المفوضية لم تسلم “داتا” اللاجئين: منعاً لاستحواذ الأسد عليها
النشرة الدولية –
المدن – بتول يزبك –
بالرغم من إثبات فشلها، كخطة عملانيّة وعقلانيّة ترمي في محصلتها لضمان العودة الطوعيّة والآمنة للاجئين السّوريين على امتداد دول اللجوء.. على ما يبدو، أن لبنان الرسميّ لا يزال مُتمسكًا بالخطة الروسيّة (وهي عبارة عن خطة أوليّة للتحضيرات اللوجستيّة لتأمين العودة للسوريين إلى بلادهم، أُعلنت ما بعد قمّة هلسنكي عام 2018) أو على الأقلّ بإجراءاتها المُجحفة بحقّ اللاجئين.. ولعلّ مجموع الإجراءات والتّدابير التعسفيّة، التّي تُماثل بروحيتها واقع انغماس لبنان على كافة الصُعد بروحية محور الممانعة، و”انفتاحه” المُوارب على النقاش مع كافة الأطراف، ضمنًا المُجتمع الدوليّ ومنظماته الإنسانيّة كالمفوضيّة العليا لشؤون اللاجئين (لتحصيل داتا اللاجئين)، كافٍ لإدراك حقيقة مُجردّة: أن لبنان الرسميّ يُحاول، وبكل الأساليب، قوننة انتهاكاته وفساده وإهماله المستمر لهذا الملف، فضلاً عن نزعته الجامحة لتحقيق مآرب الأسد ومطامعه في إعادة الإعمار وتحصيل الشرعيّة مُجدّدًا، عبر ابتزاز دول العالم واللاجئين في آن معاً.
داتا اللاجئين
منذ نحو اليومين، نشرت عدة صُحف محليّة ومواقع الإخباريّة، خبرًا مفاده، “أن وزارة الخارجيّة اللبنانيّة قد تسلمت داتا المعلومات الخاصة باللاجئين، من المفوضيّة العليا لشؤون اللاجئين (UNHCR)، حيث استجابت الأخيرة لمطالب لبنان بتسليمها، على أن تبقى سريّة ولا تُعمم، وأبدت موافقة على اقتراح لبنان تشكيل لجنة ثلاثية من لبنان وسوريا والمفوضية العليا للاجئين لتسهيل عملية مراقبة العودة التي اسماها وزير المهجرين بالترحيل الآمن أو الإعادة الآمنة”. هذا الخبر كان كفيلاً بإحداث ضجّة في صفوف المُتابعين والمُطلعين على الملف.
أولاً، من ناحية كون تسليم “داتا المعلومات” من شأنه فتح باب “الجحيم” أمام اللاجئين، من جهة احتمال أن يُعطي لبنان هذه الداتا للنظام السّوري (الجهات السياسيّة اللبنانيّة المُقربة منه)، فيُصبح بانتظار العائدين إلى سوريا و/أو اللاجئين المُرحلين (ضمن الخطة المسماة بالترحيل الآمن)، مجموعة من قوائم الأسماء المُعدة سلفًا، أكان من المطلوبين عند النظام، نشطاء سياسيين ومعارضين. فضلاً عن المطلوبين لأداء الخدمة العسكريّة الإلزامية. وفي كلا الحالتين، لا تُحقق شروط العودة الآمنة، لجهة احتمال تعرض الشطر الأول لخطر التعذيب والاعتقال، والثاني لخطر العودة إلى الانخراط بالمقتلة السّوريّة.
وثانيًا، من ناحية كون موافقة المفوضية على الاقتراح المُقدم، هو إخلال صريح بكل التزاماتها الإنسانيّة، فضلاً عن تورطها بخطّة مواربة، تُعرّض آلاف اللاجئين لخطر الانتهاكات الحقوقيّة. وللاستفسار عن صحة الخبر، تواصلت “المدن” مع الطرفين، وزير المهجرين عصام شرف الدين، والمفوضيّة للتأكد من دقّة ما يُتداول. خصوصاً أن الجانبين قد أكدا يوم الأحد عبر مصادرهما، تسليم “الداتا”، ثم عملا على نفيّ الخبر يوم الاثنين.
لا صحّةً للخبر
من جهته، أكدّ الوزير شرف الدين لـ”المدن”: “أن المفوضية قد تقدمت منذ ثلاث أسابيع بمذكرة إلى وزارة الخارجية تتضمن الشروط والمعايير القانونية والتقنيّة التّي يجب توفرها لمشاطرة البيانات، والمستقاة من المعايير الدولية لمشاطرة البيانات وهي تنتظر حاليًا ردّ وزارة الخارجية اللبنانية “. نافيًا استلام وزارة الخارجية الداتا، بل استملت فقط المذكرة.
أما المُتحدثة باسم المفوضية، ليزا أبو خالد، فأشارت لـ”المدن” أن المفوضيّة أجرت والسلطات اللبنانية مناقشات بنّاءة ومستمرة حول التدابير المشتركة لمعالجة الوضع الإنساني الصعب الذي يعيشه اللبنانيون واللاجئون. ويبقى هدفنا الأول والأخير هو مساعدة وحماية الفئات الأكثر احتياجاً، بما في ذلك اللاجئون والمجتمعات المضيفة لضمان استمرار الالتزام بمبادئ القانون الدولي. لذلك، وكجزء من الولاية الموكلة إلينا والمتعلقة بالحماية، تواصل المفوضية الانخراط في مقترحات بناءة لتحسين وضع اللاجئين في لبنان وضمان حمايتهم. وتشمل المناقشات عمليات التسجيل ومشاركة البيانات والإجراءات ذات الصلة. تتبادل المفوضية والحكومة اللبنانية بالفعل بيانات اللاجئين السوريين المسجلين. والبيانات التي يتم تشاركها هي البيانات الشخصية الأساسية، وذلك بعد الحصول على موافقة الأفراد المعنيين”.
مؤكدةً أن المفوضية تُقرّ “بمصلحة الحكومة اللبنانية المشروعة في معرفة من يتواجد على أراضيها، وترحب بالتالي بالمناقشات التي جرت على مدى الأشهر الماضية حول مسألة مشاركة البيانات، بناءً على طلب الحكومة اللبنانية. فقد اجتمعت المفوضية مع المديرية العامة للأمن العام لمناقشة هذه المسألة عدة مرات، وشكلتا لجنة تقنية للمضي قدماً في هذا الاتجاه، مع الالتزام بالمبادئ الدولية لحماية البيانات والخصوصية. وبناءً على طلب الطرف اللبناني، تم تقديم اقتراح من خلال مذكرة شفهية إلى الحكومة من قبل المفوضية بهدف تلبية احتياجات الحكومة اللبنانية، مع احترام معايير حماية البيانات والخصوصية. تنتظر المفوضية حالياً الرد وتبدي استعدادها للمشاركة البناءة في أي مناقشة مطلوبة”.
الإجراءات التعسفيّة
من ناحية أخرى، لا يبدو ان انفتاح لبنان المُباغت على الحوار “العقلانيّ” مع الطرفين السّوري والدوليّ، يُترجم بالتريث والانفتاح نفسهما على أرض الواقع. إذ تستمر لليوم حملات التّرحيل والمُداهمات العشوائية لمساكن ومخيمات اللاجئين على امتداد الأراضي اللبنانيّة، خصوصاً في البقاع الشمالي والأوسط والأطراف جنوبًا وشمالاً، مُسببة الذعر والتوجس الملمين بسواد اللاجئين في لبنان. وفيما يبدو أن هذه الحملات لا تتوقف حصرًا على الأسباب الأمنيّة المزعومة، بل يحدّوها منهج واضح وصريح يتبناه لبنان الرسميّ، الذي عبّر من خلال مسؤوليه مرارًا عن حاجة لبنان للتخلص من اللاجئين بأي وسيلةٍ، وعليه تستمر البلديات المحليّة باتخاذها التدابير والقرارات تباعًا، وآخرها كان إصدار بلدية “بزبدين” (قضاء بعبدا) قرارًا قضى بإلزام اللاجئين السّوريين المقيمين في المنطقة الحصول على بطاقة تعريفيّة خاصة بهم من قبل البلديّة، وذلك بدءًا من نهاية حزيران، كما وفرضت رسم سكن تبلغ قيمته عشرة ملايين ليرة، كشرط للحصول على تلك البطاقة (حسب ما أشارت منظمات حقوقيّة مُتابعة).
مصير المساعدات النقدية
وبسياق مُتابعة “المدن” لمستجدات ملف “دولرة المُساعدات” التّي تُقدمها المنظمات الإنسانيّة لعددٍ من اللاجئين (راجع “المدن“) من بينها المفوضيّة ومنظمة الغذاء العالمي (WFP)، علمت “المدن” أن المفاوضات لا تزال مُستمرة، وأن الجانب اللبنانيّ، خصوصاً وزير الشؤون الاجتماعيّة، لا يزال مُصرًا على معارضته لدولرة المساعدات والمستحقات النقديّة للاجئين، وأحال النقاش بهذا الصدّد لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. أما التصريحات السّياسيّة العنصريّة والتّمييزيّة، فوصلت أوّجها، مسعرةً الحملة الافتراضيّة والشعبيّة ضدّ اللاجئين. ولعلّه من العصيّ الإحاطة بكل هذه التصريحات أكان في المؤتمرات الراميّة لمناقشة “ملف النازحين وخطره على الديمغرافيا اللبنانيّة” التّي تُقام بصورة شبه يوميّة برعايّة مسؤولين رسميين، أو أكان على وسائل الإعلام.
الحتميّ أن الملف هذا قد وصل إلى نقطةٍ مفصليّة لا رجوع فيها، وفيما يتمسك كل طرفٍ بموقفه، لا أُفق واضحاً لمصير اللاجئين السّوريين في لبنان. فبين استحالة العودة حالياً ومخاطرها ومغبتها، والبقاء المحفوف بالانتهاكات في لبنان، أو إعادة التّوطين في مكان آخر، يقع اللاجئون السّوريون مُجدّدًا في الدوامة نفسها: الترحال المُستمر، وشظف العيش الدائم، من دون أن يُفكر أي طرف بما هو لصالح هؤلاء الذين عاشوا ما عاشوه من ويلات الحرب والاقتتال، ومن عنصريّة دول اللجوء وخذلان المجتمع الدوليّ.