لو قامت الدولة الفلسطينية؟
بقلم: سعد بن طفلة العجمي

يعيش الإنسان الفلسطيني حالاً من القهر والظلم بسبب الاحتلال بالدرجة الأولى ولكنه يدرك أن قياداته تسهم بالدرجة الثانية في استمرار شقائه وظلمه

النشرة الدولية –

لا أعتقد أن هناك من يدعي الانحياز إلى الحق ولا يساند حق الشعب الفلسطيني المنكوب بتقرير مصيره.

ينقسم المساندون والمطالبون بالحق الفلسطيني بين منافح يرى تحرير كامل التراب الفلسطيني من البحر إلى النهر، وبين من يرى ضرورة الاندماج في دولة واحدة مع اليهود للتعايش معهم والتغلب عليهم بالتفوق العددي والتقدم الحضاري، وبين غالبية ترى ضرورة حل الدولتين كترجمة حقيقية لحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره، دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل.

وجددت الإدارة الأميركية الحالية بقيادة الرئيس الديمقراطي جو بايدن الدعوة إلى حل الدولتين، وأنهت بذلك “صفقة القرن” التي بشر بها سلفه الرئيس دونالد ترمب، وسيزور بايدن إسرائيل والأراضي الفلسطينية هذا الشهر ويلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله، ويعلق بعضهم آمالاً على أن زيارة بايدن قد تخرج بمشروع جديد يُحيي “حل الدولتين”، لكن كثيرين لا يرون هذا الحل في الأفق، لا القريب ولا البعيد، والأسباب ليست بالكامل بسبب الآخرين، ولكنها بالدرجة الأولى بسبب الفلسطينيين أنفسهم، فالقرار الفلسطيني مشتت بين رام الله وغزة والتشرذم سيد الموقف الفلسطيني على الرغم من الاتفاقات التي تلتها اتفاقات وتعهدات بالوحدة الفلسطينية وتشكيل حكومة فلسطينية موحدة تتكلم بصوت واحد للمطالبة بالحق الفلسطيني المشروع.

وفي ظل هذا التشرذم والتناحر الفلسطيني، كيف يمكن للمراقب أن يتخيل شكل الدولة الفلسطينية لو قامت؟ وما هو النموذج العربي الذي يمكن أن يقدمه الفلسطينيون لدولتهم المنشودة؟ فأهل غزة الرسمية يتغنون هذه الأيام بإيران ويقيمون سرادق العزاء لقتلاها من قاسم سليماني إلى أبو مهدي المهندس، وفي الضفة الغربية يقيمون نصباً لصدام حسين ويسمون شارعاً رئيساً باسمه، أي أن نماذج البطولة الإقليمية التي تحتذى ويقتدى بها تتراوح بين صدام حسين وبين قاسم سليماني، الأول احتل الكويت بحجة أنه في الطريق لتحرير فلسطين، والثاني تهيمن بلاده على العراق وسوريا ولبنان في طريقها لتحرير القدس كما يدعون.

كلنا يعرف الخراب الذي جره صدام حسين على الأمة كلها، وفي مقدمها الضرر المدمر للقضية الفلسطينية وعدالتها، أما الآخر الإيراني فلا زالت دماء الأبرياء تسيل في الدول التي هيمن عليها بذريعة المقاومة وهدف تحرير القدس.

تناقضات في عقل الشارع السياسي الفلسطيني يصعب استيعابها، الإعجاب بالبطولات الوهمية المدمرة التي جلبها صدام حسين الذي حارب القدوة الفلسطينية الثانية، إيران، مدة ثماني سنوات.

يعيش الإنسان الفلسطيني حالاً من القهر والظلم بسبب الاحتلال بالدرجة الأولى، ولكنه يدرك أن قياداته تسهم بالدرجة الثانية في استمرار شقائه وظلمه.

وعلى الرغم من الاحتلال والقهر فإن أقصى طموح الإنسان الفلسطيني “الواقعي” اليوم هو الحصول على ترخيص للعمل داخل إسرائيل نفسها أو حتى العمل ببناء المستوطنات التي تبنى للمستوطنين الجدد على أرضه، والجدير بالذكر أن معارضة حماس في غزة أو السلطة في الضفة ستجلب الويل والثبور والتعذيب والموت، وما مقتل نزار بنّات عنا ببعيد، فقد مات الناشط المدني الفلسطيني بنّات في سجون السلطة تحت التعذيب العام الماضي، وتشير تقارير مستقلة إلى مقتل 57 ناشطاً فلسطينياً تحت التعذيب في سجون السلطة وسجون “حماس” في غزة، كما أشارت “هيومان رايتس واتش” أن السلطة و”حماس” تتبعان أسلوباً ممنهجاً للتعذيب في سجونهما، أما الفساد الذي يطاول حتى المساعدات التي يفترض أن تذهب للإنسان المحتاج، فهو بحاجة إلى لجان تحقيق دولية.

قد يرى بعضهم في هذه المقالة قسوة، وقد يرى بعضهم فيها حقيقة واقعية مرّة، لكن على من يشكك في واقعية هذا الطرح أن يراجع بعض الحقائق والأرقام، إذ يبلغ عدد الفلسطينيين الذي يحملون الجنسية الإسرائيلية اليوم 1.5 مليون، وهو ما يعادل خمس مواطني إسرائيل، أي 20 في المئة، فكم عدد الفلسطينيين الذين تخلوا عن جنسيتهم الإسرائيلية وأخذوا جنسية السلطة الفلسطينية بعد توقيع “اتفاق أوسلو” عام 1993؟ الإجابة لا أحد.

 

 

 

Back to top button