إذا فسدت الأنظمة فماذا تفعل؟
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
بعد سقوط الأنظمة الدكتاتورية في العالم العربي، ابتلينا بأنظمة فاسدة أسوأ من سابقاتها، فعندما تسمع اليوم من يتغنى بحكم صدام حسين أو معمر القذافي أو علي عبدالله صالح تصاب بحالة من فقدان التوازن، وأقرب الأمثلة ما يحدث في العراق، فلأكثر من تسعة أشهر والبلد يدار بحكومة تصريف الأعمال، لأن القوى السياسية الفاعلة معظمها مرتهن إما لإيران أو لغيرها من القوى الإقليمية والدولية ولذلك افتقدت قرارها الوطني والمستقل.
تذكرون جيداً حكومة حيدر العبادي، هذا الرجل بقي رئيساً للوزراء أربع سنوات (2014– 2018)، أفرغ تجربته في كتاب صدر حديثاً «النصر المستحيل– كيف هزم العراق داعش» يعترف بأنه «ليس من العدل أن تطلب من الناس المساهمة، عندما يستمر ممثلوهم السياسيون في استغلال النظام، وأخذ كل ما في وسعهم من الدولة» ثم يكمل القول «نحن بحاجة إلى إقناع قادتنا بالاستثمار في شعوبهم».
العراق بعد سقوط نظام الطاغية عام 2003 عبارة عن دولة يديرها أمراء حرب، لأن الدولة الحقيقية والموعودة لم تقم بعد، فقد خلقت حقبة ما بعد عام 2003 ثقافة الفساد والهدر، مما أدى إلى نشوء عقلية الندرة.
حيدر العبادي تحول إلى «بطل قومي» في معركته التي خاضها وهزم فيها «داعش»، واستفاد العالم كله من تلك الهزيمة، لكن العراقيين هم من دفعوا الثمن الأكبر، وما زالوا يدفعون الثمن، لأن ما يحتاجون إليه «نصر» مختلف حتى يقلب المعادلة.
بعد ثلاث سنوات من تسلم العبادي الحكومة وخوضه معركة وجودية وشرسة، استعاد العراق سيادته ورميت خلافة «داعش» خلف الأسوار، لكن الناخبين أداروا ظهورهم له وللفائز في الحرب، علماً أنه كان الخيار الأمثل ليكون رئيساً للوزراء في أحلك الساعات التي واجهت هذا البلد منذ سقوط صدام حسين، كانت البلاد أثناء حكم نوري المالكي، قد وصلت حافة الانهيار، وخلقت الظروف الملائمة لـ «داعش»، وتسبب ذلك العهد في نفور العشائر السنية وفقدان ثقة المواطنين به وهناك من يقول إنه أعطى مفتاح «الموصل» لداعش بما فيها من أسلحة ومال وذهب ووسائل نقل كانت أشبه بالتواطؤ المخيف!
استذكار حيدر العبادي اليوم يأتي في ظروف صعبة انحدر فيها العراق إلى نظام فاشل سياسياً وإدارياً، وانهارت فيه الخدمات العامة، وتراجعت فيه قيمة الدينار، ويعاني انقطاعاً في الكهرباء والماء، إضافة إلى حالة الانسداد السياسي والعلاقة المريبة مع إقليم كردستان. لقد فقد غالبية الناس ثقتهم بالقائمين على السلطة، ومن تنازع مريب بينهم على الغنائم فلا إصلاح سياسياً أو اقتصادياً قد تم، ولا جامعة أو بناء مستشفى أقيم منذ سقوط صدام، بل توسعت عمليات حفر القبور، وازدادت معدلات العنف والتفجيرات والاغتيالات والانقسامات.
طالما بقي النظام السياسي مستمراً في تشجيع وتسهيل الأنشطة الفاسدة فلن يكون هناك أمل في التغيير، ولن يكون الإصلاح متوافراً «إلا إذا تمكنا من السيطرة على القوة المتزايدة للكيانات والشخصيات السياسية الفاسدة»، على حد تعبير رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي نفسه.
أمام العراق تجربة أفغانستان والوعود التي تلقتها من أميركا والغرب، القائمة على فكرة «إذا ساعدتمونا في القضاء على الإرهاب فسنقف معكم ونعدكم بالتنمية وبالرفاهية، وستجدونها أمام الوجوه الجائعة التي طالت معاناتها!»، فماذا كانت النتيجة؟ انهارت أفغانستان وهرب منها الأميركيون وتركوها لقمة سائغة لحركة طالبان! قد تكون قصة العراق مع «داعش» مختلفة عما حدث في أفغانستان، لكن النهاية اليوم مفجعة في الحالتين.
لقد وصل الأمر بالعبادي أن يقول إن العالم اعتقد عام 2014 أن العراق قضية خاسرة لكنه أعيد من الحافة ليفاجئ العراقيون العالم كله من جديد، فهل نحلم بمفاجأة من شأنها إعادة الهرم إلى قاعدته الصحيحة؟