البركوس وثقافة القطيع
بقلم: يمينة حمدي

نحن كبشر كائنات اجتماعية بطبعنا ونميل غالبًا للقيام بما يقوم به الآخرون، كوسيلة للقبول، لذلك نتخذ من التبذير والإسراف وسيلة لنشعر بالانتماء إلى قطيع المترفين والباذخين

النشرة الدولية –

العرب –

هل تدركون ذلك الشعور عندما يتدفق السيروتونين في أجسادكم لمجرد أنكم اشتريتم “البركوس” (خروف متوسط السن) وبسعر معقول!

يبدو أنكم ستنالون “جرعتكم” الكبيرة من اللحوم الحمراء، وعندما تعيشون أيام عيد الأضحى، قد لا يكون بإمكانكم وقف أنفسكم عن التفكير في وليمة ذلك “العلّوش” الكبير (الخروف).

“البركوس” يوحي لدماغك بأن عليه أن يبدأ في إفراز كميات أكبر من مادة الدوبامين، وهي ناقل عصبي يجعلك تشعر بسعادة كبيرة، لمجرد أنك تفكر في وليمة “العيد الكبير”، التي يسيل لها لعابك، وقد تطول لأيام أو حتى أسابيع، قبل أن تشعر بوخز الضمير والندم، إذا كان المال الذي أنفقته على “علوش العيد” مُبالغا فيه أو يتجاوز ما كنت تخطط لإنفاقه.

حتى من لديهم مقدرة شرائية محدودة، يواجهون اندفاعا مماثلا لاقتناء “علوش العيد”. ولهذا السبب، يجدون تحديا حقيقيا في اتخاذ القرار العقلاني الذي يجنبهم الإنفاق أكثر من مدخولهم الشهري أو يفكرون مرتين قبل إهدار كامل ميزانيتهم.

شخصيا، واجهت خلال الفترة التي سبقت عيد الأضحى صعوبة في إقناع بعض الأصدقاء والأقارب في تونس بفكرة العدول عن شراء أضحية العيد بسبب الغلاء الفاحش للأسعار هذا العام. ومع أن معظمهم يقول إن ميزانيته لا تخول له شراء ربع “علوش” بعد أن وصلت أسعار الأضاحي إلى أرقام خيالية هذا العام، فقد لاحظت أنهم يديرون ظهورهم للنصائح بشأن أهمية الامتناع عن شراء “علوش” العيد، كحل للشراهة وجشع التجار وطمعهم، بل يختلقون الكثير من الذرائع لإقناعي بضرورة اقتراضهم المال من الأصدقاء والأقارب.

المشكلة أن البعض واقع بين خيارين، كلاهما مر، فلو لم يشتر “علوشا كبيرا” سيشعر بالحزن، ولو اشتراه سيصاب بالإحباط، وربما تنتابه مشاعر عميقة بالذنب بعد الانغماس في حفلة الشواء الكبيرة، ويكون من الصعب عليه بعدها سداد الديون التي ستنغص عليه حياته، وتجعله فريسة لضغوط بعيدة المدى.

بالطبع، هذا السلوك لا يبدو أنه جديد من نوعه، طالما تبنى الناس “عقلية القطيع” التي تحول دون استخدام عملية موازنة منطقية للعواقب عندما يتعلق الأمر بالتهافت على الشراء في مثل هذه المناسبات والأعياد.

هناك الكثير من الأمثلة على ما فعلته “عقلية القطيع” في المجتمعات العربية والضغط الاجتماعي، المعروف أيضًا باسم “ضغط الأقران”. فنحن كبشر كائنات اجتماعية بطبعنا ونميل غالبًا للقيام بما يقوم به الآخرون، كوسيلة للقبول، لذلك نتخذ من التبذير والإسراف وسيلة لنشعر بالانتماء إلى قطيع المترفين والباذخين، كقيمة اجتماعية واعتبارية زائفة.

لكن قبل أن تبددوا أموالكم التي حصلتم عليها بشق الأنفس تذكروا نصيحة الملياردير الأميركي وارن بافت “كونوا خائفين متى كان الآخرون جشعين، وكونوا جشعين متى كان الآخرون خائفين”.

زر الذهاب إلى الأعلى