات اللبنانية في المنطقة من تركيا وايران ومصر. فمنذ عدت من الرياض تواصلت مع المعنيين ورئيس الحكومة وبدأنا العمل لإنجاز تلزيمات وإجراءات قانونية فأطلقنا السهم في الإتجاه الصحيح.
ما هي الإجراءات التي يجب القيام بها لنحظى بثقة الدول الخليجية؟
يجب ان يكون هناك تشدّد في الرقابة، ويحصل عمل جبّار في مرفأ بيروت من قبل الأجهزة الأمنية ووزارة الأشغال العامة والنقل وفي القريب العاجل سيكون هناك بشرى سارة وهي إطلاق عملية الترتيبات مثل السكانر والتشدّد الأمني الذي سيعتمد لأننا نحتاج الى إرسال رسائل ثقة الى دول المنطقة.
السكانر على المرفأ استقدم منذ فترة، ألا تقوم الآلات بعملها؟
آلات السكانر موجودة في المطار وعلى المعابر ولكن حجمها يتطوّر، ويجب زيادة قدرتها، الأمر غير المتوفّر ويحتاج الى وقت أكثر لإنجازه. نحتاج الى توحيد الجهود لبنانياً من وزارات الزراعة والإقتصاد والأشغال العامة والأمن والجمارك، لنصبح على جهوزية تامة للتصدير الى كل دول العالم.
نعاني أزمة كبيرة جداً في مجال تهريب الحبوب المخدّرة التي ندينها بمنطق ديني واخلاقي وإنساني بالمطلق يجب ان تضرب تلك العصابات بيد من حديد ومشكور وزير الداخلية والأجهزة الأمنية على ضبط عشرات الشحنات. ولكن هذا الأمر يحتاج الى استمرارية وجهد كبير. علماً أننا نعمل باللحم الحيّ كقوى أمنية ووزارات وإدارات وهذا الأمر يجب ان يؤخذ بعين الإعتبار. الأفق مفتوح اليوم للتعاطي بإيجابية مطلقة من الإخوة العرب وتحديداً المملكة العربية السعودية، ولكن علينا ترتيب هذه الأمور الداخلية لنكون جاهزين.
ماذا حصل بكميات القمح التي حصدت من المزارعين؟ هل التزمتم كدولة بتعهداتكم ؟
التقيت وزير الإقتصاد والتجارة أمين سلام وتناولنا موضوع خطة القمح التي ستبصر النور خلال ساعات وستكون على جدول اعمال جلسة مجلس الوزراء المقبلة اذ سنشتري القمح عبر وزارة الإقتصاد والذي زرع والصالح لإنتاج الطحين بهدف استخدامه في السوق المحلي وتوفير الإستيراد من الخارج. ونتحدث هنا عن محصول 70 أو 80 ألف طن تقريباً من القمح ما يكفي السوق المحلّي لفترة شهر أو أكثر من شهرين باعتبار أن السوق اللبنانية تحتاج شهرياً الى 33 الف طن من القمح أكساد 11-33 ما يعادل 23 ألف طن من الطحين، علماً أن خطة وزارة الزراعة الوطنية قضت بزرع كمرحلة أولى 15 ألف دنم، وفي العام المقبل سنبدأ بالخطوة التوسّعية الثانية لنصل الى مرحلة نوفّر فيها خلال السنوات المقبلة 50 أو 60% من حاجة السوق ورفع السقف الى 100 ألف دوام.
ماذا عن المزروعات التي يتم ريّها بمياه المجارير؟
نتحرّك بناء على كل شكوى تصلنا في هذا السياق عن استخدام مزارعين مياهاً آسنة لريّ المزروعات. فنقوم بكشوفات بمؤازرة المدّعين العامين والواقعة الأحدث كانت في البقاع فتواصلنا مع المدعي العام منيف بركات وتوجه وفد من مصلحة بعلبك في وزارة الزراعة وكشفوا بمؤازرة أمن الدولة، وتمّ تلف المنطقة التي قدّر أن تكون تمّ ريّها بالمياه الآسنة.
وفي مقابل ذلك لا يمكن التهويل والقول أن كلّ تلك المناطق يتمّ ريها بالمياه الآسنة، قد يصادف وجود مزارع بلا ضمير يستخدم المياه الآسنة لمزروعاته.
ما هي الرؤية التي تعملون عليها في المجال الإستثماري؟
أعمل على مشروع وطني لجذب الإستثمار العربي وغير العربي الى لبنان في الأراضي الزراعية. هناك مساحات شاسعة غير مستثمرة، نعدّ رؤيتنا والتحضير من الناحية القانونية لتلك الخطوة، أو البنية التحتية. الأمن مستتب ويمكن للعرب أو المغتربين ان يستثمروا لفترة 10 سنوات مثلاً في أرض مع الالتزام بروزنامتنا الزراعية وما يمكن زراعته.
بدأنا في إعداد الرؤية التي ستنجز خلال شهر او شهرين من الآن على أن يتمّ إطلاقها في مرحلة لاحقة. ويمكن أن تحصل نقاشات بعيدة عن الأضواء أو إطلاق هذا العمل في الإعلام للقول أننا نقوم بخطوات عدة بالتوازي للمساعدة على رفع القطاع الزراعي.
تقدّم المنظمات العالمية دعماً للبنان في القطاع الزراعي ما نوعها ومن يشرف عليها؟
قريباً سنطلق بالتعاون مع المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي GIZ مشروعاً في القطاع الزراعي لدعم المزارعين بهبة بقيمة 15 مليون دولار. الخميس المقبل سنوقع مع الإتحاد الأوروبي منظمة الـ»فاو» والـ WFP (world food programme)على قبول الهبة مقدمة من الإتحاد الزراعي في لبنان مقدّرة بقيمة 15 مليون دولار.
وهناك مشروع «زراعي» دانماركي بقيمة 4 ملايين دولار، عدا عن قرض البنك الدولي والذي لا نزال في نقاش اوّلي حول منحه الى لبنان بقيمة 200 مليون دولار لدعم القطاعات التنموية لا سيما القطاع الزراعي.
سهول مستغلة بأقل مما يجب
مسح بمساعدة الجيش
هناك مشروع مع قيادة الجيش اللبناني ووزارة الدفاع والـWFP، لمسح كل الأراضي اللبنانية ومعرفة إمكانات زراعة القمح والشعير والبقوليات والبطاطا والبندورة وهذا مشروع رائد جداً. نعد برنامجاً لتحصيل معلومات عبر الأقمار الصناعية عمّا تتضمن كل منطقة أو بقعة من مزروعات وما هي إمكانية زراعتها وهل هي ارض بعل أو حرجية أو مروية. وهذا الأمر بغاية الأهمية.
إحصاءات الصادرات
بلغت تغطية الصادرات الزراعية للمستوردات نسبة 60% خلال العام 2021 فارتفعت الصادرات الزراعية من 105 ملايين دولار في 2007 الى 157 مليون دولار في 2019 ثم الى 232 مليون دولار في 2020 فـ498 مليون دولاراً عام 2021. أما في العام 2022 فسجّلت الصادرات اللبنانية الى مجموعة الدول العربية وحدها ما قيمته 423,27 مليون دولار. ويأتي ذلك رغم وقف المملكة العربية السعودية والكويت الإستيراد من لبنان.
إلى أين تتجه المنتوجات الزراعية اللبنانية اليوم؟
تتجّه المنتوجات الزراعية الى قطر والإمارات العربية المتحدة بحراً وبالطائرات الى دول عدة. وبرّاً تتوجه الى العراق والأردن ومصر وشحنة توجهت الى الكويت عبر سورية.