رقعة الشطرنج العراقية
بقلم: مصطفى فحص

النشرة الدولية –

يصف صاحبي، وهو العارف في دواخل بيوتات العراق الدينية والسياسية، كيفية معالجة الطبقة السياسية لأزماتها المتراكمة منذ انتفاضة تشرين وإلى الآن بأنها أشبه برقع الخروق، فمما لا شك فيه أن رقعة العراق السياسية أو الجغرافيا الوطنية لدولة العراق تعاني منذ 9 نيسان 2003 خروقات سياسية لم يعد يمكن ترقيعها.

فعليا تحول العراق منذ سقوط نظام صدام حسين إلى رقعة شطرنج تعج ببيادق مدججين عقائديا وعسكريا، وملوكا يفوق عددهم حاجة الحكم، يملكون قلاعا وخيولا وإمكانيات تمنحهم قدرة الحفاظ على مواقعهم بعيدا عن نتائج الانتخابات أو التسويات الداخلية أو الخارجية، وحماية مكاسبهم من الثروات، والأهم أو الأخطر أن فكرة فائض القوة لدى بعضهم دفعتهم إلى الاعتقاد أن خيار استخدام القوة لم يعد مستبعدا ولا مشروطا.

الأخطر في رقعة الشطرنج العراقية أن عدد اللاعبين الخارجيين تقلص جدا، فيما ازداد عدد اللاعبين المحليين الذين باتوا محترفين أيضا، فمنهم من أعلن شبه انفصال عن مدارس تاريخية في الشطرنج، أو في بعض الأحيان يتمرد على خططها أو لا يأخذ بنصيحتها، حتى لو كانت مدرسة تاريخية خاضت مباراة كبيرة على المستوى الإقليمي بالعام والعراقي بالخاص.

في عراق ما بعد التشرينين (الانتفاضة والانتخابات) لم يعد ممكنا حصر الأزمة بالصراع على السلطة، وتأجيل البحث في أزمة النظام والمكابرة في تأخير الاعتراف بعدم إمكانية استمراره، والأرجح ان هذا الإنكار سببه محاولة تجنب تحمل مسؤولية فشل نظام 2003.

والسؤال الذي سيطرح نفسه مباشرة عن أهلية بعض ممن كانوا في السلطة، لذلك فإن معضلة العراقيين أن التمسك بالنظام الحالي بهذا الشكل دون إجراء بعض الاصلاحات المرحلية أو التهديد باستخدام القوة للدفاع عنه بات خطرا على مستقبل العراق وتماسك مكوناته ووحدته.

في التعثر العراقي الأخير بات واضحا أن محاولات الطبقة السياسية إعادة ترتيب السلطة على شكلها السابق مستحيل، فمن رفض رفضا كاملا الذهاب إلى أغلبية حاكمة واقلية معارضه وأصّر على التمسك بالتوافقية، يواجه اليوم نفس المأزق الذي صنعه لغيره، فحتى بعدما أمسك بزمام المبادرة وقرر انتهاز فرصة تاريخية وتعويض خسارته الانتخابية واستثمار خروج التيار الصدري من السلطة  التشريعية ، بدأت آماله تتراجع ويتضح له يوما بعد يوم بأن ما اعتقد انها فرصته باتت ثقلا ومسؤولية وقد تتحول إلى كابوس.

هذا الأمر يتطلب مراجعة سريعة من الذين تعاملوا باستسهال مع خروج الصدر البرلماني وليس السياسي واعتقدوا أنهم قادرون على ملء الفراغ، وبأن حيازة السلطة التنفيذية قاب قوسين أو أدنى، وأن حكومة قوية قادرة على التصدي لكل المعترضين، حتى لو كانت هناك كلفة باهظة في الأرواح.

عمليا تتحمل الطبقة السياسية الشيعية النسبة الأكبر من أزمة النظام، كونها تشكل الأغلبية القابضة على الدولة والثروة، كما أن الأزمة بين مكونات الأغلبية تمر بامتحان عسير، فلا الإطار التنسيقي قادر على المضي قدما في مشروعه نتيجة أعطاب عديدة في تركيبته وفي علاقته بباقي المكونات، والتيار الصدري ليس مفهوما بعد كيف سيعوض انسحابه من البرلمان، وهل سيعطي خصومه كل هذه المنح مجانا أم أنه سيحولها إلى محن!

والمحن هنا ستكون مسؤولية الجميع لأن عدم القدرة على تقديم تنازلات شجاعة وعدم التواضع في وضع الشروط والمطالب من كلا الطرفين قد يؤدي الى فوضى يليها عنف يتبعه اقتتال داخل الجماعة الواحدة وينتهي بحرب أهلية، لذلك فإن استمرار الحال على هذا الحال من المحال، حتى لو توافقوا على إبقاء الأمور كما هي عليه الآن لأطول فترة ممكنة.

في واحدة من خلاصات فشل اللاعبين المحليين على رقعة الشطرنج العراقية أن الطرف المستعجل تشكيل الحكومة ليس في الموقع الأقوى، أما الطرف الذي اختار المعارضة لم يزل يملك كثيرا من أوراق القوة، لذلك فإن الطرف الأول أمام معضلة أن تسمية رئيس الوزراء منفردا ستفجر الأزمة، وهذا ما يرفضه الداخل والخارج، أما الطرف الثاني المعارض فيرى أن البقاء بلا حكومة سيعمق الأزمة، لذلك قد يكون الحل بالكاظمي بهدف تاجيلها، ولضبط الفوضى والحد من نزاعات ملوك الرقعة .

زر الذهاب إلى الأعلى