جمعيات لبنانية تنقذ السجون ونزلاءها.. من الدولة المتعفّنة

النشرة الدولية –

المدن – عزة الحاج حسن –
حينما صيغت المراسيم والقوانين المتعلقة بتنظيم السجون ومراكز التوقيف ومعهد اصلاح الأحداث وتربيتهم، وتكرّست حقوق السجناء الإنسانية والصحية والاجتماعية لم يظن واضعوها أنها ستفقد قيمتها يوماً ولن يتجاوز مفعولها الحبر على الورق.

فسجون لبنان تعجّ بالمرضى والجوعى وضحايا التعذيب ومنتَهَكي الحقوق الجسدية والنفسية والإنسانية وبموقوفين غير محكومين. وفي حين يبلغ تقصير السلطات الرسمية بحق نزلاء السجون حد حرمانهم من أدنى مقومات العيش، تقوم جمعيات ومنظمات بتأمين بعض احتياجات السجون بما يمكّنها من المحافظة على حياة النزلاء.

نصوص حبر على ورق
وقد حدّدت القوانين اللبنانية والمعاهدات الدولية حقوق السجناء الإنسانية والقانونية وحقهم بالطبابة والتغذية، من خلال تحديد كميات ونوعيات المواد الغذائية الواجب تقديمها لكل سجين على مدار اليوم والأسبوع. وحسب المرسوم المتعلق بحقوق السجناء الصادر عام 1949 والخاضع لتعديلات عديدة على مدار سنوات الحرب الأهلية وما بعدها، يحق للسجناء بألبسة صيفية وشتوية مميزة فيما بينهم باختلاف أحكامهم.

يلحظ المرسوم المذكور حق كل سجين بفراش مريح وأغطية ولوازم النوم ومواد تنظيف ومياه لتأمين نظافته اليومية. كما يُفرض على إدارات السجون تأمين نظافة الغرف وتهوئتها وغير ذلك من الأمور التي تحافظ على حياة صحية للسجين. كل ذلك ما هو اليوم إلا حبر على ورق. فلا تقديمات صحية أو طبية او غذائية ولا رعاية للسجناء في لبنان.
وتتفاوت جرائم تقصير السلطات الرسمية بحق السجناء على مساحة لبنان، وتبقى أكثر السجون تهميشاً سجون منطقة شمال لبنان. فالدولة تغيب بشكل تام عن تلك السجون، حتى أنها تكاد تتخلى عن دورها كلّياً في الحفاظ على حياة السجناء في سجن القبة- طرابلس فلا تنفق على الطبابة ولا الغذاء ولا النظافة، ولا تقدم أي خدمة في سجون الشمال. وحسب أحد المحامين الناشطين في ملف الدفاع عن حقوق الإنسان، فإن الدولة لا تتعرف على أي تكاليف أو نفقات أو رعاية للمساجين في الشمال.
ويؤكد مدير مركز حقوق السجين في نقابة المحامين في طرابلس، المحامي محمد صبلوح، في حديث إلى “المدن”، أن سجن القبة في شمال لبنان يعاني كغيره من السجون من اكتظاظ كبير فسجن القبة يتّسع لأقل من 400 سجين في حين انه يضم أكثر من 900 سجين. لكن ما يزيد الوضع سوءاً في سجن القبة، حسب صبلوح، هو أن المراكز الاجتماعية والمنظمات الإنسانية هي من تؤمن احتياجات السجناء حسب قدراتها “ولولا وجود المنظمات في سجن القبة لكان وضع السجن كارثي ومأساوي جداً”.

جمعيات تقوم مقام الدولة
تقوم العديد من الجمعيات والمراكز مقام الدولة اللبنانية في عدد من السجون فتعمل على تأمين الطبابة والغذاء والرعاية الصحية والنفسية والتأهيل. وإن كانت تقديمات المنظمات والجمعيات للسجناء في بعض السجون المنسية غير كافية، إلا أنها تنجح في تعويض التقصير الفادح للدولة اللبنانية.

ومن بين المساهمين في رعاية السجناء مركز ريستارت المتخصص بتأهيل ضحايا العنف والتعذيب وجمعية عدل ورحمة، وسواها من المجموعات الناشطة على الأرض، في سبيل تقديم المساعدة للسجون. وقد تدخّل (ساعد) مركز ريستارت من قبل فريق متعدد الاختصاصات مع حوالى 3000 نزيل من كافة أماكن الاحتجاز في شمال لبنان على صعيد الصحة والصحة النفسية بين الأعوام 2015 و2023.
وقد تجاوزت التكلفة الإجمالية المدفوعة من قبل ريستارت 2.5 مليون دولار (2597797 دولاراً تحديداً) حتى نهاية شهر أيار 2023 في سجن القبة، طرابلس (سجن النساء وسجن الرجال) وفي قصر العدل-طرابلس وكافة مراكز الاحتجاز في شمال لبنان من حدود “المدفون” إلى أقصى عكار.

وبحسب ريستارت توزعت التقديمات على جوانب عديدة تشمل كافة نواحي حياة السجين في سجون الشمال منها:
• تجهيزات طبية، عيادية، فيزيائية، صناعية، تشغيلية، كهربائية، مكتبية، تقنية، وترفيهية.
• بنية تحتية وأعمال بناء (مركز طبي، غرف للحجر، ومركز طب شرعي في قصر العدل).
• أعمال صيانة وأعمال صحية.
• معدات كهربائية (غسالات ونشافات صناعية، برّادات وتلفزيونات).
• دورات تدريبية، مهنية، لغوية، علاجية، ودورات كمبيوتر.
• رسوم قانونية ودعاوى قضائية.
• أدوية وفحوصات مخبرية.
• خدمات تأهيلية (طبية، اجتماعية، نفسية، فيزيائية).

من جهتها حقّقت الجمعية اللبنانية “عدل ورحمة” التي تساعد المساجين وذويهم، العديد من المشاريع مع الجهات المانحة مثل Droit الحقوق، إعادة الإدماج الاجتماعي، التوجيه المهني والحماية للشباب والنساء والأشخاص ذوي الإعاقة الحركية في السجون اللبنانية، بالتعاون مع كل من جمعيّة ARCS و AICS (إيطاليا). بالإضافة إلى مشروع Libano Forpro تدريب وإنتاج من أجل الأمن الغذائي في لبنان، الدعم النفسي والاجتماعي، بالتعاون مع جمعيّة Armadilla الايطالية. وبرنامج روبرت كار (وهو عبارة عن جلسات توعية حول أضرار ومخاطر استعمال المخدِّرات) وجلسات علاج نفسي داخل سجن رومية، بالتعاون مع Menahra وغير ذلك الكثير من المشاريع والنشاطات التي تؤمن الحماية للمساجين إلى حد ما.

معاناة اهالي نزلاء السجون
قبل الأزمة المالية اللبنانية عام 2019 لم تكن زيارة نزلاء السجون من قبل ذويهم بالأمر المستعصي بالنسبة إلى الكثير من العائلات، رغم المصاعب التي كانوا يواجهونها والتكاليف التي يتكبدونها لإدخال الأطعمة واحتياجات السجناء. أما اليوم فقد باتت هذه المهمة بالغة الصعوبة بسبب ارتفاع التكاليف وتدهور القدرة المعيشية للأهالي، وصعوبة تأمين التكاليف الإستشفائية للنزلاء المرضى في ظل عجز الدولة التام عن تأمين أي من حقوق نزلاء السجون.

Back to top button