السيارات الكهربائية تغزو العالم بتحوّل تكنولوجي مفصلي

النشرة الدولية –

بإمكان أشخاص كثيرين في عُمر معين أن يتذكروا المرة الأولى التي استخدموا فيها هاتفاً ذكياً. كانت هذه الأجهزة حينذاك غريبة ومكلفة وجديدة بما يكفي لجذب انتباه الحشود، ثم أصبحت فكرة عدم امتلاك واحدٍ أمراً غير عاديٍّ بعد أقل من عقد.

هذا التحول الذي يغيّر المجتمع يحدث الآن مع المركبات الكهربائية، بحسب تحليل “بلومبرغ” لمعدلات تبني تلك المركبات حول العالم. أصبحت الولايات المتحدة أحدث دولة تجتاز ما يُعرف بنقطة التحول الحاسمة للمركبات الكهربائية، والتي يكون فيها 5% فقط من مبيعات المركبات الجديدة كهربائية. يشير تخطي هذه العتبة إلى بدء تبني المركبات الكهربائية على نطاق واسع، وهي فترة تتغير فيها التفضيلات التكنولوجية سريعاً، بحسب التحليل.

على مدى الأشهر الستة الماضية، انضمت الولايات المتحدة إلى أوروبا والصين -تشكّل مجتمعة أكبر ثلاث أسواق للمركبات- لتتجاوز نقطة التحول البالغة 5%. إذا اتبعت أميركا مساراً مماثلاً لذلك الذي حددته 18 دولة قبلها، فقد يكون ربع مبيعات المركبات الجديدة كهربائية بحلول نهاية عام 2025، أي قبل عام أو عامين من معظم التوقعات الرئيسية.

معظم التقنيات الجديدة الناجحة، مثل الكهرباء وأجهزة التلفزيون والهواتف المحمولة والإنترنت وحتى مصابيح الليد، تتبع منحنى تبني على شكل حرف “إس” (S). عادةً ما تكون وتيرة المبيعات بطيئة في مرحلة التبني المبكر، ثم تصبح سريعة بشكل مفاجئ بمجرد أن تصبح سائدة. (يمثّل الجزء العلوي من منحنى إس آخر المتشبثين الرافضين للتخلي عن هواتفهم القديمة).

في حالة المركبات الكهربائية، يبدو أن 5% هي النقطة التي يتفوق فيها الطلب السائد على المستخدمين الأوائل. قبل ذلك، تميل المبيعات إلى أن تكون بطيئة وغير متوقعة، ثم يتسارع الطلب.

من المنطقي أن تتبع الدول حول العالم أنماطاً مماثلة لتبني المركبات الكهربائية. جدير بالذكر أن معظم العقبات التي تحول دون ذلك عالمية، حيث يفتقر العالم لوجود أجهزة شحن عامة كافية، كما أن المركبات باهظة الثمن ومحدودة العرض، ويجهل المشترون الكثير عنها. وبمجرد تمهيد الطريق لأول 5%، فإن الحشود سرعان ما تتبع هذا الاتجاه.

بالتالي، فإن منحنى التبني الذي اتبعته كوريا الجنوبية بدءاً من عام 2021 يتشابه بشكل كبير مع المنحنى الذي اتخذته الصين في عام 2018، والذي يشبه أيضاً النرويج بعد نسبة الـ5% المسجلة في ربعها السنوي الأول من عام 2013. وتأتي كندا وأستراليا وإسبانيا ضمن أسواق المركبات الرئيسية التالية التي تقترب من نقطة التحول هذا العام.

يختص هذا التحليل بالمركبات العاملة بالبطاريات فقط. وكانت بعض الدول، خاصة في أوروبا، أسرع في تبني المركبات الهجينة الموصولة بالكهرباء والتي تقوم فكرتها على بطاريات أصغر مدعومة بمحرك يعمل بالبنزين. بالإضافة إلى ذلك، تجاوز عدد المركبات الكهربائية الموجودة على الطرق حول العالم حاجز الـ20 مليون مركبة للتو، وسيتضاعف هذا الرقم مرة أخرى بحلول نهاية العام المقبل، بحسب تقرير حديث للمحللين في “بلومبرغ إن إي إف”.

بما أن استخدام المركبات الهجينة لا يتطلب نفس المستوى من البنية التحتية أو وعي المستهلك، فإن المرحلة المبكرة من تبني تلك المركبات كانت أقل تناسقاً. ولم تتحقق نقطة تحول متناسقة لهذه الفئة الأوسع نطاقاً من المركبات الكهربائية حتى أصبحت 10% من المركبات الجديدة موصولة بالكهرباء.

تخطت الولايات المتحدة والصين في الغالب المركبات الهجينة الموصولة بالكهرباء، واتجهت مباشرة إلى المركبات الكهربائية بالكامل، لكن الولايات المتحدة لم تتجاوز حاجز الـ10% بعد.

هناك برنامج للحوافز الفيدرالية ومعايير التلوث وراء كل دولة تجاوزت نقطة التحول الخاصة بالمركبات الكهربائية. ففي الولايات المتحدة، أصدرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن العام الماضي أمراً تنفيذياً لدعم استحواذ المركبات الكهربائية على نصف المركبات الجديدة بحلول عام 2030 (بما في ذلك المركبات الهجينة الموصولة بالكهرباء). ويشير تحليل نقطة التحول إلى ضرورة التغلب على هذا الهدف دون تجاوز الوقت المحدد.

يعتمد النمو المستمر أيضاً على قدرة صُنّاع السيارات ومورديهم على زيادة الإنتاج بسرعة كافية. حيث تهدف شركات “فولكس واجن” و”فورد” و”بي إم دبليو” إلى استحواذ المركبات الكهربائية بالكامل على ما لا يقل عن 50% من مبيعاتها العالمية بحلول نهاية العقد.

من الواضح أن صُنّاع السيارات لديهم نقاط تحول أيضاً، وبالتالي ينبغي إعادة تجهيز المصانع وإعادة تشكيل سلاسل الإمداد. ولتحقيق أكبر قدر من الوفورات في التكاليف، يجب إعادة تصميم السيارة بأكملها مع وضع كهربتها في الاعتبار. في أوروبا، وبمجرد أن تستحوذ المركبات الكهربائية على 10% من المبيعات الفصلية لشركة صناعة السيارات، تتضاعف النسبة ثلاث مرات في أقل من عامين.

لا تشمل البيانات شركة “تويوتا”، وهي أكبر شركة لصناعة السيارات لكنها لم تصل إلى عتبة 10% للمركبات الكهربائية في أوروبا. يُعدّ هدف “تويوتا” المتمثل في بيع 3.5 مليون مركبة كهربائية سنوية بحلول عام 2030، كحصة من مبيعاتها السنوية البالغة 10 ملايين سيارة، ضمن الأقل قوة لشركات صناعة السيارات الكبرى. كذلك، لا تشمل البيانات “تسلا”، أكبر صانع للسيارات الكهربائية في العالم، والتي مبيعاتها تتكون من مركبات كهربائية بالكامل.

حتى الآن، استحوذت الولايات المتحدة والصين وأوروبا على 90% من مبيعات المركبات الكهربائية في العالم. وهذا يعني أن الدول المسؤولة عن حوالي ثلث مبيعات المركبات السنوية العالمية لم تتجاوز نقطة التحول. ولم تحقق أي من دول أميركا اللاتينية أو أفريقيا أو جنوب شرق آسيا هذه القفزة. وإذا فعلوا ذلك، فليس مؤكداً ما إذا كانت شركات التعدين العالمية ستكون قادرة على مواكبة الطلب على معادن البطاريات.

مع ذلك، تضاعفت المبيعات العالمية للمركبات الكهربائية ثلاث مرات في العامين الماضيين، بحسب وكالة الطاقة الدولية، واستحوذت على النمو الصافي في مبيعات المركبات العالمية في عام 2021، وهذا اتجاه تشير توقعات “بلومبرغ إن إي إف” إلى أنه سيستمر إلى أجل غير مسمى. وقد تصل المركبات الكهربائية على الطريق إلى ذروتها هذا العام.

ساهم تطبيق تحليل نقطة التحول على العالم بأسره في تجاوز حصة المركبات الكهربائية بالكامل عتبة الـ5% لأول مرة في جميع أنحاء العالم في العام الماضي. وإضافة إلى المركبات الهجينة الموصولة بالكهرباء، فإن نقطة التحول البالغة 10% سيتم تجاوزها في وقت ما من هذا العام. إذا كانت الاتجاهات تسير بشكل صحيح، فيمكن توقع تسارع الطلب.

زر الذهاب إلى الأعلى