روايات النساء حول هزيمة 1967: آمنة الحسن والعمل التنظيمي الشفاف
النشرة الدولية –
الأيام الفلسطينية – فيحاء عبد الهادي –
ازدادت المشاركة السياسية للمرأة الفلسطينية، بشكل كبير، بعد هزيمة العام 1967، خاصة بعد انتماء العديد من النساء لتنظيمات المقاومة الفلسطينية، وقيامهن بأدوار متعددة؛ منها السياسي والاجتماعي والثقافي والعسكري.
تبيَّنّا عبر شهادة «آمنة أحمد نمر نصر الحسن» (أم إيمان)؛ (التي وثّقها مركز المرأة الفلسطينية للأبحاث والتوثيق، العام 2011) مبادرتها لتأسيس نشاط سياسي للنساء في الأردن، بتكليف من حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، قبيل العام 1967، استعداداً لتصعيد العمل السياسي والعسكري:
«البدايات شهر 2، وشهر 3، سنة 67، بداية إصابة أبو علي بسوريا (شقيقها الشهيد «وليد أحمد نمر نصر الحسن»، الذي عرف باسم «أبو علي إياد»)، رحت عليه، والتزمت، وأخذت أول مهمة، وجيت فيها على عمان. بديت أول لبنة للتنظيم النسائي في الأردن، وبديت أتصل في الأخوات إللي ممكن أتعاون معهم، الأخت «مسعدة مسعود»، و»وداد ربيع»، و»رقية الصوباني»، وكان هذا بداية التنظيم النسائي، كنا عملنا لجنة وطلبنا نوسِّعها، لأنّه التنظيم توسَّع كثير، فوسَّعنا لجنة عمَّت كافة المناطق في الأردن. كانت معنا الأخت «عايشة التيجاني»، و»سعاد التيجاني، و»سهام الشخشير»، و»سلوى البنا»، وعِنّا اجتماع دوري باستمرار مع واحد من الإخوة القياديين، فهذا كان هو بداية العمل النسائي في الأردن».
*****
بالإضافة إلى عملها التنظيمي، في الأردن؛ تحدَّثت «آمنة الحسن»، عن تأسيس «أسر الشهداء»، كمؤسسة تعنى بأسر شهداء فلسطين، بشكل مهني منظَّم، وربطت بين النضال الاجتماعي والسياسي بصورة وثيقة:
«أنا اتّجهت اتّجاه آخر غير التنظيم النسائي، إللي هي أسر الشهدا، كانت في الـ 67، أسر الشهدا هي عبارة عن شنتة بحملها مناضل على دمه، في هذه البلد، على أساس إنّه نوزِّع لأسر الشهدا، مَكانِلناش مكتب نوزِّعِلهُم رواتبهم، عملنا مشاغل لبنات الشهداء، عملنا شغلات كثيرة؛ ادَرَّبوا البنات على السلاح دفاعا عن نفسهم، أسر الشهداء اتلازمت معاي مع التنظيم، البداية النشاط كان قليل، لأنّه ما فيش مجال، لما صارت معركة الكرامة وتوسَّعت، صار المجال التنظيم يساعد الأسر مثلاً في تعليم ولادهم بالدروس الخصوصية، بزيارة أسر الشهداء، كل العمل الاجتماعي والإنساني إللي كان ممكن يقوم فيه التنظيم، يقوم فيه كل وَحدِة في منطقتها، وكانت كل أخت مسؤولة عن منطقة، وعِنّا اجتماع دوري باستمرار مع واحد من الإخوة القياديين، هذا هو بداية العمل النسائي في الأردن، وبداية مؤسسة أسر الشهداء. بعدها انفتح مكتب أسر الشهدا في هذه البلد، لما انفتح المكتب أنا التزمت فيه من أول يوم، كان فيه الأخ «عبد الله يعقوب»، الأخت «إحسان برناوي»، كانت مجموعة أخوات، وعملنا، كانت أول لجنة اجتماعية، وكنّا نوزِّع فيها من البداية، فحَطّيناها نواة، وبدينا نشتغل، وصرت أروح بين التنظيم وبين مكتب أسر الشهدا، على أساس شعرت صَحّ إنّه التنظيم إشي أساسي، وإنّه التثقيف نضالي وحياتي؛ بس شعرت إنّه فيه التزام داخلي اتجاه أسر الشهداء، فركَّزت كتير».
*****
كشفت شهادة «آمنة أحمد نمر نصر الحسن»، عن دور فاعل للنساء الفلسطينيات، في معركة الكرامة، العام 1968. قامت أم إيمان بمهمة سياسية متميزة، كحلقة اتصال، وكانت شاهداً على مشاركة امرأة في المعركة، هي «أم يوسف»:
«كان الاستعداد لمعركة الكرامة على قدم وساق، كان الكل عارف إنّه بدّه تصير معركة، وكانت الظواهر عند الشباب، إنّه اليهود بِدهم يجتازوا نهر الأردن يعملوا عملية، بس ما حَدّ كان متوقع إنها بهذه الصورة، فأنا كلّفت في مهمة، إنه أوصِّل رسالة من أبو علي إياد في سورية، إلى أبو صبري (الشهيد ممدوح صبري صيدم) في الكرامة، فأنا دخلت الكرامة قبل المعركة ثلاثة إلى أربعة أيام، وصَّلت الرسالة إلى القيادة.
وبعدها بأكم من يوم صارت معركة الكرامة، بَعرفش إذا كان فيه أخوات، بس أنا اللي شفتها هناك «أم يوسف»، كانت أخت أكبر منّا بالسِنّ، ست مناضلة جداً، هي ممرضة عاشت بين المقاتلين، وهي اللي أسعفت في معركة الكرامة الشباب، وضلّتها معهم حتى النهاية، وطلعت معهم على الشام وعلى بيروت. معركة الكرامة هي إللي رفعت راس الأمة العربية».
*****
روت «آمنة الحسن» موقفاً يعكس شفافيتها ومبدئيتها واحترامها لأسس وروح العمل الديمقراطي:
«لما استشهد أبو علي، وعملوا مؤتمر الحركة الثالث (كان قد مرّ على استشهاد أبو علي إياد 10 أيام)، كنت أول مرَّة بَدخُل مؤتمر الحركة، كنت أنا والأخت إم جهاد الستات الوحيدات، فلمّا بِدهُم يرشّحوا أعضاء اللجنة المركزية وأعضاء المجلس الثوري، كل واحد بِدُّه بِرَشِّح حالُه، ويتمّ انتخاب ديمقراطي، ففوجِئت لما تليت الأسماء المرشَّحة إنّه اسمي محطوط للمجلس الثوري.
طلبت نقطة نظام، قلت: أنا ما رشّحت حالي، مين إللي رشّحني؟ قال أبو عمار: إحنا اللجنة المركزية إللي رشّحتك، قلت لهم: أنا بَشكُر هذه الثقة. أنا عارفة إني كفاءة أكثر، بِدّيش أقول من ثلثين؛ أكثر من ثلثكم، مع احترامي إلكم؛ إلاّ إنّه لسّه الجرح ما جَفِّش، ولِسَّه أبو علي دمّه سخن، بَرفُض هذا التكريم؛ رغم إني كفاءة، بَرفض إنُّه يِنقال اختاروها لأنها أخت الشهيد «أبو علي إياد»، اتركوه مِش مشَوَّش عليه، خلّي سمعته إضَّلّ متل ما هي. وبعدين تصفيق في كل القاعة. أنا بَعرِف إني قادرة، لكن أنا المناصب عندي ملغيّة ملغيّة».
*****
آمنت أم إيمان بقدرات المرأة اللامحدودة على الفعل والتأثير والتغيير، وعبّرت عن ذلك بوضوح:
«الست القادرة كفاءة، بتِفرِض نفسها تاخد موقع قيادي، أو أي موقع بِدها إيّاه؛ مثلاً الأخت إم جهاد (المناضلة انتصار الوزير)، بدت من البدايات، واشتغلت، وفرضت نفسها بقوتها وبشطارتها، بكفاءتها، بنضالها. الأخت إم صبري (المناضلة جميلة صيدم)؛ علّمت حالها وثقفت حالها، وصقلت حالها تماماً، وصلت مراحل قيادية.
المشاعل مضيئة من أخواتنا، إن كان في السجون، أو شهيدات، أو في العمل النضالي، أو العمل الاجتماعي».