سوريا متاحة للسيّاح ومقفلة أمام النّازحين… معلومات لا يمكن غضّ النّظر عنها!
النشرة الدولية –
لبنان 24 – ستيفاني راضي –
يهلّل المسؤولون السّوريّون لعودة ازدهار السّياحة في بلادهم مؤخّرًا، ولأهميّة مساهمة هذا القطاع إيجابيّا بالنّاتج المحلّي. وفي الوقت نفسه، تنشط حملات الدّعوة لزيارة سوريا بهدف السّياحة، ما يعني أنّ هذا البلد أُسدلت فيه ستارة الحرب بالإجمال وبدأ يتعافى.
السّياحة السّوريّة
في العام 2019، وصل عدد الوافدين العرب والأجانب لسوريا، إلى نحو 2.4 مليون قادم، بزيادة 31 بالمئة عن عام 2018، وفق أرقام رسميّة نقلتها وكالة “سانا” السّوريّة.
أمّا في العام 2021، فقد بلغ عدد الزّائرين إلى سوريا من عرب وأجانب 488 ألف شخص، وفق وزير السّياحة السّوري، محمد مارتيني، من دون أن يخفي تفاؤله بأن يكون العام 2022 أفضل للسّياحة السّورية. وكشف مارتيني، عن عشرات الطّلبات لمجموعات أوروبيّة ترغب بزيارة سوريا لأهداف سياحيّة.
ومنذ شهر، توقّع معاون وزير السّياحة السّوري غياث الفراح، “ازديادًا أكبر بحركة القدوم السّياحي إلى سوريا خلال الفترة المقبلة”.
وقال في حديث صحافي آخر، إنّ “نسبة مساهمة القطاع السّياحي في النّاتج المحلّي الإجمالي قبل سنوات الأزمة، تصل إلى 12-13%، ويتمّ العمل حاليًًا على الوصول إلى نسبة 5%”.
بالوقت الّذي يروَّج فيه للسّياحة بسوريا وهذا حقّ، كونها من أكثر البلدان العربيّة الغنيّة بالأماكن التّراثيّة والتّاريخيّة والدّينيّة، هناك مواطنون سوريّون من حقّهم العودة إلى بلدهم الأم. فهم أتوا إلى لبنان بشكل عشوائي، ومن دون أيّ خطّة بسبب الحرب الّتي كانت دائرة في بلدهم، وها إنّ اجتيازهم الحدود اليوم بات عالقًا ومعقّدًا!
لبنان والنّازحون
في العام 2011، اندلعت الحرب بسوريا، ما أدّى إلى نزوح عدد كبير من سكانها إلى البلدان المجاروة، ليكون لبنان من البلدان الأكثر إيواءً للنّازحين.
ويبلغ عدد النّازحين السّوريّين المقيمين في لبنان 1.5 مليون تقريبًا، نحو 900 ألف منهم مسجّلون لدى مفوضيّة الأمم المتّحدة لشؤون اللّاجئين؛ ويعاني معظمهم أوضاعًا معيشيّةً صعبةً.
وفور دخول النّازحين لبنان، سارعت المنظّمات الدّوليّة إلى تقديم المساعدات كافّة إليهم من دون رؤية مستقبليّة، ولا تزال لليوم، وفق مطّلعين. مثلًا، يشكو الكثير من اللّبنانيّين اليوم، من كيفيّة قدرة النّازح على الحصول على الاستشفاء، في حين يعجز اللّبناني عن دخول المستشفى والحصول على الطّبابة اللّازمة له.
أرقام صادمة
لم يأبه الكثيرون للأرقام الصّادمة التي أدلى بها وقدّمها وزير الشّؤون الاجتماعيّة في حكومة تصريف الأعمال هكتور الحجار، خلال إلقائه كلمة لبنان في الدّورة السّادسة من مؤتمر “مستقبل سوريا والمنطقة”، في العاصمة البلجيكيّة- بروكسل.
فهو كشف أنّ “النّازحين يتوزّعون على 1000 بلدة لبنانيّة، من أصل 1050، ويشكّلون 30% من سكان لبنان، إذ تصل كثافتهم إلى 650 نسمة في الكيلومتر المربّع الواحد”.
ويستفيد هؤلاء من الخدمات المدعومة من الدّولة كالمياه والكهرباء وغيرها، من دون أيّ بدل. على سبيل المثال، في إحدى بلدات قضاء بعبدا، تعمل البلديّة على تأمين المياه لسكانها عبر جمع 200 ألف ليرة شهريًّا من كلّ منزل، بالوقت الّذي لا يدفع النّازحون أيّ بدل مالي لقاء هذه المياه؛ علمًا أنّ أعدادهم كبيرة في البلدة ومصروفهم كبير جدًّ للمياه.
وبحسب الإحصاءات الرّسميّة، الّتي كشفها حجّار، فـ:
– 85% من الجرائم يرتكبها نازحون.
-40% من الموقوفين لدى الأجهزة الأمنيّة المختلفة، هم من السّوريّين.
– التحوّل الدّيموغرافي للسكّان: كلّما ولد طفلان، أحدهما سوري.
وغيرها الكثير من الأرقام الكارثيّة!
كلّ ما تقدّم استوجب من رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي، رفع الصّوت وبقوّة، إذ دعا المجتمع الدّولي إلى “التّعاون مع لبنان لإعادة النّازحين السّوريّين إلى بلدهم، وإلّا فسيكون للبنان موقف ليس مستحبًّا على دول الغرب، وهو العمل على إخراج السّوريّين من لبنان بالطّرق القانونيّة، من خلال تطبيق القوانين اللّبنانيّة بحزم”؛ من دون الكشف عن تفاصيل إضافيّة عن هذه الطّرق.
مسارات دبلوماسيّة
تجاربٌ وخططٌ ولجانٌ كثيرةٌ حاولت في السّنوات السّابقة العمل على وضع خطط لإعادة النّازحين، إلّا أنّها لم تفلح في مهمّتها، أبرزها الخطّة الرّوسيّة- الأميركيّة في العام 2018 الّتي لم تنفّذ.
على صعيد متّصل، قدّم المدير التّنفيذي لـ”ملتقى التّأثير المدني” زياد الصائغ، لـ”لبنان 24″، ثلاثة مسارات دبلوماسيّة “يمكن للدّولة اللّبنانيّة أن تسلكها لتأمين العودة الطّوعيّة للنّازحين إلى بلادهم، هي:
-أوّلًا، اجتماع الدّولة اللّبنانيّة مع المفوضيّة العليا لشؤون اللّاجئين، لمعرفة المناطق الآمنة الّتي يمكن أن يعود إليها النّازحون، والضّمانات القانونيّة والأمنيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة الّتي على المفوضيّة تأمينها لهم، لا الدّولة اللّبنانيّة.
-ثانيًا، على لبنان التّواصل مع مجموعة الدّعم الدوّليّة الخاصّة به، الّتي شكّلها مجلس الأمن، وطلب إدراج ملفّ “النّازحين” على جدول أعمال جلسة خاصّة لنقاش كيفيّة إعادتهم. فلماذا لم يحصل هذا بعد؟
-ثالثًا، على لبنان المطالبة بوضع ملفّ النّزوح على طاولة مسار جنيف. فلماذا لم يطلب لبنان؟ وليكون عضوًا مراقبًا بمسار جنيف، ووضع الملفّ على الطّاولة وتحريك القضيّة من خلال لجنة الحوار الدّائم في جنيف، بحجّة أنّه ليس قادرًا على تحمّل الأعباء.”.
وكشف الصّائغ أنّ “منطقة القلمون والزبداني والقصير ممكن أن يعود إليها نحو 300 ألف لاجئ سوري، فلماذا لم يعودوا إليها، ومن يمسك بهذه المناطق؟”.
بالسّياق ذاته، يرى مراقبون أن لا خطوات جدّيّة من قِبل الدّولة اللّبنانيّة ولا حتّى من الدّول الخارجيّة، لإعادة هؤلاء النّازحين لبلادهم.
تحرّك جديد
في آخر التحرّكات والاجتماعات حول ملف النّزوح، بحث وزير المهجّرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين في دمشق، بعودة اللّاجئين السّوريّين في لبنان إلى سوريا.
وأطلع وزير “الإدارة المحليّة والبيئة” التّابعة لحكومة النّظام السّوري حسين مخلوف، شرف الدين على الأعمال الّتي نفّذها النّظام السّوري من أجل تسهيل عودة اللّاجئين والمهجّرين السّوريّين إلى بلدهم، وشملت: “مراسيم العفو وتأجيل الخدمة الإلزاميّة لمدّة ستّة أشهر للعائدين، استخراج الوثائق المفقودة، تسجيل الولادات الجديدة، توفير خدمات النّقل والطّبابة وكلّ ما يلزم لإيصالهم إلى مناطق إقامتهم، ودعمهم بمشاريع لتمكينهم من تأمين سبل عيش كريم”، وفق زعمه.
لا يمكن الجزم أنّ العودة ستكون حتميّة هذه المرّة، بعدما أُسميت بـ”التّسهيلات السّوريّة”، وذلك بعد كلّ التّجارب الفاشلة. لكن حان الوقت للتحرّك فعليًّا على الأرض والعمل لإعادة النازحين إلى أرضهم سالمين، لأنّ “لبنان لم يعد يحتمل”.