أي لبنان هذا الذي نعرفه؟
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
منذ فترة وأنا أتابع أخبار وأنشطة اللبنانيين في بلاد الاغتراب خصوصا عبر بوابتين: الأولى موقع إلكتروني إخباري نشط تميز به الزميل فادي سعد «lebapedia news» يرصد ويوثق ويتتبع أخبار الاغتراب في العالم، والثانية عبر ما يزودني به ابني الأكبر فؤاد بحكم كونه يعيش ويعمل هناك كمواطن كندي.
توقفت أمام اسمين لبنانيين لامعين برزا في عالم التكنولوجيا وإدارة الأعمال وعلى المستوى العالمي يشار إليها كأنجح اللبنانيين المعروفين في هذا المجال والتخصص، الأولى سيدة تدعى رولا داغر لديها خبرة في قطاع التكنولوجيا على مدى أكثر من 30 عاماً تتولى حالياً منصب global channel chief في شركة Dell Technologies وهي بالمناسبة من الشركات الرائدة دولياً في ابتكارات التكنولوجيا المتقدمة، شغلت قبل ذلك عدة مواقع قيادية في «شركة سيسكو سيستمز» وغيرها من الشركات.
والشخصية الثانية هو جاد الشمالي، الرئيس والمدير التنفيذي «لشركة أرنست أند يونغ» خبرة 25 عاماً في تطوير أداء الأعمال، له دور قيادي بالتحول المبتكر واستراتيجيات إعادة التصميم ليس في عموم أنحاء كندا فقط بل في العالم، والشركة لا تحتاج إلى تعريف.
صورة اللبنانيين في الخارج وفي الغالب عكس ما هو في الداخل وعلى الأرض وفي محيط العشرة آلاف و425 كيلو مترا مربعا، النجاحات الفردية باهرة، ودائماً ما تسمع أو تقرأ خبراً في عالم الميديا عن التميز والتفوق الذي يحققه أفراد وعلى المستويات كافة، بالتكنولوجيا والطب والعلوم والموسيقى والسياسة والهندسة وغيرها.
في حين أن الصورة السائدة خاصة بعد الحرب الأهلية عام 1975 وما تلاها من حروب وخراب وتقاتل، أن هذا البلد يحمل فيروس «اللبننة» وعنوانه العريض «بكتيريا الطائفية» تعرض إلى أزمات ونكبات تحول في السنوات الأخيرة إلى أمثولة في الفشل، لدرجة أصبحنا فيها من أسوأ الأنظمة السياسية، وإذا ما أراد أحدهم التحذير من وضع كارثي مقبل يقولون، إياكم أن تصبحوا مثل لبنان.
صورتان متناقضتان تماما، كيف أن اللبنانيين عموماً نجحوا كأفراد في بلاد الاغتراب وفشلوا في إدارة بلدهم، فهو ديموقراطي في الشكل لكنه متخلف في الجوهر، مملوء حتى أذنيه بالطائفية، صحيح أنه منفتح على الثقافات الغربية لكن ثقافة التعصب للطائفة والزعيم تبقى هي المحرك.
الظاهرة ليست عابرة ولا شيئاً مستحدثاً، بل ممتدة عبر تاريخ لبنان السياسي منذ إنشاء وتركيب «دولة لبنان الكبير» عام 1920، أزمات وحروب وصراعات وممرات للقوى الغربية والإقليمية، لم يستطع بناء «المواطن» بالمعنى الحقيقي للمواطنة ولا «دولة» مؤسسات وقانون فيها مواصفات الديمومة والاستقرار.
قد يكون الأمر لدى البعض فيه الكثير من الغرابة والدهشة، كيف يجمع النقيضين في الوقت نفسه؟ وهل المشكلة في النظام السياسي وصيغة نظام المحاصصات والمغانم الموزعة على الطوائف، والبيئة التي تربي فها ورضع منها منذ ولادته ذاك «المرض المزمن والمعدي» والمعروف بحكم الطوائف؟ لماذا نجح هذا اللبناني في دنيا الاغتراب ولم ينجح في بيئته وبلده؟
شعار «أنا مهاجر إذاً أنا لبناني» حمله على مر السنين، وصورة اللبناني عموماً في الخارج ليست أرقاماً وعائدات مالية كما يحلو للبعض أن يتغنى بها، بل هو مخزون من التعليم والمعارف والإبداع .
نظرة المجتمعات إليه وفي الغالب كانت على طول الخط إيجابية، وغالباً ما يشكلون قيمة مضافة اقتصادياً وعلمياً، فهم يشتغلون بطموح وإبداع ناجحين، يملكون طاقة على التأقلم والتكيف أكثير من غيرهم من الجاليات إذا ما قورنوا بالجالية الصينية أو الصومالية على سبيل المثال .
في البلدان التي هاجروا إليها سجلوا نجاحات مبهرة وعظيمة وعلى المستوى الفردي، لكنهم أخفقوا بل كانوا فاشلين على مستوى الجماعة أو اللوبيات.
ومن حسن كامل الصباح ابن مدينة النبطية إلى رمال حسن رمال من الدوير في جنوب لبنان مروراً بمايكل دبغي أحد رواد جراحة القلب في العالم إلى د. بيتر مدور الحاصل على جائزة نوبل للطب وصولاً إلى ميشال تامر رئيس دولة البرازيل، هؤلاء عينة من أدمغة مهاجرة برزوا على الساحة الدولية، وكانوا قدوة تثير الإعجاب حقاً وتمحو من الذهن آثار الصور السوداء لما يحصل في الداخل اللبناني.