الإعلان الجديد بشأن قصف المناطق الحضرية ضروري لكن هل يفي بالغرض؟
بقلم: بيل ترو
الحقيقة المحزنة هي أن البلدات والمدن غالباً ما تكون المسرح الرئيس للعنف وإراقة الدماء
النشرة الدولية –
حتى استحداث الأسلحة الدقيقة والموجهة لم يقلل الخسائر في صفوف المدنيين على مر السنين (غيتي)
لقد استغرق الأمر ما يقرب من ثلاث سنوات، وكان النَّص ضعيفاً بشكل مخيب للآمال، لكن يوم الجمعة وافقت المملكة المتحدة والولايات المتحدة وعدد كبير من البلدان الأخرى في جميع أنحاء العالم على توقيع إعلان سياسي سينقذ أرواح آلاف المدنيين إذا نُفذ بشكل صحيح.
على الرغم من أنه غير ملزم قانوناً، إلا أن الإعلان، وهو الأول من نوعه، يلزم الموقعين عليه بتجنب استخدام الأسلحة المتفجرة، على غرار القنابل الجوية والصواريخ وقذائف المدفعية، في المناطق الحضرية، بسبب تأثيرها المدمر على السكان المحليين.
ووفقاً للأمم المتحدة، فإن أكثر من 90 في المئة من الإصابات في صفوف المدنيين المبلغ عنها عالمياً كل عام ينجم عن استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق الحضرية. وفي ذلك الإطار، تُظهر البيانات الواردة من مرصد الأسلحة المتفجرة (Explosive Weapons Monitor) أن أكثر من 5000 مدني قد تعرضوا للتشويه والقتل بسبب استخدامها خلال عام 2022 وحده.
وبالاسترجاع، أثبت القانون الدولي في حد ذاته في الماضي أنه غير ملائم على الإطلاق. من الناحية النظرية، يمكن للقنابل القوية التي تقضي على عشرات الأشخاص أن تكون قانونية على سبيل المثال، إذا اعتُبرت الضربة متناسبة وتستهدف هدفاً عسكرياً مشروعاً.
واستطراداً، فحتى استخدام الأسلحة الدقيقة لم يقلل الخسائر في صفوف المدنيين على مر السنين. وهذا هو سبب الحاجة إلى إجراءات إضافية من أجل منع وقوع مزيد من الوفيات. على أمل أن يكون الإعلان خطوة أولى جيدة نحو ذلك، تبدأ في جعل قصف الأحياء المزدحمة بلا سبب، من المحرمات. إذن، يجب على الدول الآن أن تفكر مرتين قبل أن تقرر القيام بذلك.
واستكمالاً، يُعتبر عدم قصف الأحياء المزدحمة أمراً بديهياً بالنسبة إلى الكثيرين منا نحن غير المقاتلين، بيد أنّ الحقيقة المحزنة هي أن البلدات والمدن بحسب تجربتي، غالباً ما تكون المسرح الرئيسي للعنف وسفك الدماء. في الواقع، خلال أكثر من عقد في تغطية النزاعات من غزة إلى أوكرانيا، وقعت بعض أكثر الحوادث المروعة التي شهدتُها ضمن نطاق حرب المدن.
في الحقيقة، يتم تقسيم المجتمعات إلى تلك الإقطاعيات المميتة التي تكون أحياناً بحجم مربع سكني واحد فحسب. ويضطر السكان إلى التعايش فجأة مع أهواء وحش الحرب الذي يجتاح حياتهم ومصادر رزقهم بشكل شبه تعسفي. وغالباً ما تجد العائلات نفسها على الجانب الخطأ من النهر أو الحي أو حتى المبنى. قد تكون المسافة مجرد شارعين بينها وبين الأمان ولكنها في الوقت نفسه هوّة، فجوة واسعة. يرتعد أفرادها خوفاً تحت إعصار من النار والشظايا، يزداد بمجرد الاقتراب من المعالم المجاورة المزدحمة، أي المباني المحيطة بهم.
لذلك، يُعدّ الإعلان خطوة أولى جيدة، بيد أنّها ليست كافية. وتكمن المشكلة في الصياغة التي تشمل عبارات مثل “حيثما أمكن” و”عند الاقتضاء”. وهذا يعطي الدول مساحة مناسبة للتملص من تلك الالتزامات. والجدير بالذكر أنّ التعهد بحد ذاته لا يَعِدُ إلا بتجنب استخدام تلك الأسلحة في هذا السياق، ولذا، مع بقائنا إيجابيين، فنحن كمواطنين، نحتاج إلى الإصرار على أكثر من ذلك، وعلى لغة أقوى، وعلى عبارات أكثر تحديداً.
وكما أخبرتني إميلي تريب، مديرة مجموعة المراقبة “الحروب الجوية” (Airwars)، هناك حاجة أيضاً إلى مزيد من الوضوح حول كيفية وضع اللغة المبهمة قيد التنفيذ. وقالت “لكي يتم تطبيق الإعلان بشكل صحيح، سيتطلب من الدول إنشاء السياسات الوطنية وتحسينها من أجل الوفاء بتلك الالتزامات، بما في ذلك الأمور المتعلقة بتتبع الأضرار بين المدنيين وتبادل المعلومات”.
وأضافت أنه يجب أن يكون هناك نوع من الاتفاق حول كيفية تنفيذ ذلك، وما سيبدو عليه الأمر، وما هي بالتحديد الأسلحة التي لا ينبغي استخدامها.
ولكن أكثر من ذلك، سيتم تطوير الإعلان إلى اتفاقية، ما يجعله أكثر قابلية للتنفيذ. وخير مثال على ذلك هو الاتفاقية الخاصة بالذخائر العنقودية، وهي سلاح عشوائي مروّع يمطر عشرات لا بل مئات القنابل الصغيرة عبر منطقة بحجم ملعب كرة قدم. في كثير من الأحيان، لا تنفجر تلك القنيبلات وتتحول إلى ألغام أرضية.
تجدر الإشارة إلى أن الاتفاقية، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2010، لا تطالب الموقعين بالتوقف عن استخدام الذخائر العنقودية فحسب بل أيضاً إزالة مخلفاتها غير المنفجرة من المناطق الملوثة بها في غضون 10 سنوات من التوقيع. ومنذ تطبيق الاتفاقية، وفقاً للجماعات الحقوقية، تم إحراز تقدم كبير في حماية المدنيين، أثناء النزاع المسلح وبعده.
في الواقع، تؤكد [المنظمة الحقوقية] “هيومن رايتس ووتش” عدم وجود تقارير أو مزاعم عن استخدامٍ أو إنتاجٍ جديدٍ للذخائر العنقودية من قبل أي طرف في المعاهدة.
تخيل لو كانت هناك اتفاقية تحظر استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة. وفكر في عدد المدنيين الذين يمكن إنقاذهم. لذا، آمل في أن يكون هذا الإعلان خطوة أولى على الطريق الطويل نحو هذا الهدف، وأول حركة نحو نجاة آلاف الأرواح.