الثابت الإيراني والمتغير الأميركي: خطأ الاتفاق والانسحاب والعودة
بقلم: رفيق خوري

لا شيء يوحي أن طهران مستعجلة على الرغم من الحاجة الملحة إلى رفع العقوبات

النشرة الدولية –

اللعبة مكشوفة فوق الطاولة وتحتها، وليس سوء تقدير في الحسابات أن يحمل الوفد الإيراني إلى المفاوضات النووية في الدوحة مطالب يعرف سلفاً أنها مرفوضة من الوفد الأميركي، فلا شيء يوحي أن إيران مستعجلة على الرغم من الحاجة الملحة إلى رفع العقوبات، وكل شيء يشير إلى أن إدارة الرئيس جو بايدن مستعجلة، وإن كانت متخوفة من رفع العقوبات قبل الانتخابات النصفية للكونغرس في الخريف المقبل.

المنطق الأميركي والأوروبي الرسمي بسيط، طهران على مسافة أسابيع من امتلاك كل ما يلزم لصنع قنبلة نووية، ويجب وقف ذلك بعودة أميركا للاتفاق النووي، وبالتالي عودة الرقابة شبه المعطلة حالياً بقرار إيراني، وهذا نوع من خداع النفس، فالبرنامج العسكري في الملف النووي الإيراني مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى نظام الملالي، وطهران أثبتت أنها قادرة على العمل علناً خارج الاتفاق المسمى “خطة العمل الشاملة المشتركة”، وسراً بوجود الاتفاق من أجل الحصول على سلاح نووي، أو أقله الوصول الى حال “دولة حافة” نووية مثل اليابان.

ولم تكن صحيفة “كيهان” المقربة من المرشد الأعلى علي خامنئي تمارس “التخبيص خارج الصحن” حين حذرت من “فخ أميركي – أوروبي في الدوحة”، لأن استمرار المفاوضات يعني “التراجع عن المواقف والشروط الأساس”، ولا كان الطرف الأقل تشدداً بين الملالي يرى في المشهد سوى أن “أميركا تسعى إلى إحياء الإتفاق النووي لتقييد برنامج إيران النووي من دون أي ضمان لوصولها الى مزايا الاتفاق الاقتصادية”.

والواقع أنه لا أحد يريد التخلي عن أوراقه عشية الزيارة المقررة للرئيس بايدن الى السعودية بعد إسرائيل ولقاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في بيت لحم، ومن ثم حضور قمة في جدة لقادة الدول في مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق، ولا أحد يجهل أن البرنامج النووي هو جزء من”الخطر الإيراني”على المنطقة.

أما الأخطار الأخرى فإنها برنامج الصواريخ الباليستية و”زعزعة الاستقرار” في المنطقة، ومد النفوذ الإيراني عبر الميليشيات المذهبية الأيديولوجية إلى اليمن والعراق وسوريا ولبنان، لكن أميركا تخلت عن هذه المطالب حين وقعت الاتفاق النووي أيام الرئيس باراك أوباما إلى جانب روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيران.

والرئيس دونالد ترمب فشل في تحقيق أي منها عبر الانسحاب من الاتفاق النووي واللجوء إلى سياسة “الضغط الأقصى” على الملالي، والرئيس بايدن الذي كان نائب أوباما أعاد المطالبة بوقف البرنامج الصاروخي الذي يمنعه مجلس الأمن بموجب القرار (2231) والتوقف عن زعزعة الاستقرار وتخفيف النفوذ الإقليمي، ومن ثم تراجع بعدما رفضت طهران البحث في أي موضوع خارج الاتفاق النووي وأصرت على تقديم مطالب من خارج الاتفاق، ولم يكن سهلاً على إدارة بايدن، وسط اعتراض جمهوري وديمقراطي في الكونغرس، إخراج الحرس الثوري من لائحة المنظمات الإرهابية، وليس في يد الإدارة أن تضمن عدم تراجع إدارة أخرى عن الاتفاق.

أميركا بالطبع تحدد ما يخدم مصالحها ولو لم يخدم مصالح حلفائها، لكن خلاصة الموقف الاقليمي المستند إلى مصالح المنطقة هي أن توقيع الاتفاق النووي كما هو خطأ، والانسحاب منه بلا قدرة على تغييره خطأ، والعودة إليه كما هو خطأ، ويقول كريم سادجاد بور الأميركي – الإيراني الأصل في “فورين أفيرز”، “إن النظام الثيوقراطي الذي أسسه الإمام الخميني عام 1979 عمل منذ البدء على”إخراج أميركا من الشرق الأوسط وجعل المنطقة على صورة النظام ومثاله”، وهو لم يحقق أياً من هذه الأهداف بالطبع، لكن ما يخدم جمهورية الملالي هو كون “استراتيجية أميركا متغيرة واستراتيجية إيران ثابتة”.

زر الذهاب إلى الأعلى