إسرائيل تنشر خرائط تزعم أنها لمناطق “حزب الله” العسكرية

حصل جهاز "الموساد" على سمعته "الأسطورية" كأكثر أجهزة المخابرات سرية في العالم

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية –  سوسن مهنا –

في مايو (أيار) عام 2018 قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها بنيامين نتنياهو، من مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب، ما قال إنها “نسخ طبق الأصل” من وثائق سرية حصل عليها جهاز “الموساد” من مخزن سري في طهران، وإنها مكونة من 55 ألف صفحة من الأدلة، و55 ألف ملف مخزنة على 183 أسطوانة تتعلق بمشروع “عماد”. و”مشروع عماد” هو مشروع نووي سري، شامل لتصميم وبناء واختبار الأسلحة النووية” ويقوم على مجموعة من الأسس، من خلال عمليات متعددة، أبرزها إنتاج كعكة اليورانيوم الصفراء وعملية التخصيب وعملية الاختبار وعملية المحاكاة ويهدف لإنتاج خمسة رؤوس نووية، تبلغ قوة كل منها “10 كيلوطن” من مادة “تي أن تي” شديدة الانفجار.

لكن إيران نفت صحة ما وصفتها بأنها “مزاعم إسرائيلية بسرقة كمية كبيرة من الوثائق السرية للبرنامج النووي الإيراني”، وقالت إنها “لا معنى لها وتثير السخرية”. ولكن في عالم يتغير ودول ترتكز في عملها على أجهزة الاستخبارات لديها في الدرجة الأولى، تصبح أي معلومة أو صورة أو وثيقة، كنزاً وصيداً ثميناً. من هنا يحصل جهاز “الموساد” على سمعته “الأسطورية” كأكثر أجهزة المخابرات سرية في العالم، وتحيطه السلطات الإسرائيلية بهالة من الغموض والسرية، حتى إنها لا تفصح عن اسم رئيسه إلى أن تنتهي مدة عمله. وهو يشكل خط الدفاع الأول للقيام بعمليات الاغتيال والتجسس. وينقل الإعلام أخيراً، وبشكل شبه يومي، عن كشف خلايا وشبكات تجسس بين إسرائيل وإيران. حيث أعلنت السلطة القضائية الإيرانية في 21 يونيو (حزيران) الحالي، عن إلقاء القبض على شبكة تجسس تعمل لصالح الموساد الإسرائيلي كانت تخطط لاغتيال علماء نوويين. وقالت السلطات الإيرانية، إن الكشف عن خلية الموساد كان نتيجة عملية استخباراتية امتدت ثمانية أشهر.

وفي مارس (آذار) الماضي كشفت الإسرائيلية كاثرين بيرز شكدم التي دخلت إيران كصحافية بجواز سفر فرنسي، عن علاقاتها بمسؤولين إيرانيين خلال فترة عملها في وسائل إعلام حكومية إيرانية، ومنها وكالة أنباء “تسنيم” التابعة للحرس الثوري وموقع المرشد الإيراني علي خامنئي. وقالت شكدم إن رجال الدين أو من سمتهم “الملالي” من أهم مصادرها المعلوماتية، لافتة إلى أن معظمهم يتبوأ مناصب حكومية مهمة في إيران. ونقلت “تايمز أوف إسرائيل”، عن شكدم أنها أوقعت بـ100 مسؤول إيراني في شباكها. إنها حرب ضروس بين البلدين، وفي السياق، نشر موقع “ألما” المقرب من الاستخبارات الإسرائيلية في وقت سابق من الشهر الحالي، مواد متفرقة وتفصيلية، سلطت الضوء على أعضاء المجلس التنفيذي العشرة لـ”حزب الله”، ضمن سلسلة من مقالات تناولت تركيبة الحزب عموماً، بمؤسساته المختلفة، وعلاقتها بـ”المجلس التنفيذي” في كياناته المدنية المتفرقة، مثل “جيش حزب الله الإلكتروني”، والجهات الخاضعة لوحدة الاتصالات، مروراً بالوحدة الاجتماعية ومن يخضع لها، إضافة إلى المنظمات العاملة في إطار وحدة التربية والتعليم.

أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية

سبق نشأة الاستخبارات الإسرائيلية نشوء دولة إسرائيل نفسها، وتعود لانعقاد أول مؤتمر للحركة الصهيونية في “بازل” عام 1897، حيث وُضعت المخططات والسياسات التي ينبغي العمل على أساسها. وتم إنشاء الـ”موساد لعالياه بت” وهو جهاز يتبع الاستخبارات الإسرائيلية عام 1937، بحسب بعض المراجع، وتقول موسوعة “ويكيبيديا” إنه تأسس في 13 ديسمبر (كانون الأول) عام 1949. ويتكون الموساد من ثلاثة أقسام: قسم المعلومات وقسم العمليات الذي يتم فيه التخطيط لعمليات القتل والخطف والاقتحام، وقسم الحرب النفسية الذي يتولى تحديد الأهداف المحتملة، حيث يقوم هذا القسم بعمليات خاصة بعد مراجعة القسمين الأولين. ويحفل أرشيف هذا الجهاز بـ”الإنجازات” المعقدة، حيث استطاع اختراق دائرة الحكم في سوريا في خمسينيات القرن الماضي، عبر الجاسوس إيلي كوهين. والأمن اللبناني عبر الجاسوسة شولا كوهين الملقبة بـ”لؤلؤة” الموساد، وقد تكون واحدة من أوائل الجواسيس الذين زرعتهم إسرائيل في لبنان.

الاستخبارات العسكرية أمان “Aman

 

كان يسمى سابقاً “إدارة استخبارات الجيش” ويعتبر الجهاز المسيطر على أغلب الأنشطة الاستخباراتية العسكرية الخارجية والداخلية. كانت أولى مهماته جمع المعلومات عن الجيوش العربية وتزويد وزارة الدفاع بها، مكافحة الجاسوسية والرقابة على الصحف الإسرائيلية. وقامت الحكومة الإسرائيلية ومنذ عام 1952 بإعادة تنظيم الهيكلية الداخلية لأجهزة الاستخبارات حيث أنشأت: لجنة مديري الأجهزة “أفعادات” تهدف إلى دمج مخابرات البحرية وتنظيم عملها، جهاز مخابرات الطيران وجهاز الأمن. جهاز الاستخبارات السياسية الذي أُعيد تنظيمه كجهاز مخابرات سري عُرف لاحقاً بـ”الموساد”.

جهاز مكافحة الجاسوسية ويعرف أيضاً باسم “الشاباك” أو “شين بيت” ويعني بالعبرية “إدارة الأمن العام” مهمته تعقب أعداء إسرائيل وأصدقائها على حد سواء. ويعتبر جهاز “الموساد” من أجهزة الاستخبارات القليلة في العالم التي تعتمد على دعم المتطوعين، حيث يمثل الانتشار الكبير لليهود في العالم بمثابة عنصر مهم في تنفيذ الخطط والبرامج والاختراقات الأمنية. ومعلوم أن هذا الجهاز يهتم اهتماماً شديداً بالبروباغندا الإعلامية والدعاية لأعماله، ليطمئن الإسرائيليين بأنهم يمتلكون جهازاً قوياً. ويتلقى دعماً مالياً وإعلامياً من الولايات المتحدة والدول الغربية بشكل رئيس. ويقود هذا الجهاز مع “اللوبي اليهودي” المنتشر في العالم، عند فشل أي عملية بحملة واسعة لتخفيف من أهمية هذا الإخفاق، ولكسب التأييد العالمي لحقها في القيام بأي عمل من شأنه أن يحافظ على “الأمن القومي” لها.

الأمن عند “حزب الله”

رغم ذلك، يدعي حزب الله أن لديه قوة بشرية جاهزة للقتال وقوامها 100 ألف مقاتل، مدرب ومجهز وحاضر، لتأدية أي مهمة يشار إليها لتنفيذها، ويستطيع النجاح فيها ولو كانت مستحيلة، وذلك على لسان حسن نصر الله في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي بعد حادثة عين الرمانة والطيونة، والتي كادت تشعل حرباً أهلية جديدة في لبنان. أراد القول حينها إن الحزب تحول من مجموعات مقاومة صغيرة (Geurilla) إلى جيش بالمواصفات العسكرية الكلاسيكية (عديد الجيش من 100 ألف إلى 200 ألف)، ليكون بذلك أكبر من 89 جيشاً في العالم (وفق إحصاءات الموقع العسكري المتخصص Global Fire Power). لا يخفي “حزب الله” امتلاكه جهاز مخابرات ويصفه بـ “المتقدم والمتطور”، وهو طالما تباهى بأنه يلعب الدور الأول في اكتشاف كثير من الخلايا الإسرائيلية والأميركية في لبنان. وبحسب مراكز دراسات فإن جهاز مخابرات “حزب الله” المعروف بجهاز “أمن المقاومة”، ما هو إلا صورة مصغرة عن جهاز المخابرات الإيرانية بأنواعها “الفافاك”، و”اطلاعات”. وأسهم الخبراء الأمنيون الإيرانيون في تدريب وتجهيز كوادر هذا الجهاز منذ التسعينيات، من خلال دورات أمنية مكثفة تجري بصورة دائمة في عدد من المعاهد الأمنية الإيرانية.

كيف يشبك “حزب الله” علاقاته؟

في 16 فبراير (شباط) عام 1985، تلا الرئيس الحالي للمجلس السياسي لـ”حزب الله” إبراهيم أمين السيد الرسالة المفتوحة التي وجهها الحزب بحسب تعبيره “إلى المستضعفين في لبنان والعالم”. تضمنت الرسالة الحديث عن قوة “الحزب” العسكرية جاء فيها، “في ما يتعلق بقوتنا العسكرية، لا يستطيع أحد تصور أبعادها لأننا لا نملك جهازاً عسكرياً منفصلاً عن الأجزاء الأخرى من منظمتنا. كل واحد منا هو جندي مقاتل متى استدعت الدعوة للجهاد، وكل واحد منا يتولى مهمته في المعركة وفقاً لتكليفه الشرعي في إطار العمل بولاية الفقيه القائد”. ولكن منذ نشأة الحزب كانت مسألة التمويل تشكل هاجساً له، فرغم الالتزام الكامل من قبل إيران، فإن وضعها المعرض للعقوبات ومنذ 2007، وضعت الحزب دوماً تحت ضغوط، وبخاصة أنه كان خارجاً من حرب 2006 مع إسرائيل. ما اضطره إلى البحث عن مصادر تمويل أخرى، وأوكل المهمة إلى القائد الأبرز لديه حينها عماد مغنية. وهذا ما تحدثت عنه لاحقاً إدارة مكافحة المخدرات الأميركية بعد العملية الدولية التي أسفرت عن اعتقال أفراد شبكة تابعة لـ”حزب الله” متورطة في عمليات تهريب وتجارة مخدرات بملايين الدولارات بهدف تمويل عمليات إرهابية في لبنان وسوريا، وأشارت إلى أن الشبكة تتبع “فرع الشؤون التجارية” ضمن “وحدة العمليات الخارجية” الخاصة بالحزب، والتي أسسها مغنية.

كان الأساس النظري وراء شبكات “مغنية” بسيطاً للغاية، وشبيه بنظام الدعم الأكثر فاعلية الذي شيدته الاستخبارات الإسرائيلية لتسهيل القيام بمهامها حول العالم، فرغم أن الموساد يصنف هيكلياً كأحد أصغر أجهزة المخابرات حول العالم، فإن شبكة الدعم الخاصة، المعروفة باسم “السيانيم”، تعد أكبر الشبكات العالمية وأكثرها فاعلية، حيث يعتمد “السيانيم” ببساطة على توظيف المجتمع اليهودي العالمي كشبكة دعم استخباراتي مكونة من عشرات الآلاف من العملاء المحتملين، والذين يتم تجنيدهم وقت الحاجة، ولدى لبنان جالية ضخمة حول العالم، وهو بذلك يتشابه مع إسرائيل إلى حد كبير، ويتوزع قرابة 11-13 مليون شخص من ذوي أصول لبنانية بين القارات المختلفة. ونجحت جهود مغنية ورفاقه حينها باختراق المجتمعات اللبنانية المهاجرة، وذلك بتحويل دعم مهاجرين إلى مورد للمال، سواء عبر الروابط الشخصية أو من خلال الهياكل المؤسسية. ولكن استفادة “حزب الله” من تلك الشبكة لم تتوقف على أموال التبرعات والرعايات وأنشطة الوساطة المالية فحسب، بل إنها منحته وصولاً كبيراً إلى مجتمعات الجريمة المنظمة بخاصة في أميركا الجنوبية، وهي علاقة بدأت منذ الثمانينيات حيث أنشأ الحزب شبكات من العلاقات مع مهربي المخدرات والأسلحة ونشطاء غسيل الأموال، وهي شبكة وصلت إلى قدر كافٍ من الفاعلية. ولكن كان أمين عام “الحزب” قد نفى ذلك في أكثر من خطاب متلفز، وأنكر قيام “الحزب” بنشاطات تجارية ووصف الاتهامات الموجهة لهم بارتباطه بالاتجار بالمخدرات وغسل الأموال بأنها “مجحفة”.

هل اخترق الموساد “الحزب”؟

ونشر موقع “ألما” خرائط لمناطق “حزب الله” العسكرية في جنوب لبنان، ما يشير إلى وقوف الاستخبارات الإسرائيلية وراء تسريب لقطات لأقمار صناعية، وصور من طائرات إسرائيلية مسيرة، بحكم أنها المالك الحصري لها. ويقول الموقع، إن العديد من المناطق في أنحاء جنوب لبنان هي مواقع عسكرية للحزب، بحيث يمنع دخولها، سواء من قبل السكان المحليين، أو قوات “اليونيفيل” وحتى الجيش اللبناني. ويشير إلى وجود مناطق قريبة جداً من القرى، وأخرى بالقرب من قواعد الجيش اللبناني و”اليونيفيل”. ويضيف كاتب المقال الباحث الإسرائيلي تال بيري، بيانات تتضمن رسم خرائط لعشرات من هذه المناطق في جنوب لبنان، مؤكداً “سننشر المعلومات تدريجاً. وحرصاً على الراحة، قمنا بترقيم المناطق بترتيب تصاعدي”. هذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها إسرائيل بالتجسس، حيث كان قد كشف وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي، عن ضبط 17 شبكة تجسس لمصلحة إسرائيل، وتبين أن دور هذه الشبكات محلي وإقليمي. وقالت المعلومات حينها، إن عدد الجواسيس الذين أوقفوا 20 جاسوساً، وأحدهم عنصر في التعبئة العامة التابعة لـ”حزب الله”. وكان الجيش الإسرائيلي، قد أعلن في يناير (كانون الثاني) الماضي عن حصوله على صور سرية تعود إلى “تدريبات خاصة بقوات حزب الله” كانت مخزنة على مسيرة تابعة للحزب اللبناني أسقطها. وتحدثت مصادر أمنية إسرائيلية، إلى وكالة الصحافة الفرنسية حينها، مشيرة إلى أن الطائرات المسيرة التي تم إسقاطها كشفت عن تنامي إمكانيات الاستطلاع الجوي الذي يتمتع بها “حزب الله”.

لكن الموضوع ليس جديداً، ففي آواخر عام 2014 أوقف “حزب الله” أحد مسؤوليه بتهمة العمالة لإسرائيل، بحسب ما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية حينها، أن “جهاز الأمن في حزب الله أوقف قبل ثلاثة أشهر عميلاً ضمن صفوفه يدعى محمد شوربة” يتحدر من بلدة محرونة الجنوبية، مضيفة أن “التحقيقات مع شوربة بينت أنه بدأ التواصل مع الموساد الإسرائيلي في عام 2007”. وكان شوربة “يتولى مسؤولية التنسيق في وحدة العمليات الخارجية المرتبطة بالأمن العسكري للحزب، والتي تعرف بالوحدة 910″، وهي المسؤولة عن “العمليات الأمنية” التي ينفذها “حزب الله” في الخارج. وكان شوربة وبحسب ما نقل الإعلام اللبناني حينها قد أحبط مخططاً للحزب لاغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، وتنفيذ هجوم ضد السفارة الإسرائيلية في أذربيجان عام 2009. ودأب الجانبان، إسرائيل و”حزب الله”، على تبادل الاتهامات بشأن اختراقات تحصل بين الحين والآخر داخل أمنهما والعناصر التابعة لهم.

Back to top button