حرس الثورة… انتهى زمن اللعب
بقلم: حسن فحص

المرحلة المقبلة ستكون واضحة المعالم تحت عنوان "الأمر لي"

النشرة الدولية –

لا تزال جميع الأوساط الإيرانية، في الداخل والخارج، تبحث عن الأسباب التي تقف خلف قرار إقالة رئيس جهاز الاستخبارات في حرس الثورة حسين طائب أو “تائب” المفاجئ والصادم إلى حد كبير، بخاصة أن القرار جاء في توقيت دقيق كان النظام يعمل على ترتيب أوراقه التفاوضية، وتمرير التحول المنهجي الذي ينوي القيام به بالموافقة على التفاوض الثنائي مع الإدارة الأميركية، فضلاً عن أنه جاء متأخراً إذ كان على خلفية الاعتداءات التي تعرضت لها المنشآت النووية الخاضعة لإشراف هذا الجهاز، أو عمليات الاغتيال التي تعرض لها عاملون في البرنامجين النووي والصاروخي، أو ضباط من حرس الثورة يتولون مسؤوليات أساسية من المفترض أن تكون بعيدة من الاطلاع العام.

في الشكل، صدر قرار الإقالة والتخلي عن خدمات طائب، على خلاف السائد والمتعارف، عن قائد قوات حرس الثورة الجنرال حسين سلامي وأعلنه المتحدث باسم الحرس الجنرال رمضان شریف، في حين أن هذه المهمة من المفترض أن تكون من صلاحيات المرشد الأعلى مباشرة التي قد يفوضها لقائد هذه القوات، بناء على قرار تعيين طائب في هذا المنصب قبل نحو 13 عاماً، عندما قدمه محمد عزيز جعفري بوصفه معيّناً من قبل المرشد.

قرار تعيين خليفة طائب الجنرال محمد كاظمي، لم يصدر أيضاً عن المرشد الأعلى، وحتى لم يتضمن إشارة إلى اختياره أو تعيينه من القائد الأعلى للقوات المسلحة، بل جاء ضمن سياقات إدارية داخلية سمحت بترقيته من مسؤوليته في جهاز مكافحة التجسس إلى رئيس جهاز الاستخبارات.

يتفق غالبية المتابعين والمعنيين بتركيبة النظام الإيراني على أن جهاز استخبارات الحرس، تأسس بناء على إرادة المرشد الأعلى للنظام ومن خارج البنية الإدارية لهذه المؤسسة العسكرية، بعد حاجته لجهاز مرتبط به شخصياً ويدار من مكتبه ويعمل منفصلاً عن وزارة الاستخبارات، خصوصاً بعد أحداث عام 2009، التي اندلعت اعتراضاً على نتائج الانتخابات الرئاسية التي أعادت محمود أحمدي نجاد إلى رئاسة الجمهورية على حساب مرشح القوى الشعبية والإصلاحية مير حسين موسوي. وهي أحداث شكلت تحدياً وجودياً لمنظومة السلطة التي وجدت نفسها في مواجهة حالة اعتراض واسعة وعامة اجتاحت غالبية الجغرافيا الإيرانية.

استبعاد أو إخراج طائب من دائرة النفوذ والشراكة في القرار الأمني، طالت أيضاً قائد لواء حرس “ولي الأمر” الجنرال إبراهيم جباري، المكلف حماية المرشد وأفراد عائلته وأعضاء مكتبه، الذي يعتبر من المقربين من طائب وأحد الأذرع التي تعمل بالتنسيق معه بعيداً من قيادتها.

مبادرة قيادة الحرس وقرارها استبعاد أحد أبرز شخصيتين أمنيتين، تعملان تحت إشراف المرشد الأعلى ونجله مجتبى، من العودة إلى المرشد والقائد الأعلى للقوات المسلحة، أو في أفضل التقديرات اكتفت بإبلاغه بقرارها، يحملان على الاعتقاد بوجود صراع مستحكم بدأ يطفو على السطح بين هذه القيادة والمرشد ومكتبه أو المسؤولين عن إدارته، تحديداً مجتبى، الذي يعتبر المظلة التي حمت وتحمي طائب وفريقه داخل هذه المؤسسة ومنعت من تغييره خلال السنوات الماضية على الرغم من إخفاقاته في تنفيذ المهمة التي من أجلها تأسس الحرس وتشكل جهاز “مكافحة التجسس”، وهي الدفاع عن الثورة والنظام من أعداء الداخل والخارج.

اختيار التوقيت لهذه الخطوة من قيادة الحرس، حمل رسالة مباشرة إلى المرشد الأعلى ونجله، بأن هذه المؤسسة وانطلاقاً من مهمتها التي تأسست عليها، لم تعُد قادرة على الجلوس في مقعد المشاهد، ومراقبة الصراعات التي تخاض من أجل ترتيب المرحلة المقبلة ما بعد المرشد الحالي، واختيار خليفته أو المرشد الجديد. بالتالي، فإنها قررت المبادرة والتحرك لتفكيك الأدوات التي تلعب دوراً في توجيه المسارات وتمارس الضغط لتمرير المرشح الذي تريده في موقع القيادة، ومن أهم هذه الأدوات، رئيس جهاز الاستخبارات التابع لها اسماً، والمؤتمر والمحسوب على المرشد ومكتبه عملياً، من دون المرور بالآليات الإدارية الخاصة بها، تحديداً بعد أن تحول إلى مصدر ابتزاز لعدد من قيادات الحرس، وضغط عليها بما يملكه من ملفات تتعلق بفسادها الذي هو شريك فيه.

هذه الخطوة، التي لم يصدر أي تعليق عليها من قبل المرشد أو مكتبه، قد تكون إعلان فراق أو طلاق بين المرشد ومؤسسة الحرس، في ما يتعلق بمستقبل القيادة، بعد أن وصلت إلى مرحلة من النضج والاعتماد على الذات، ولا حاجة بعد الآن للّعب خلف الكواليس، أو تكون أداة لتنفيذ سياسات لمواقع سلطة من خارجها، في وقت باتت تمتلك كل عناصر القوة السياسية والاقتصادية والمالية والعسكرية والعقائدية – الأيديولوجية.

فض الشراكة بين الحرس والمرشد الأعلى، يعني أن قيادة هذه المؤسسة، تخلت عن الشراكة التي قامت بين الطرفين خلال العقدين الماضيين، تولّت فيها، وانطلاقاً من مصالحها بتكريس دورها ونفوذها السياسي والاقتصادي، مهمة حماية المرشد والنظام والثورة من التحديات التي واجهتهم جراء تنامي الخطاب الإصلاحي والمعتدل في مواجهة الخطاب اليميني المحافظ، فقطعت الطريق أمام تكريس التجربة الإصلاحية كشريك وأمر واقع في منظومة السلطة، بعد أن استطاعت محاصرة وإخراج الرئيس الأسبق هاشمي رفنسجاني من دائرة القرار والشراكة في معادلة القيادة، وتحملت تبعات قرارات مصيرية استثارت الرأي العام الإيراني، وتسببت بكثير من حركات الاعتراض الشعبي، بخاصة رئاسة محمود أحمدي نجاد والأحداث التي شهدتها.

 

الرسالة التي تحملها إجراءات الحرس هذه، والتي تجري بالتوازي مع التطور الاستراتيجي على خط المفاوضات النووية، والحوار الثنائي غير المباشر حالياً مع الولايات المتحدة الأميركية، تصب في سياق تكريس معادلة جديدة، تقول لكل الأطراف الداخلية إن مرحلة اللعب وصراع الأجنحة داخل قوى النظام والسلطة للإمساك بموقع القيادة وفرض من تريد، قد انتهت، وإن المرحلة المقبلة ستكون واضحة المعالم، تحت عنوان صريح هو “الأمر لي”، تحت سقف الآليات الديمقراطية التي يضمنها الدستور.لا

زر الذهاب إلى الأعلى