هكذا سلك الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل خطواته الأخيرة نحو الإتفاق
بقلم: غادة حلاوي
النشرة الدولية –
نداء الوطن –
بحذر يمكن تلقف التوصل الى اتفاق ترسيم بحري بين لبنان واسرائيل برعاية اميركية. ليس تقليلاً من اهمية الخطوة وانعكاسها مستقبلاً على لبنان وانما لهوية الجهة الثانية اي اسرائيل والتي اعتادت الانقلاب على الوقائع والتنصل من الاتفاقات. اما مدعاة الحذر الثانية فهي الخطوات المتبقية بعد الاتفاق اي البحث في تفاصيله وما تحمله السطور من تفسيرات قد تكون متباينة بين لبنان واسرائيل. ناهيك عن ان الاتفاق ينتظر في اسرائيل الموافقة النهائية عليه كما في لبنان بعد ان تكون تمت مقاربته من زواياه السياسية الصرف. فهل سيسمح لاي اتفاق ان يكتمل على بعد ايام قليلة من نهاية عهد ميشال عون؟
العامل الوحيد المطمئن هنا هو الوسيط الاميركي المتلهف لانجاز الخطوة وتقصد فصلها عن ملفات المنطقة لا سيما مع تدهور العلاقة الروسية الاميركية – الاوروبية على خلفية حرب اوكرانيا والروس.
ما يزيد على العشرين اتصالاً جرت بين الوسيط الاميركي أموس هوكشتاين والمكلف ملف المفاوضات المتعلقة بالحدود البحرية نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب شهدتها الايام الاخيرة استباقاً للصياغة النهائية لنص الاتفاق بين لبنان واسرائيل. تفاصيل كثيرة احتاجت الى البت، بعضها استلزم تعديلات طفيفة في الربع الساعة الاخير او توضيحات فيما بقيت اخرى خاضعة للنقاش من دون ان تشكل مساً بالجوهر المتفق عليه.
طوال تلك الفترة ابدى الوسيط الاميركي مرونة في التفاوض بينما بدا لبنان متماسكاً ويرفض اي بحث في التراجع عن حقوقه كاملة. رفض القبول بجزء من البلوك الثامن وأصر عليه كاملاً، كما رفض التعويض من جهته على الجانب الاسرائيلي مقابل الجزء الاسرائيلي من حقل قانا ولم يقبل باحداثيات اسرائيل حول العوامات على الحدود وتلك بقيت مسألة عالقة.
منذ بدأ الوسيط الاميركي وساطته حصلت عملية تراخٍ في اماكن معينة وتشكيك في اخرى، الى ان نجح لبنان في تحصيل حقوقه. بدبلوماسية ادير الملف من قبل بو صعب متكلاً على مسيّرات المقاومة وتهديدات امين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله. كان يردد على مسامع هوكشتاين ان رفض الاسرائيلي سيكون ثمنه باهظاً وانه سيكون شاهداً على ذلك في ما لو حصل.
بعد خضات كثيرة مرت بها عملية التفاوض كادت ان تتوقف او تعود الى نقطة الصفر، يسجل للمقاومة هنا وباعتراف الاسرائيلي قبل لبنان ان الفضل الاول في اتمام الاتفاق البحري يعود للمقاومة. حققت المفاوضات نقلة نوعية بعد اطلاق المسيرات فوق كاريش تلاها تهديد شديد اللهجة للامين العام السيد حسن نصر الله. فعلاً لا قولاً كان «حزب الله» في صدد اطلاق دفعة جديدة من المسيرات باتجاه الحدود البحرية المتنازع عليها في ما لو تمسكت اسرائيل بمواصلة التنقيب منفردة على الجهة الاسرائيلية من الحدود. تهديدات «حزب الله» تسلمها الوسيط الاميركي وابلغها للجانب الاسرائيلي. في المقابل بعثت اسرائيل برسائل مطمئنة الى انها ستؤجل التنقيب في كاريش وبالفعل اوقف عمل السفينة اليونانية.
خلال المفاوضات رفض لبنان الحصول على نصف الحقل 8 وحصل عليه كاملاً، كما رفض القبول الا بحقه كاملاً من حقل قانا وان تدفع توتال لا الجهة اللبنانية تعويضا للاسرائيلي ليكون الحقل كاملاً من حصة لبنان، وكان في نهاية المطاف موضوع العوامات في المياه والاحداثيات التي تسلمها لبنان بشأنها والتي رفض التصديق عليها او الموافقة على الالتزام باحتفاظ اسرائيل بمنطقة آمنة على الحدود. وبين اخذ ورد صيغ الاتفاق وتمت الموافقة على نص يحتاج تفصيله الى توضيحات لكنها لا تهدد أسسه. اللمسات الاخيرة على الاتفاق وضعها بو صعب خلال رحلته الاخيرة الى نيويورك حيث كان مشواره كما المفاوضات كالسير في حقل الغام كما ينقل عنه. مشقة التفاوض ومشقة الاتفاق وثالثهما الحذر والخوف من نوايا اسرائيلية مبيتة والعين على ما بين السطور وتفسيراته ما بين لبنان واسرائيل.
لكن كل ذلك لم يمنع اعتبار الخطوة «انجازاً». كل ما اراده لبنان حصل عليه. وهي من المرات الاولى التي يخوض فيها مفاوضاته بنجاح ومن مصدر قوة. الاتفاق الذي يقع في عشر صفحات صيغ باللغة الانكليزية وتمت ترجمته الى اللغة العربية ليكون موضع نقاش في بعبدا التي ستستضيف اجتماعين متتاليين: الإجتماع الأول تقني يشارك فيه ممثلون عن الرؤساء الثلاثة وبو صعب ومدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم، والثاني للرؤساء بغية الخروج باتفاق على الرد اللبناني الموحد. وتنص البنود المهمة من الاتفاق على التالي:
– حق لبنان في كامل الخط 23.
– كامل حقل قانا وكل الحقول الممكن ان يظهر ان لها امتدادات داخل المياه الاسرائيلية.
– تسمح الولايات المتجدة بإعادة تنشيط عمل الشركات التي كانت تنقب وتحديداً شركة توتال.
– الالتزام بالسماح للبنان بإستيراد الكهرباء والغاز من اي بلد يريده ما يعني ضمنا ايران.
– عدم التلازم او الربط بين الترسيم البحري والبري.
وهناك من تحدث عن دور لقطر في تولي التنقيب عن النفط في المناطق الحدودية التي يمكن ان تكون محور نزاع.
بكلامه عبّر امين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله عن فحوى الموقف اللبناني من اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل. تكفي اشارته اليه على انه انتصار ليفي المعنى غرضه. قبله كان رئيس مجلس النواب يبدي ارتياحه لنص الاتفاق الذي تسلمه من السفيرة الاميركية في لبنان دورثي شيا. ليس تفصيلا ان تعلن الاخيرة من عين التينة عن الاجواء الايجابية وان يظهر الثنائي عراب اتفاق الترسيم والاب الحاضن له لتكتمل الحكاية وتكون مواقف المسؤولين في «حزب الله» اول المواقف المرحبة والمؤيدة.
في الميزان السياسي هو اتفاق اذا استكملت خطواته سيكون «الانجاز» الذي يختم به رئيس الجمهورية ميشال عون عهده حتى وان كان الاستخراج من الجانب اللبناني يلزمه وقت طويل لان عملية التنقيب لم تبدأ بعد. لكن يبقى التوصل الى اتفاق خطوة اولى ايجابية في النفق اللبناني المظلم.