ضبط النفس الأميركي أنتج عالماً خطيراً وغير مستقر
بقلم: فورين بوليسي
النشرة الدولية –
فشلت إدارة بايدن في منع روسيا من إطلاق غزوها الثاني لأوكرانيا، فقد بذل الرئيس الأميركي جو بايدن جهوداً كبرى لاسترضاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين وطمأنته مقابل تجديد استقرار العلاقات الثنائية، وتحدى بايدن الكونغرس حين رفض فرض العقوبات على مشروع خط أنابيب «نورد ستريم 2»، ووسّع الالتزام الأميركي الأحادي بمعاهدة «ستارت» الجديدة لتخفيض الأسلحة الاستراتيجية من دون تلقي أي مقابل من روسيا، حتى أنه كرّم بوتين عبر تنظيم قمة ثنائية معه في أول رحلة خارجية له، وعلى نطاق أوسع، اقترحت الإدارة الأميركية تخفيض الميزانية الدفاعية بدرجة كبيرة، وحاولت تقليص دور الأسلحة النووية في الاستراتيجية الأميركية الدفاعية، وأضعفت قدرة الولايات المتحدة على إنتاج الغاز والنفط والمنتجات المُكرّرة التي يمكن استعمالها لاستبدال الإمدادات الروسية، حتى أنها أبدت استعدادها للتغاضي عن عدوان روسيا والصين مقابل تلقي وعود فارغة بالتعاون في مسائل عالمية مثل التغير المناخي، وبعد تسليم أفغانستان إلى منظمة إرهابية والانسحاب من كابول بطريقة مهينة، خسرت واشنطن مصداقيتها حين حاولت منع الغزو الروسي عبر التهديد بالعقوبات.
يجب ألا يتفاجأ أحد إذاً بإقدام بوتين على إطلاق أكبر حرب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، فعلى مر أكثر من ثلاثة عقود، أمعنت موسكو وبكين في إضعاف النظام الذي بناه الأميركيون وحلفاؤهم وسخرت منه وهاجمته في مناسبات متكررة، وشجّعت سياسة ضبط النفس تلك الأجندة، في حين راح الأميركيون وشركاؤهم يفككون العوامل التي اعتُبِرت أساسية لحفظ السلام وحماية سيادة الدول الواقعة على طرفَي قوتَين انتقاميتَين. تستعمل إدارة بايدن، في استراتيجيتها الدفاعية الوطنية الجديدة، مصطلح «الردع المتكامل» لنشر فكرة مُضلّلة مفادها أن السياسات المنسّقة قد تصبح بديلة عن القوات المستحدثة والجاهزة على الخطوط الأمامية والقادرة على إطلاق عمليات كافية لمنع الصراعات وخوض القتال وتحقيق النصر إذا فشل نظام الردع. يجب أن تنهي واشنطن سياسة ضبط النفس الأحادية الجانب في تعاملها مع روسيا والصين وتتمسك بتقييمات واقعية حول طبيعة خصومها:
أولاً، يُفترض أن تعيد الولايات المتحدة تسليح نفسها وتزيد ميزانيتها الدفاعية، وتدفع كلفة القدرات الجديدة التي تتصدى للإمكانات التي تستثمر فيها روسيا والصين.
ثانياً، يجب أن تنهي الولايات المتحدة ضبط النفس الدبلوماسي الذي تمارسه منذ فترة، فتعوق جهود بكين وموسكو الرامية إلى تخريب المؤسسات الدولية أو دفعها إلى الانقلاب على أهدافها.
إذا أصبح إنقاذ جزءٍ من تلك المؤسسات مستحيلاً، يجب أن ينشئ الأميركيون وشركاؤهم جماعات جديدة لدعم قِيَمهم ومبادئهم الأصلية، وفي هذه الحالات يُفترض أن تثبت المؤسسات الجديدة قوة تحمّلها وفاعليتها أكثر من المؤسسات الراهنة التي تشوبها الخلافات ومظاهر الفساد، كذلك يجب أن تمتنع إدارة بايدن عن اعتبار روسيا والصين شريكتَين في وقف الانتشار النووي ومحاربة التغير المناخي وكبح الأوبئة.
أخيراً، يُفترض أن تنهي الولايات المتحدة ضبط النفس الاقتصادي في وجه الممارسات العدائية والتصرفات الإجرامية المباشرة التي يرتكبها النظام الصيني، وعلى صانعي السياسة الأميركية ألا يتحمّلوا انتهاك الاتفاقيات التجارية الثنائية والدولية، أو مظاهر السخرة وغيرها من ممارسات العمل غير الإنسانية، أو سلاسل الإمدادات التي تُضعِف الأمن القومي الأميركي، فلا يمكن أن تنجح التجارة الحرّة إلا وسط الأحرار.
قد يؤدي هجوم بوتين الأخير ضد العالم الحرّ وإصرار الرئيس الصيني شي جين بينغ على القيام بالمثل إلى تخلي واشنطن عن سياسة ضبط النفس التي جعلت البلد في حالة من الغيبوبة التامة، وإذا تابعت الولايات المتحدة عملياتها انطلاقاً من الوهم القائل إن ضبط النفس يهدئ الأنظمة الاستبدادية التي أوضحت نواياها العدائية في مناسبات متكررة، فقد تزيد جرأة روسيا والصين وترتفع مخاطر اندلاع حرب كارثية، لقد أصبحت معالم الديموقراطية والازدهار والسلام في طور التراجع في العالم الذي أنتجته سياسة ضبط النفس الأميركية، فجاءت الحرب الوحشية التي أطلقها بوتين لِتُذكّر العالم بأن الضعف موقف استفزازي… إذاً تبقى القوة أفضل طريقة للحفاظ على السلام وضمان مستقبلٍ أفضل للأجيال المقبلة.
* هربرت ريموند ماكماستر وغابريال شينمان