الحلف الأمريكي موجود في الشرق الأوسط.. لماذا الجديد؟
بقلم: مصطفى أبو لبدة

إرم  نيوز –

هذه ثاني مرة خلال ست سنوات، يتبعثر فيها الحديث عن حلف جديد في الشرق الأوسط برعاية الولايات المتحدة الأمريكية ومشاركة إسرائيل.

الأولى كانت عندما تولت إدارة دونالد ترامب السلطة، حيث اقترحت فكرة تحالف استراتيجي متعدد الأطراف للشرق الأوسط، روج له جاريد كوشنر صهر الرئيس ومستشاره، بعنوان ”السلام من أجل الازدهار“.

المشروع لم يرتفع عن الأرض، وعندما غادر ترامب البيت الأبيض، لم يجد حرجا في البوح بندمه واكتشافه أن زوج ابنته كان يتصرف بوحي مرجعيته اليهودية أكثر من ولائه لجنسيته ووظيفته الأمريكية.

والثانية هي التي جرى الترويج لها خلال الأسبوعين الماضيين عن حلف عسكري جديد، قيل إن واشنطن بلّغت به بعض الدول، لكن دون تفاصيل متماسكة.

وقيل أيضاً، في المقابل، إن الحديث في هذا الموضوع الذي سيحمله الرئيس جو بايدن معه في جولته الشرق أوسطية منتصف الشهر القادم، لا يزيد عن كونه ”فتّاشا صوتيا“ لتغطية تنازلات اضطرت واشنطن لتقديمها في الشرق الأوسط نتيجة ارتدادات الحرب في أوكرانيا على أسواق الطاقة، أو جراء إصرار إدارة بايدن على إحياء الاتفاق النووي مع ايران..

هذا الأمر ترى فيه معطم دول المنطقة ”السنّية“ تهديداً لها سيفتح الإقليم على سباق الأسلحة الذرية، إن لم تفلت الأمور نحو حرب بين طهران وتل أبيب من نوع حروب الجيل الرابع.

وفي المرتين الأخيرتين، كما في التجارب المماثلة منذ خمسينيات القرن الماضي أيام منظمة السنتو (حلف بغداد) عام 1955 ومبدأ أيزنهاور عام 1957، يصح التقدير أن مشاريع الاتفاقات السياسية والأمنية المتعددة الأطراف في الشرق الأوسط لا تمتلك ما يكفي من مقومات النجاح.

والأسباب في ذلك عديدة، بعضها بُنيوي يتصل بعمق الريب، وباختلاف الأجندات بين الأنظمة الاقليمية، وبعضها الآخر مردّه أن المنطقة بوجود مقدسات الأديان الثلاثة والنفط وإسرائيل، كانت وما زالت تستعصي على التهدئة أو الاندراج في منظومة متسقة.

 

واستجد على هذه المعوقات التي تجعل الأحلاف في الشرق الأوسط نتْعاتٍ أو مشاريع غَرَة، أن فجوة الثقة بالولايات المتحدة باتت أوسع من أن يُبنى عليها تشكيلٌ مشترك.

ودول الشرق الأوسط المحسوبة حلفاء للولايات المتحدة، بما فيها تركيا وإسرائيل، تعرف باليقين أن البيت الأبيض لا يمكن الاستناد إليه وقت الشدة، ولديها من التجارب والشواهد، ما يجعلها لا تأخذ الرعاية الأمريكية على محمل الجد والاطمئنان.

وبعض هذه الدول لم تجد حرجا في الجهر بهذه الثقة المعطوبة، بأكثر من مناسبة أخيرة أو داخل المنتديات الأمنية الدورية.

كما أن البعض الآخر يمتلك القدرة على تبرير اعتذاره عن الانضمام لأي حلف جديد مفضلا أن تبقى علاقات التحالف مع واشنطن في حدودها الحالية، باعتبارها أقل كلفة وانكشافا على المجهول الذي يهجس بنظام عالمي جديد يعقب حرب أوكرانيا ولا يستثني الشرق الاوسط والشواطئ الشرقية للبحر المتوسط.

كما أن الوضع الراهن في تفاصيله على الأرض، يتمثل بتحالف جرى بناؤه وتحديثه على مدى أربعين عاما بحيث يغني عن حرج الإعلان عن حلف جديد يستثير دول الجوار ويزيد الوضع في سوريا تعقيدا باعتبارها ورقة رهان الروس الإقليمية في متواليات الحرب الأوكرانية.

في تفاصيل الحلف القائم حاليا في الشرق الأوسط ما برر للعديد من دوله أن ترفض فكرة الترويج لحلف جديد، وترى في ذلك تكرارا غير مفهوم أو مبرّر لما كانت تحدثت به وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس عامي 2006 و2007 عن ”شرق أوسط جديد“.

بداية التفاصيل المتسلسلة يمكن أن تكون من عام 1980:

قبل ذلك، كانت الاستراتيجية الإقليمية للولايات المتحدة في الحرب الباردة، تتذرع بوجود تهديد محتمل بغزو سوفييتي واسع النطاق لإيران تحت العرش البهلوي.

وحتى إذا قامت الثورة الإيرانية عام 1979 وتزامنت تقريبا مع الغزو السوفيتي لأفغانستان، تحول الحديث في واشنطن إلى أن نفط الخليج بات في خطر، فكان أن أعلن البيت الأبيض في يناير 1980، ما سمي بـ“مبدأ كارتر“ لحماية الإقليم النفطي بمظلة عسكرية تتولاها قوة الانتشار السريع.

وفي عام 1983، في عهد الرئيس رونالد ريغان، أسس البنتاغون 11 قيادة عسكرية موزعة على مختلف الأقاليم الدولية الساخنة.

في الشرق الأوسط (امتدادا حتى وسط آسيا) سُمّيت بالقيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم).

وفي أوروبا، سميت يوكوم وجرى ضم إسرائيل إليها تلافيا لأي حساسيات أو مشاكل تعيق فاعلية القيادة الخاصة بالدول العربية والإسلامية.

وبعد عقود من عضوية إسرائيل في القيادة الأوروبية، وافق ترامب في يناير 2021 على نقل مشاركتها العسكرية مع الولايات المتحدة لقيادة المنطقة الوسطى، وكان ذلك اعترافا من البنتاغون بأن إسرائيل أصبحت لأول مرة جزءا حقيقيا من الشرق الأوسط، وهو الاعتراف النافذ الذي يقول البيت الأبيض الآن إن زيارة بايدن للمنطقة الشهر القادم تهدف لتعزيزه.

في حرب إسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسين عام 2003، نشرت الولايات المتحدة حوالي 20 ألفا من قواتها العسكرية في المنطقة، وسحبت عام 2011 معظم من كانوا في العراق، ثم أعادت تعزيزهم لمحاربة تنظيم داعش في العراق وسوريا، لكنها بقيت تُردد بين الحين والآخر رغبتها في الانسحاب العسكري من الشرق الأوسط.

وأعطت في ذلك نموذجا بائسا بالانسحاب من أفغانستان 2021، ما عزز شكوك حلفائها بمصداقيتها وعمّق الاحساس في الشرق الأوسط بأن واشنطن، وتحديدا مع شخص الرئيس بايدن، هي أضعف وأدعى للخذلان من أن يصار الى توسيع التحالف معها.. الراهن في هذه التحالفات يكفي.

وفي الراهن من هذه التحالفات اتفاق فائق الأهمية لكنه لم يحظ بالتغطية التي يستحق، وهو الذي أنشأته كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية في عهد جورج بوش، بعد عامين من احتلال العراق.

وفي عام 2005 أقامت مكتبا أمريكيا للتنسيق الأمني مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ضمن ما كان يسمى خريطة الطريق للسلام في الشرق الأوسط.

وطوال السنوات الماضية، كان عمل هذا المكتب هو إدامة الوضع الراهن بكل علّاته التي يتشارك الجميع في الشكوى منها.

وفي عام 2016، بعد سنة من اتفاقية النووي الإيراني، عقدت الولايات المتحدة مع إسرائيل اتفاقا للمساعدات العسكرية مدته عشر سنوات تحصل فيه تل أبيب على 3.3 مليار دولار في شكل تمويل عسكري أجنبي وتنفق 500 مليون دولار سنويًا في برنامج الدفاع الصاروخي المشترك.

منذ عام 2015، أجبرت قدرات الدفاع الجوي الروسية في سوريا إسرائيل على عدم تعارض غاراتها الجوية هناك مع روسيا، وهو موضوع جعلته الحرب في أوكرانيا وارتداداتها بالشرق الأوسط موضع تنبه دائم.

كما جعلته الأجواء المشحونة بين إسرائيل وايران في حالة من الاستنفار المتجدد حتى لا تكون المواجهة بينهما مكانها سوريا أو الحدود البحرية اللبنانية شرق المتوسط.

في العشرين من الشهر الحالي أعلنت إسرائيل بلسان وزير الدفاع بيني غانتس أنها انضمت إلى العديد من الدول الأخرى في الشرق الأوسط لتشكيل شبكة دفاع جوي مشتركة جديدة بقيادة الولايات المتحدة، تُعرف باسم تحالف الدفاع الجوي للشرق الأوسط (MEAD). وقال غانتس إن هذا البرنامج نافذٌ بالفعل وقد مكّن من اعتراض ناجح للمحاولات الإيرانية لمهاجمة إسرائيل ودول أخرى.

البيت الأبيض لم يعلق على الموضوع، ربما لأنه يعني ان التحالف الجديد الذي سربته إدارة الرئيس بايدن كهدف لجولته القادمة في الشرق الأوسط، موجودٌ بالفعل ولا مبرر للاستعراض المكلف سياسيا وأمنيا، في أحلاف لها في الشرق الأوسط تاريخ طويل من الفشل.

وتبقى نقطة واحدة ربما يجري التحقق منها أثناء زيارة بايدن للمنطقة، وهي ما إذا كانت واشنطن جادة فعلا في التخلي عن ممالأتها للإسلام السياسي الشيعي، وأنها قررت العودة لاعتبار دول السنّة حلفاءها الحقيقيين في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى