أميركا تهدي روسيا حُكم العالم
بقلم: صالح الراشد
النشرة الدولية –
غريب هذا العنوان وقد ينتاب الكثيرون الشك فيه، فهل يُعقل أن تقدم الولايات المتحدة حُكم العالم لروسيا على طبق من ذهب وتتراجع عن موقعها كالقوة الأعظم، أتفق معكم بأن ما جرى غريب، لكن من الواضح أن هناك جهل في الدولة الأولى في العالم أو خيانة كبرى مبرمجة بدقة بحيث لا يرها إلا من يُدقق طويلاً فيما يجري، حتى غدت روسيا تحكم طعام وطاقة العالم وتسيطر على الاسعار فتُجوع من تشاء وتُشبع بطون تريد، وتمنح الدفء للبعض وتحجبه عن الآخرين، ليثبت أن المدرسة الروسية تعتمد على المشاريع طويلة الأمد والتي تجعل المنافس يشعر خلالها بأنه المُسيطر، وهنا تكمن قوة المفاجأة.
الولايات المتحدة كدولة رأسمالية بحثت عن السيطرة على الطاقة والغذاء في شتى بقاع الأرض، وقامت من أجل ذلك بتقديم معونات للعديد من الدول لمنعها من استغلال المساحات الزراعية التي تملكها وبالذات في منطقة الشرق الأوسط وافريقيا، حتى تبقى تابعة بغذائها وطاقتها لواشنطن وأتباعها، وبالتالي تملك قرار هذه الدول السياسي، لذا لم تدعم المشاريع التنموية في مجالي الزراعة والطاقة إلا إذا كانت مسيطرة عليها كلياً، وهذا الأمر جعل الدول المنتجة للزراعة المُصنعة للطاقة، تستفيد من المساحات الفارغة التي صنعتها واشنطن بغباء ساستها وتحيزهم لقضايا محددة، واعتقادها بأنها بهذه الطريقة تحجم من القدرة الشرقية في القارة الأوروبية.
والغريب والذي يجعلنا نشك بوجود مؤامرة داخل الجهاز السياسي الأمريكي، أن واشنطن تعلم حجم كميات القمح والمحاصيل الزراعية التي تصدرها روسيا وأوكراينا للعالم عبر البحر الأسود، وتعلم أن هذه المنطقة حمراء لا يجوز العبث فيها حتى لا يضطرب العالم، ولكنها بطريقة غير محسوبة المخاطر ومن أجل الهيمنة على القرار الروسي عبثت مع موسكو التي سارعت لإعلان الحرب على كييف، وهنا وقع المحظور وتعرض العالم أجمع لأزمتي الغذاء والطاقة، ووصل الخطر لجميع المدن الأمريكية التي أصبح سكانها يعانون من إرتفاع الأسعار.
وظهرت سلبية نتائج النهج الأمريكي حيث كان على ساسة واشنطن منذ البداية أن يقوموا بدراسة شمولية للقوة الروسية ويعملوا على إضعافها، وبالذات القوة الغذائية والحاجة الأوروبية المُلحة لغازها، لكن واشنطن عميت أو عُمّي عليها في التعامل، فقد كان الأصل أن تقوم بدعم مشاريع زراعة القمح في العديد من دول العالم بدلاً من قتل المناطق الزراعية في العراق وسوريا، والوقوف إلى جانب السودان وعديد الدول الافريقية في المجالات الزراعية، لكن الأنفة الأمريكية والعنجهية والغرور قاد الدولة إلى التعامل بكبرياء سياسي أقتصادي قاتل من خلال التركيز على صناعة الأتباع بدلاً من إتخاذ الأصدقاء.
لقد أخطأت واشنطن في الحسابات ولا زالت تُصر على خطئها بإطالة أمد الحرب الروسية الأوكرانية، معتقدة بأنها تجلب الخير للعالم من خلال إقناع القيادات الأوروبية بإن إيجاد حل يجعل روسيا تظهر بمظهر المنتصر سيزيد من أعباء دول القارة العجوز، ويبدو ان الدول الأوروبية غير قادرة على مراجعة دروس الماضي القريب حين انتشر وباء كورونا، وكيف تخلت عنها واشنطن ووقفت موسكو إلى جوارها، لنشعر بأن واشنطن تقود أوروبا للموت بسبب الطاقة والشرق الأوسط وافريقيا بسبب نقص الغذاء، وقد يكون هذا هو الهدف الأمريكي القائم على تقليص عدد سكان العالم الذي روج له مجموعة من اثريائها، لكنها في النهاية وتحت اي ظرف ستمنح روسيا قيادة العالم أو ما بقي منه، فالحمقى لا يسودون طويلاً.