أحافير في الحب – 6 “فوضى الاسْتِبْدال بين الشركاء”
الدكتور سمير محمد ايوب
النشرة الدولية –
زارني مع غروب شمس الأمس صديق شاب في الستين من عمره، وقال في الكثير مِمَّا قال: ظَنَنتُ لسنينٍ طِوال بعدمِ قُدرتي على استبدال امراةٍ سبقَ لي وأن انتظرتها زمنا طويلا بأخرى، إلى أن لَمْ أعُدْ أراها في كلِّ النساء أو أن أرى كلَّ النساء فيها. تَعِبتُ مِنّيَ ولَمْ أعُدْ أقوى على حملِ ظنِّ شرّيرٍ بأنّها لَمْ تَعُدْ تُشبِهُني. راوَغتُ مُطوَّلاً قبل أن أستَفتِيَ قلبي، وخابَتْ بعضُ مُراوغاتي قبلَ أنْ أفَرِّطَ بها على مهلٍ وبالتّقسيط، إلى أنْ أكْمَلْتُ تَضْييعها. ولكنَّها ما تزال بخاطري، تمرُّ كزوبعةٍ مُحرّضَة، وفي كلِّ مرَّةٍ تَعبُرُني بها، أضْطرُّ لإعادة ترتيب ما تُخلِّفه فِيَّ مِنْ فَوضى مُنحازة.
لم يعُدْ لديَّ صبرٌ يا شيخي، وأنا أرفضُ بِشِدّةٍ أن أهديَ شيئا من ضعفي أو كبريائي مجانا لأحد، يَسكُنُني العذابُ ويتربصُ بيَ الحَزَن، أظنُّ بأنَّني أستحق فرَحا أوسع وأعمق وأنضج، مما كانت قد أضافته لحياتي من ظلالٍ، طوال تلك السنين. جئتُ أسألك هل كان كلُّ ما حدَث بيني وبينَها محضُ صدفة؟!
أشعلتُ نارَ تِبْغي بقلقٍ بيّنٍ، مَجَجْته بعمقٍ أكثر من مرّة، وأطلتُ التحديقَ بعينيّ الغائرتين بعجِّ الدخان المُتصاعد عاليا، وبجديّة صارمة مهمومة، وجَّهتُ قولي إليه: أعلمُ بأنَّ هناك عدةُ طُرُقٍ لِوَشْوَشة الحب في عمق العينين، والهمس به في دهاليز الأذنين او بين ضفاف الشفتين، ولكنْ دَعني أقرِّرُ لك هنا شيئا يبدو أنّه غائبا عن بالك يا صديقي، بالتأكيد أنّ جُلَّ الرجال والنساء يمتلكون شيئا من اشعاعات الحب العاري من تفاصيله، ولكن بالتأكيد أيضا فإنّ بعضهم لا يملك قدرة او مهارة تمكّنُهُ من نحتِ أو تطريز الكثير من ملامحه وتفاصيله الدقيقة، وفقَ توقعات الشريك أحيانا وانحيازاته ومرجعياته أحيانا اخرى.
وأقِرُّ أيضا يا صديقي، بأنني أعشق بعض لحظات التوتر المجنون المنحاز، ولكن الأمر ليس كما تحاول أن تُفهِمَني، فما اقسى حبّاً بُحَّ صوتُه، وبالقضم التدريجي خَلا مِن أجمل معانيه وأنبلها، برحيل الرضا منه يصير موتا صامتا موحشا، بعد أن لم يعد قادرا على حراسة الدهشة فيه، لأنك حتما سترى نفسك ساعتها غريبا فيه.
ولأن الحياة لا تستمر إلا بممارسة كل فنون التجاوز بإتقان، أنصح بالابتعاد عن تسارع منطق المنافسة الخادشة للشراكة، ومن ثم أتمنى عليك أن تعانق حيرتك وأن تحدق فيها، وأن تلملم جراحك وشظاياك وأن تتأملها.
وإن إضطررت أحيانا لتجاوز بعض الأشخاص، تجاوز أيضا ندمك وهزيمتك، وبفرح ابعث في يومياتك روحا لم ترَ مثلَها اشراقا، وبجرأة اعطي المشترك بينكما أكثر من فرصة مغايرة، قبل أن تُمضي تَواليَ العمر جامعاً لبقاياها من آخريات قد تلقاهن وقد لا تلقاهن.
قاطعني بشيء من الغضب اليائس قائلا: ولكنّ اعطاء البعض فرصة ثانية مثل اعطائة رصاصة اضافية لانه لم يُصِبْك في المرّة الأولى، … وصمت مُتلَهيا باشعال سيجارته.
فقلت بتمهل: يَصِحُّ أحيانا ما تقول، ولكن ليس دائما يصح، فالدائم هو التأكيد على أنك لن تقدر على استحضار من تُشبهك ملامِحُها، لتحصد الندى معك في الصباح، وساعتها لن تزور يا صديقي، إلا نفسَك التي تكون قد خلَتْ منْ كلِّ أبوابِها وعَتَباتِها وحُرَّاسِها.