كلمة اليوم للتاريخ ليقرأها كل العرب – البوصلة
النشرة الدولية – هالة نهرا
لن يُنقذ العالم العربي ولن يُنهضه إلا العقل العربي. الانحطاط والتخلّف في جزءٍ من المشهد العربي، والانهيار كما في بلدنا لبنان، نتيجةٌ حتميةٌ للسياسات الخاطئة والمخطئة طويلاً وصولاً إلى الكارثية محلّياً، وهي تستمرّ مافياوياً لدينا، وقد ضُرب العقل العربي طويلاً، وحيث لم يُضرَب لم يُسترشد بنوره وهذه خطيئة كبرى بحقّ الأوطان والثقافة والحضارة العربية والتاريخ والراهن، وسوف تكون خطيئة كبرى بحقّ المستقبل والأجيال العربية القادمة إذا لم تستدرك الأنظمة العربية سريعاً. إنّ العقول العربية الحريصة على العالم العربي وبلدانه والتي تنطلق مرتكَزاً من مصلحته ومصلحة الشعوب فيه وتصبو إلى التقدّم والإشراق والتطوير في أرضها وفي العالم وإلى الإسهام في تظهير فجر العالم العربي لغدٍ مضيء لهي شعلة عظيمة قادرة بتضافر جهودها وتضامّها على إيصال العالم العربي إلى القمم بعد الهوّة السحيقة، وصولاً إلى القدرة على التأثير في نظام الثقافة الكوني. “المكان إذا لم يكن مكانةً لا يعوَّل عليه” قال لكم إبن عربي. عليك أن تكون بذاتك قيمة لكي يقيم لك العالمُ وزناً ولكي يكون لك اعتبارك في العالم. في لبنان على سبيل المثال لا الحصر فإنّ المنظومة المافياوية جنحت طويلاً نحو ضرب القيمة عن سابق تصوّر وتصميم، والانهيار ليس سياسياً واقتصادياً فحسب، بل إنه أيضاً انهيارٌ إجتماعيٌّ وثقافيٌّ وقيَميٌّ وأخلاقيّ. عليك أن تبني اعتباراً لذاتك ارتكازاً على القيمة التي تختزنها في ذاتك والتي تمثلها في الحقيقة والتي تبنيها في التراكم ليعترف العالمُ بقيمتك ويقدّرها.
على أهمّية الاقتصاد الكبرى التي نقدّرها تمام التقدير، فإنّ المال لا يصنع قيمةً ثقافيةً ولا حضارية ولا يصنع قيمة الإنسان العربي ولا يصنع عقلاً؛ بل إنّ الإنسان هو من يصنع المال، والمنصبُ لا يصنع رجالاً أو إنساناً أو مكانةً؛ فالإنسان هو من باستطاعته تحويل المكان إلى مكانةٍ أو العكس من خلال عقله وقيمته ورؤيته ونهجه وأدائه، وليس مهمّاً أين تجلس أو تتربّع وفي أيّ صفٍّ، بل الأهمّ أن تعرف مكانك ومنزلتك ومقامك. القيمة لا تُصطنع ولا تُفتعل ولا تزيَّف ولا تهبط بالمظلّة كما يُخيّل إلى بعضهم الواهم. فإذا لم تكن تُمثل قيمةً بذاتك فليس بوسعك شراء قيمة وهميّة أو مزيّفة لذاتك أو افتعال قيمة. بأسرع ما يمكن على العرب إعادة الاعتبار للعقول العربية الحقيقية في المجالات كافة (السياسية، والاقتصادية، والعلمية، والفكرية، والثقافية، والفنية، والإبداعية، وسواها في تقاطعاتها وتكامُلها) مع دعمها واحتضانها على المستويات كافة. الاستثمار في العقل العربي والطاقات والمواهب والكفاءات والاسترشاد بضوء العقول أو على الأقلّ الإفادة من قيمتها والتماعاتها واقتراحاتها وحكمتها في غاية الأهمّية فالإنسان بلا عقلٍ فاقدٌ كلّياً لمعنى القيمة وإنّ ضرب العقل العربي طوال قرون هو ضربٌ في الجوهر لقيمة العالم العربي وعلى الأنظمة أن تعي ذلك، مع أنها غالبيتها قد تأخّرت فأن يدرك معظمها متأخّراً خيرٌ من أن لا يدرك أبداً، طبعاً مع احترامنا للإستثناءات الداعمة للوجه الثقافي والحضاري ولرافعي شعلة التقدّم والعقل في المدى.
الاستثمار الإيجابيّ البنّاء في العقول العربية مربحٌ جداً للعالم العربي ومستقبله وللحضارة العربية، بدلاً من استمرار الجزء الأكبر من رأس المال العربي الطائش والأهوج وغير المثقّف أو الخبيث ربّما في الاستثمار في التفاهة والانحطاط والابتذال والرداءة المقعّرة والرؤية العوجاء أو على الأقل غير المشرَّعة على الرحابة ولا على أيّ نورٍ راسخٍ قد يلوح في الأفق وغير الحكيمة في مناحٍ عدّة (مع احترامنا وتقديرنا لرأس المال المحترم المدرك الداعم للقيمة أو الذي سيدعم القيمة فيكتسب قيمةً إضافية معتبَرة). البصيرة والاكتناهُ جوهرٌ ينقذ العالم العربي ويرفعه ويرقّيه ليبلغ العلياء. لن يكون الارتقاء بلا إدراكٍ عميق لمفهوم القيمة وكُنهها؛ قيمة الفرد العربي/ الأفراد العرب؛ كلٌّ بذاته على حدة في العالم العربي والعالم، وقيمة الإنسان العربي بوصفه إنساناً في العالم العربي من جهةٍ، وفي العالم من جهةٍ أخرى، وقيمة كل بلد من بلدان العالم العربي داخل العالم العربي وفي العالم، وقيمة العالم العربي كلّه في العالم، وقيمة القيمة في القيمة، ومدى ترابط وتداخل وتشابك كل العوامل التي تبني قيمة الإنسان العربي وقيمة العالم العربي الزاخر تاريخياً بحضارته العظيمة والذي عليه أن يستعيد مكانته داخله وفي العالم.
(يتبع…)||