كيف يمكن كسر الحصار الروسي وتجنب أزمة جوع عالمية؟
النشرة الدولية –
الحرة –
تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا بأزمة غذاء عالمية، يعاني منها، بشكل حاد، الملايين في الدول الفقيرة، وقد تمتد لتشمل موجة جوع عالمية، مما يغذي عدم الاستقرار السياسي في عدد من البلدان وقد يشجع على اندلاع انتفاضات.
تعتبر المنتجات الزراعية الروسية والأوكرانية حاسمة بالنسبة للأمن الغذائي العالمي، حيث تمثل الأولى نسبة 13 في المئة والثانية 8.5 في المئة من صادرات القمح العالمية.
وأدت العقوبات المفروضة على روسيا، وكذلك الحصار البحري الذي تفرضه موسكو على الموانئ البحرية الأوكرانية، إلى شح منتجات البلدين في السوق العالمية، مما يتسبب في موجات من الصدمة الاقتصادية في جميع أنحاء العالم.
ويرى تحليل لمجلة “فورين أفيرز“، أن المجتمع الدولي لديه خيارات عسكرية ودبلوماسية للتخفيف من وطأة هذه الأزمة التي تلوح في الأفق، لكنها تؤكد في الوقت ذاته أن جميع هذه الإجراءات التي يمكن اتخاذها لها جوانب سلبية، أو “باختصار، لا توجد حلول سهلة لهذه الأزمة”.
النقل البري
تتمثل إحدى طرق التحايل على الحصار البحري الروسي وتحرير شحنات الصادرات الزراعية الأوكرانية في توجيهها برا، بمساعدة الدول المجاورة مثل بولندا ورومانيا.
وقد تحولت أوكرانيا بالفعل إلى الطرق والسكك الحديدية لشحن الحبوب.
توفر وسائل النقل هذه ميزة رئيسية واحدة، وهي أن روسيا تفتقر إلى القدرة على اعتراض حركة النقل هذه، رغم أن خطوط السكك الحديدية، عرضة للهجمات بالصواريخ أو الطائرات، لكن حتى لو حدث ذلك فإنها سهلة الإصلاح نسبيا.
لكن لسوء الحظ، يفتقر نظام السكك الحديدية في أوكرانيا إلى القدرة الكاملة على تعويض خسارة التجارة البحرية.
وسيتطلب نقل الصادرات الغذائية الأوكرانية بأكملها، المقدرة بـ30 مليون طن من الحبوب، مئة شحنة، وتشير بعض الحسابات إلى أن نقل كل الحبوب بالسكك الحديدية سيستغرق 14 شهرا، مقارنة بأربعة أشهر فقط عن طريق البحر.
تدخل الناتو عسكريا
وفي اقتراح آخر، يمكن لحلف الناتو استخدام أساطيله البحرية الهائلة وقوته الجوية الواسعة لمرافقة سفن الحبوب الأوكرانية، لكن معاهدة تُعرف باسم اتفاقية “مونترو” تحد من حجم القوة التي يمكن أن تدخل البحر الأسود، كما أن روسيا قد تعترض القوافل التي لديها ترسانتها البحرية الخاصة، باستخدام الألغام والغواصات.
توضح المجلة أن من شأن هذه الاستراتيجية أن توفر التدفق السريع للغذاء الذي يحتاجه العالم، لكنها ستواجه عقبات عدة، في مقدمتها القوات البحرية الروسية الكبيرة، التي سيكون لها القدرة على مهاجمة أي سفن غربية تتدخل في الصراع.
يمتلك أسطول البحر الأسود الروسي حاليًا 5فرقاطات، وبعض السفن البرمائية، وعشرات من سفن الدفاع الساحلي، والأهم من ذلك، ست غواصات جديدة تعمل بالديزل والكهرباء.
ومع ذلك تؤكد المجلة أن قبضة روسيا على البحر الأسود ليست مطلقة، فقد واجهت خسارة فرقاطتها الأهم “موسكفا” في البحر الأسود في أبريل، في ضربة هزت قدرات موسكو.
لكن الناتو أيضا سيكون محدودا في قدرته على تخفيف قبضة روسيا على البحر الأسود بسبب اتفاقية مونترو. التي تنظم حركة النقل البحري في المضائق التركية التي تربط البحر الأسود بالبحر الأبيض المتوسط.
فالاتفاقية تسمح بالوصول غير المقيد إلى السفن التجارية، والمرور المجاني نسبيا إلى دول البحر الأسود، ولكنها تحد من حجم وعدد السفن الحربية التي يمكنها عبور المضائق وطول عمليات الانتشار من قبل الدول غير المطلة على البحر الأسود.
في نهاية المطاف، سيعتمد استخدام المضائق على تركيا، التي يمكنها، من الناحية النظرية، تعديل القواعد لتسهيل التعزيز البحري للناتو، علما بأن أنقرة عضوة في حلف الناتو. ولكن بالنظر إلى موقف تركيا المحايد نسبيا في الصراع، وإحجامها عن تعريض العلاقات مع روسيا أو الغرب للخطر، وعدم استعدادها التاريخي لتقويض الاتفاقية، فمن المرجح أن تظل القيود قائمة.
وإذا أرسل الناتو قوافل إلى الموانئ الأوكرانية، فقد يضطر إلى مواجهة هجوم روسي.
وحذرت روسيا بالفعل حلف الناتو من التدخل في الصراع وأن ذلك قد يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة.
ولن تكون روسيا مجبرة على اعتراض كافة القوافل، بحسب “فورين أفيرز”، فقد يكفيها مثلا استهداف ربع عددها، وهو ما سيؤثر على تدفق الحبوب للعالم.
ومن المرجح أن تستخدم روسيا الألغام البحرية والغواصات لمهاجمة قوافل الحبوب، لأن هذه الأسلحة ليست فعالة فحسب، بل إنها أيضا سرية ويمكن إنكارها، مما يخفف من قدر اللوم الذي قد يوجه إليها. وزرعت روسيا بالفعل ألغاما تحت البحر في موانئ أوكرانيا.
خيارات دبلوماسية
هناك أيضا خيارات دبلوماسية قد يمكن اللجوء إليها، خاصة مع تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مؤخرا بأن روسيا ستسمح بالشحنات من أوكرانيا “في ظل بعض الظروف”.
ويعني ذلك أن روسيا تريد التفاوض على تخفيف العقوبات مقابل رفع حظر جزئي.
ومن ضمن المقترحات، أن تكون هناك سفينة مقابل سفينة، حيث يُسمح لسفينة تجارية واحدة من أوكرانيا بالانخراط في التجارة الدولية، مقابل قيام سفينة واحدة من روسيا بذلك.
لكن هذا الاقتراح لم يكتسب سوى القليل من الزخم، لأنه سيوفر لروسيا موارد مالية كبيرة، مما يعني إيجاد ثغرة في العقوبات المفروضة عليها.
لكن مع تردد الدول الغربية في المخاطرة بمواجهة عسكرية، وتزايد خطر وضع الغذاء العالمي، قد يكسب النهج الدبلوماسي الدعم الدولي بمرور الوقت.
ورغم صعوبة كافة الخيارات، “فإنه لا يمكن ببساطة تجاهل الأزمة، لأنه في نهاية المطاف، إذا تفشى الجوع على نطاق واسع وأدى إلى عدم الاستقرار السياسي، فسيكون هناك ضغط متزايد على الغرب للتحرك”، بحسب المجلة، مؤكدة أنه يجب أن يكون لدى الولايات المتحدة وحلفائها خطة، إذا كانوا يرغبون في تجنب كارثة عالمية، يمكن أن تخرج عن نطاق السيطرة.