هذا ما سيحصل في مصرف لبنان..طرح الحراسة القضائية ينسحب على الرئاسة؟
النشرة الدولية –
لبنان 24 – نوال الأشقر
يواجه لبنان في الحادي والثلاثين من تموز الحالي استحقاقًا غير مسبوق في تاريخه، حاكميّة البنك المركزي بوصفها أحد أهم المراكز في البلد، وأكثرها دقّة وحساسيّة، أمام مأزق حقيقي. رياض سلامة الحاكم الذي تبوّأ المنصب منذ آب 1993 ومُددت ولايته أربع مرات (1999 و2005 و2011 و2017) تنتهي ولايته بعد أسبوعين، فيما نوابه الأربعة يرفضون تسلّم المهمّة الشائكة. أمّا الحكومة فتسعى، تحت نيران القصف السياسي، لتأمين استمرارية إدارة المصرف المركزي، بعدما استبعد رئيسها نجيب ميقاتي خيار تعيين حاكم جديد، أو التمديد لسلامة، وحَسَمَ الجدل القائم، راسمًا رؤية واضحة بتولي النائب الأول وسيم منصوري المهمّة إلى حين تعيين البديل، وفق مقتضيات المادة 25 من قانون النقد والتسليف. أمّا في حال أصرّ منصوري على موقفه الرافض لتولي المسؤولية، إلى جانب النواب الثلاثة الآخرين، وقدّم استقالته “سيُطلب منه القيام بواجبه في حدود تصريف الأعمال، وهذا واجب عليه” وفق ما أكّد ميقاتي.
خيّط الرئيس ميقاتي موقفه، بإبرة الحساسيّات في البلد، وما أكثرها، على قاعدة “لست بوارد تحدي أحد”، سعيًا للسير في خط رفيع يوازن بين حابل المصلحة العامة وتسيير أمور البلد ونابل التوازنات المقرونة بالكيديات أحيانًا. بالمقابل ابتكر آخرون أفكارًا أو أعرافًا جديدة بشأن ملء فراغ الحاكميّة، من دون أن يدركوا أنّ بنات أفكارهم الخلاّقة ترتد عليهم. من هذه الطروحات تعيينُ حارس قضائي يتولى مهام الحاكم، إلى ما بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة جديدة تعيّن حاكمًا أصيلًا. فماذا يقول القانون في حالة شغور موقع الحاكميّة؟ هل يمكن للحكومة تعيين البديل؟ وهل يجوز تعيين حارس قضائي للمركزي أسوة بمواقع أخرى كرئيس مجلس إدارة تلفزيون لبنان؟
مدعي عام التمييز السابق القاضي حاتم ماضي أكّد في حديث لـ “لبنان 24” أنّ الحراسة القضائيّة لا تنطبق على موقع حاكميّة مصرف لبنان “عندما يشغر موقع الإدارة، يتمّ اللجوء إلى هذا الخيار في حالة الشركات ذي الطابع الخاص، كتلفزيون لبنان الذي يتماثلون بحراسته القضائيّة، وهو شركة خاصّة تُدار من قبل الدولة، لكن الوضع مغاير تمامًا في مصرف لبنان، فهو ليس شركة خاصّة بل مؤسسة عامّة، وهو بنك البنوك، ولا يجوز تسليم مقدّرات الدولة اللبنانية إلى شخص يعيّنه القضاء، خصوصًا أنّ للحاكميّة صلاحيات واسعة مصرفيّة ونقديّة. وإذا سلمنا بهذا الطرح، ما الذي يمنع من أن ينسحب على مؤسسات أخرى، إذ أنّ فتح الباب لتعيين حارس قضائي لمؤسسة من مؤسسات الدولة يمكن أن ينسحب على كلّ مؤسسات الدولة”. وسأل ماضي “هل يمكن تسليم موقع رئاسة الجمهورية الشاغر إلى حارس قضائي؟ الحالتان متشابهتان، ويستحيل فيهما اللجوء إلى الحراسة القضائيّة. من ناحية ثانية نظّم قانون النقد والتسليم هذه المسألة، عندما نصّ في المادة 25 منه على وجوب أن يتسلّم النائب الأول للحاكم مركز الحاكميّة في حال شغور المنصب”.
على رغم انّ الرئيس ميقاتي حسم الجدل لجهة عدم التعيين أو التمديد، بدا لافتًا موقفُ رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع خلال مقابلة تلفزيونية قال فيها “حكومة تصريف الأعمال لا يحقّ لها دستوريًّا إجراء تعيينات، ولكن إذا كان هناك طرحٌ جدّي لحاكم جديد، فسنفكّر في الموضوع، لأنّ المسألة تمسّ بحياة الناس”. موقف جعجع يؤكّد أن ليس هناك إجماع مسيحي حول رفض تعيين حاكم للمركزي في ظل حكومة تصريف أعمال، وأنّ الأمر قابل للنقاش. ففي حال طال أمد الفراغ في سدّة الرئاسة، وتدهورت أكثر الأوضاع الماليّة والنقديّة في البلد، هل يمكن لحكومة تصريف الأعمال بنهاية المطاف أن تعيّن حاكمًا للمركزي؟
“برأيي الحكومة ملزمة بالتعيين مكان الحاكم سلامة، في حال رفض النائب الأول للحاكم تسيير الأعمال وقدّم استقالته، على قاعدة الضرورات تبيح المحظورات” يقول القاضي ماضي “لكن طالما هناك نائب للحاكم يحلّ مكانه، لا يُصار إلى تعيين البديل. وعند التعيين تبرز إشكاليّة قسم اليمين أمام رئيس الجمهورية، ففي حال لم يؤدِ الحاكم اليمين لا يمكن له أن يباشر تنفيذ مهامه وفق النص القانوني، ولكن طالما أنّ التعيين أتى على قاعدة الضرورة، سينسحب ذلك على قسم اليمين ولو أنّه مخالف، كون الظروف الاستثنائية وتتيح ما لا تسمح به الظروف الطبيعية” أوضح ماضي مشدّدًا على عدم امكانية تعيين بديل إلّا في حال رفض النائب الأول استلام المهام، وأقرن رفضه بالإستقالة.
سيناريو تكليف سلامة تسيير الأعمال بعد انتهاء ولايته لا يجوز وفق ماضي “ليس هناك من نصّ قانوني يسمح بذلك، ولا يحقّ لوزير المال أو أيّ مسؤول آخر أن يكلّف الحاكم تسيير المرفق العام. وفي حال سُمح للحاكم بذلك، عندها يمكن تكليف أي مسؤول في الدولة أن يتابع عمله بعد انتهاء ولايته”.
بالمحصّلة الأمور متجهة نحو تولّي منصوري، وعلى رغم بيان نواب الحاكم الشهير، لن يتركوا وظيفتهم، وبيانهم كان بقصد الضغط كونهم يتهيّبون الموقف والمسؤوليات في هذا الظرف الدقيق “عندما يشعرون أن لا مناص سيسلّمون بالواقع. والنائب الأول يتولى فعليًّا صلاحيات الحاكم كاملة، وليس فقط النطاق الضيق لتصريف الأعمال” وفق قراءة القاضي ماضي.
موقع الحاكمية لا يحتمل الفراغ، نظرًا لمحوريته في كلّ ما يتصل بالنقد والقطاع المصرفي. في مجال آخر يرى ماضي وجوب إعادة النظر بقانون النقد والتسليف، عند الإنتهاء من الأزمة وعودة الأمور إلى نصابها الطبيعي، وذلك لتقليص الصلاحيات الواسعة الممنوحة للحاكم، فهو حاكم المركزي ورئيس هيئة الرقابة على المصارف ورئيس هيئة التحقيق الخاصة، ويمكن له أن يصدر تعميمًا من دون العودة إلى أيّ جهة، فيصبح التعميم كأنّه قانون.