ناجي العلي… لماذا انتقدت «إسرائيل»؟
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
ماذا كان سيرسم ناجي العلي عن «التطبيع» لوكان حياً يرزق بيننا؟ تداول البعض رسماً كاريكاتورياً يظهر فيه الرجل الغلبان ابن البلد مخاطباً «حنظلة»: «راح يجي وقت اللي يهاجم فيه إسرائيل بكلمة… بيخطفوه!»
أظن لو كان ناجي بيننا ربما لن يكون باستطاعته حتى لو عاش في «جزر الواق واق» أن يجرؤ على انتقاد إسرائيل، لأنه سيحاكم بتهمة الإساءة إلى «دولة شقيقة»!!، بعد أن أصبحت ترسم لنا شكل التحالفات العسكرية القادمة في المنطقة وتحدد لنا خارطة الطريق وتضع «فيتو» على هذه الدولة أو تلك!
كل ما كان في الخيال العربي بشأن «الكيان المغتصب» انقلب رأساً على عقب؛ فقد سقطت المحرمات، ولم يعد لها اعتبار يذكر في عصر «التطبيع».
قادني هذا المدخل إلى الإبحار في كتاب «العرب والمحرقة النازية» الذي أهداني إياه الصديق والزميل د. حامد الحمود العجلان، وأنتجه الباحث والأكاديمي جيلبير الأشقر، دراسة موسوعية ثاقبة، نحن في أمس الحاجة إليها بخصوص النازية واللاسامية والمحرقة.
مراجعة المحرقة اليهودية أحد عناوين الكتاب ومناقشة العلاقة المعقدة بين الفاجعة اليهودية المسماة «الهولوكوست» والمأساة الفلسطينية النكبة… والتركيز على البلدان المتأثرة أكثر بخلق دولة إسرائيل أي المشرق العربي.
لا سبيل لإنكار أن الصهيونية بوصفها حركة سياسية، شرعت في خلق «دولة اليهود» وكانت قبل كل شيء رد فعل على معاداة السامية، والحاصل أن أهل فلسطين رأوا في المشروع الصهيوني شكلاً خاصاً من أشكال الاستعمار الأوروبي، ولذلك فقد مثلت المعارضة للصهيونية أحد المكونات الرئيسية في تكوين هوية فلسطينية… ما يود التأكيد عليه أن «دولة اليهود» إنما تدين بقيمها للمحرقة وذلك لأكثر من سبب…
أن بؤس اليهود يكمن في أساس «فلسفة الكارثة المفيدة» كما يقول كاتب سيرة ديفيد بن غوريون، الرجل الذي ينقل عن بن غوريون… «كلما كانت المصيبة أقسى، صارت قوة الصهيونية أعظم!» والحال هكذا، يخلص المؤلف في عرضه، إلى أن النكبة الفلسطينية تنبع من الكارثة اليهودية، كما لو أنها مشتقة منها، وهذا ما عناه إدوارد سعيد بوضوح في بحث محوري عن «الصلة التي يجب عقدها بين ما حدث لليهود في الحرب العالمية الثانية، ونكبة الشعب الفلسطيني».
الفكرة الرئيسية هنا أن بعض الدول، وخصوصا العظمى، التي أرادت التعويض عن الجريمة التي ارتكبتها بحق اليهود» سعت إلى حل المشكلة المتمثلة في الناجين من المحرقة على حساب الفلسطينيين مثلما تسعى بعض الدول في أيامنا هذه إلى التخلص من النفايات النووية المشعة بتصديرها إلى بلدان فقيرة.
لنرَ المروية الإسرائيلية كيف صورت «الإبادة» لليهود ورد الاعتبار عبر إقامة «الدولة اليهودية»، في حين أن المروية الفلسطينية والعربية دارت حول الاغتصاب الذي قامت به «الدولة اليهودية» والطرد المصاحب لذلك أي النكبة.
وعن الاضطهاد والمجازر التي تعرض لها الفلسطينيون… هناك من يفسر الأمر بأن أحد الأسباب لذلك هو أن إسرائيل «الدولة الاستيطانية الاستعمارية الأوروبية» الوحيدة التي لا يزال يتعين فيها استعادة الحقوق السياسية للسكان الأصليين.
الحاصل أن الاعتراف بواقع أن إسرائيل قوة استعمارية قد تأخر في الغرب وفي إسرائيل نفسها، وكانت المسافة المؤدية إلى هذا الاعتراف كبيرة.
أختم هذه القراءة المتواضعة، وغير المكتملة للكتاب، وأنصح من أراد الوقوف على علاقة المحرقة بالنكبة أن يقتنيه ويقرأه.. أنقل عن أشهر المؤرخين الإسرائيليين الجدد وهو بيني موريس أن «إسرائيل مجتمع استيطاني – استعماري، سواء أكان طرد الفلسطينيين عام 1948 متعمداً أم نتيجة غير مقصودة من نتائج الحرب، فهي مسؤولة عن مشكلة اللاجئين».
السؤال: هل انتهى زمن المحرقة كما انتهى زمن النكبة حتى بتنا بحاجة إلى إعادة قراءة المشروع الصهيوني ومن ورائه إقامة «الدولة اليهودية» على حساب الشعب الفلسطيني وأرضه؟