الكويت إلى أين؟
بقلم: سعد بن طفلة العجمي

تستعد البلاد لانتخاب برلمان تاسع خلال 16 عاماً... فمتى ستنتهي دوامة الخلاف الدستوري بين الحكومة ومجلس النواب؟

النشرة الدولية –

لا يزال الناس في الكويت يتكلمون عن “التجربة الديمقراطية”، كلمتان ملتصقتان كتوأمين سياميين: التجربة والديمقراطية في الكويت. تجربة طالت أكثر من ستة عقود، صدر الدستور الكويتي في 11-11-1962، وبقي جسراً يربط ويحدد العلاقة بين الشعب والسلطة في الكويت إلى يومنا هذا، ولكنه جسر متحرك تتجاذبه السلطة في الغالب، وقوى المصالح والاحتكار والفساد، وقوى الدين السياسي الطائفي والقبلي المتحزب لانتماء الصدفة القبلية.

“كم أكره عبارة التجربة الديمقراطية الكويتية! إلى متى تستمر هذه التجربة؟ متى تظهر نتائجها؟ هل هناك تجربة تستمر 60 عاماً؟ فالشعب الكويتي ليس فئران تجارب في مختبر لا يتوقف عن إجراء التجارب المخبرية!”، قال ذلك لي صديق تجاذبت وإياه أطراف الحديث حول الأزمة تلو الأزمة التي تمر بها الكويت بين برلمانها وحكومتها.

تعيش الكويت حالة من الشلل والتراجع على المستويات كافة، وهي تراجعات لا تسر محباً ولا صديقاً. فالحكومة مستقيلة منذ أبريل (نيسان) الماضي ومكلفة بتصريف العاجل من الأمور، ومجلس الأمة رفع عدم التعاون مع رئيس الحكومة، ولم يجتمع، ثم اجتمع الأسبوع الماضي لإقرار منحة للمتقاعدين وإجراء تعديل على قانون التأمينات الاجتماعية، قاطع بعض الأعضاء الاجتماع مع حكومة مستقيلة “طرحت الثقة” بها من غالبية أعضاء البرلمان، فقرروا الاعتصام. أعضاء “الإخوان المسلمين” الثلاثة بالمجلس حضروا الجلسة ثم التحقوا بالمعتصمين المحتجين على انعقادها! غرّد أحد المتابعين معلقاً على موقفهم: “يغيرون مع الذيب، ويفزعون مع الراعي!”.

عشرون نائباً يعتصمون داخل مكاتبهم منذ أيام احتجاجاً على ما يرون أنه تعطيل للدستور.

مضى على صدور الدستور الكويتي 60 عاماً، طرأت خلالها تغيرات محلية ودولية هائلة تفرض الحاجة إلى تعديله. فقد توقع واضعوه أن يخضع للتعديل بعد مضي خمس سنوات على تطبيقه، مشدداً في مادته رقم 175 على أن “مبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور لا يجوز اقتراح تنقيحها ما لم يكن التنقيح خاصاً بلقب الإمارة أو بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة”. لكن المشهد السياسي تتصدره في الغالب اليوم قوى معادية للحرية والمساواة، وقد سنت قوانين تقيد الحريات وتميز بين المواطنين وتفرض قيوداً على حقوق المرأة، ولعل أشهرها قانون المسيء وقانون المرئي والمسموع الذي اكتوت بناره حرية الكلمة والتعبير والبحث. وقد أصدر وزير الإعلام بالأمس قراراً بموجب هذا القانون أحال فيه 73 وسيلة إعلامية للنيابة وسحب ترخيص 90 صحيفة إلكترونية، فإذا ما قدر للقوى التي سنت مثل هذه القوانين أن تنقح الدستور اليوم، فهي حتماً لن تنقحه للمزيد من الحريات والمساواة، بل لمزيد من القيود على الحريات العامة وعلى حقوق المواطنة المتجردة من أية انتماءات، ولعل أكبر دليل على هذا القول إن معظم البيانات التي تصدر هذه الأيام احتجاجاً على “تعطيل الدستور” هي بتوقيع أبناء قبائل بعينها أو طائفة من دون أخرى!!! كيف تتحقق دولة دستور وقانون مدنية حديثة على أيدي قوى الطائفية والقبلية السياسية؟ بل إن العجب العجاب أن رموزاً سيئة السمعة وغارقة بالفساد حتى أذنيها انضمت لحركة المعارضة المحتجة على تعطيل الدستور!

تتحكم بالمشهد السياسي الكويتي اليوم قوى الاحتكار والفساد وقوى القبلية السياسية والدين السياسي بشقيه السني والشيعي، وتلاشت القوى المدنية والوطنية التقليدية وتناثرت برحيل رموزها، وكان آخرها الدكتور أحمد الخطيب الذي رحل في مارس (آذار) الماضي، وتبعثر التيار المدني بين المصالح الفردية والانغماس في الفساد والنخبوية الفوقية والانعزال في البروج العاجية بعيداً من هموم الشارع الكويتي ومطالبه وتطلعاته.

تتفاقم الأزمة في الحالة الكويتية اليوم، فالحكومة مستقيلة منذ أشهر، والبرلمان تحول إلى دكان يفتحه رئيسه متى يشاء ويغلقه كما يشاء، والمعارضة تعارض في الغالب مناكفة وتعارضاً لمصالح فردية وشعارها حماية الدستور وهم في الغالب أكثر مخترقيه، وقضايا الفساد تزكم رائحتها الأنوف، وكل يوم تتكشف قضية فساد أكبر من سابقاتها.

المتفائلون يرون أن هذه الحالة لن تطول، وأن الأزمة قد بلغت قمتها، وأن في الأفق بارقة أمل بتغيير جذري سلمي، لكن الخائفين يتذكرون “التجربة الديمقراطية” التي تتكرر بالمكونات نفسها على مدى ستة عقود وتنتج النتائج نفسها: تراجع شمولي وتناحر طائفي وقبلي وفساد يقوده من يفترض أنهم محاربوه.

مراجعة الدستور الكويتي ضرورة حتمية، لكن المراجعة في ظل الأجواء السائدة ستقود لمزيد من التراجع، وبقاء الحال على ما هي عليه سيبقي على حالة الجمود المتراجعة حالياً. فمتى ستنهي الكويت مرحلة التجربة والتوصل للنتائج؟

إيماءة

أثناء كتابة هذا المقال، وجّه أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح خطاباً، قرأه نيابة عنه ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، أعلن فيه نية سموه أنه سيقوم بحل مجلس الأمة خلال أشهر وفق الدستور، والدعوة لانتخاب برلمان جديد هو التاسع منذ عام 2006.

 

 

Back to top button