وسط الانهيار المدوّي للعملات الرقميّة… ما واقع “التعدين” اليوم؟

النشرة الدولية –

الديار – شانتال عاصي –

في ظل الاضطراب الواسع الذي تشهده السوق الرقمية، تستمرّ قيمة العملات الرقميّة في التراجع، وتسجيل خسائر ضخمة لدى المستثمرين.

لأول مرة منذ أواخر عام 2020، انخفض سعر عملة “بيتكوين” الرقمية إلى أقل من 20 ألف دولار، في إشارة جديدة إلى تزايد عمليات بيع العملات الرقمية، خوفاً من تسجيل المزيد من الخسائر.

وفقدت “بيتكوين” حتى الآن أكثر من 70 بالمائة من قيمتها منذ وصولها إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند نحو 69 ألف دولار. كما تعرّضت “إيثيريوم”، وهي ثاني أهم عملة رقمية اليوم والمتّبعة على نطاق واسع، لتراجع كبير مماثل.

وتجدر الإشارة إلى أن العملات الرقمية عاودت ارتفاعها الطفيف في الأسبوعين الماضيين.

عاصفة سوق “الكريبتو” تضرب أشهر منصات الإقراض

ففي أحدث أزمة تعصف بسوق العملات الرقمية، قامت “سلسيوس”، وهي منصّة إقراض العملات الرقمية، بتعليق عمليات السحب. كما أشهرت إفلاسها أمام محكمة نيويورك، وها هي اليوم تحاول إعادة هيكلة شركتها من خلال خطة التعافي.

تقدم المنصّة للمستخدمين أسعار فائدة أعلى من المتوسط على ودائعهم من العملات الرقمية، ولكن من دون متطلبات التأمين الصارمة التي تطلبها جهات الإقراض التقليدية مثل المصارف، وتعدّ “سلسيوس” واحدة من أكبر اللاعبين في مجال إقراض العملات الرقمية. إذ أقرضت أكثر من 8 مليارات دولار للمستخدمين، ونحو 12 مليار دولار من الأصول الخاضعة للإدارة، اعتباراً من أيار. وقالت الشركة في مذكرة لزبائنها، إنه “نظراً إلى ظروف السوق القاسية، نعلن اليوم أن سلسيوس توقف مؤقتاً جميع عمليات السحب والمبادلة والتحويلات بين الحسابات”. الأمر الذي أدّى إلى انتشار الذعر بسبب الشكوك في ملاءة الشركة المالية. وشهدت انخفاضاً في قيمة أصولها بأكثر من النصف مقارنة مع تشرين الأول الماضي عندما تعاملت مع 26 مليار دولار من أموال المستخدمين. ممّا أدّى إلى محو 97% من قيمة عملة (cel) المملوكة من الشركة.

هذا ولم تقتصر الخسائر على العملات الرقمية ومتداوليها فحسب، بل ألقت الأزمة بظلالها أيضاً على المعدّنين الذين تتراجع أرباحهم مع تراجع أسعار العملات الرقمية وبدلاً من جني الأرباح باتوا يتكبّدون الخسائر.

هل ما زال التعدين مربحاً؟

بعد أن كان تعدين العملات الرقمية  كوسيلة ممتازة لجني الأرباح السريعة، بات مع الانهيارات الكبرى التي عصفت في سوق العملات الرقمية، وسيلة خاسرة لا تكبّد المعدِّن إلّا الخسائر.

ففي ايار 2022 ، باعت شركات التعدين العامة 4,411 عملة بيتكوين، أي أربعة أضعاف متوسط الشهر من كانون الثاني حتى نيسان 2022. ويتضح هذا من خلال البيانات المالية التي تقدمها الشركات العامة للجهة التنظيمية.

وتؤكد البيانات التي أوردتها شركة التحليلات CoinMetrics أن المعدّنين قد بدؤوا في نقل العملات إلى المحافظ الرقمية. فعلى الرغم من عدم وجود معلومات موثوق بها حول حركة العملات التي يتم تعدينها، إلّا أنه من الواضح تمامًا أن شركات تعدين العملات الرقمية على وشك البقاء.

كان المعدّنون يمتلكون حوالي 46،594 BTC اعتبارًا من نهاية مايو ، تبلغ قيمتها حوالي 1.5 مليار دولار.

وفي هذا الصدد، أوضح المؤسس الشريك والرئيس التنفيذي المشارك لشركة Iris Energy ، دانيال روبرتس قائلاً: “إن تعدين البيتكوين يختلف عن التعدين التقليدي. يتراجع المعدّنين ذوي التكلفة المرتفعة وينسحبون عندما تنخفض الأسعار، لكن المعدّنين الذين عملوا بأقل تكلفة، يكسبون حصة أكبر من مكافآت الكتلة، مما يقلل من تكاليفهم.

لذا فمن المرجّح أن يتم تعليق عمل العديد من عمليات التعدين التي بدأت حديثًا، أو يتم الاستحواذ عليها من قبل بعض اللاعبين الأبرز والأقوى في مجال التعدين.

وبحسب آخر إحصاء لـ New Tribe Capital، تبيّن أن المعدّنين يقومون ببيع ممثلاتهم الرقمية مع انخفاض سعرها وبخاصّة عملة البيتكوين التي تسقط سقوطاً حرّاً، وتَقَلُّص هوامش الربح.

ففي فترة ازدهار السوق، يكون لدى المعدّنين ما يكفي من المال، وبالتالي يكون بإمكانهم دفع تكاليف الكهرباء لتغطية نفقات التشغيل الأخرى، لذلك يلجأون للتعدين كونه يحقق لهم أرباحاً إضافية.

لكن الوضع الآن اختلف، فأسعار تعرفة الكهرباء تواصل ارتفاعها، وأرباح المعدّنين تنخفض تزامناً مع هبوط أسعار العملات الرقمية. حتى باتت الشركات في هذه الظروف، تضطرّ إلى استبدال BTC مقابل المال لدفع ثمن الكهرباء ودفع رواتب الموظفين.

أما خلال شهر حزيران، فانخفض معدل وحدة قياس الطاقة التي تؤمنها معدات التعدين لتأمين الشبكة (hash rate)، بنسبة 5.4٪ منذ 12 يونيو، أي عند انخفاض سعر البيتكوين إلى أقل من 25000 دولار ، وفقًا لموقع Blockchain.com. وفي الوقت نفسه ، انخفض سعر معالجات الرسومات، التي توفر القوة الحاسوبية اللازمة لإنشاء وحدات جديدة من البيتكوين، بمعدل 15٪ في أيار ، وفقًا لتقارير مجلة Tom’s Hardware ، مما يشير إلى أن المعدنين يفرغون رقائقهم في السوق الثانوية.

كما انخفض إجمالي الإيرادات المدفوعة للمعدّنين إلى أدنى مستوى له منذ ما يقرب من عام، وفقًا لموقع Blockchain.com ، وانخفضت أسعار أسهم شركات التعدين المدرجة Marathon Digital و Hut 8 Mining بنسبة 41٪ خلال الشهر الماضي.

وفي هذا السياق، قال مدير مشروع الأصول الرقمية في مركز كامبريدج للتمويل البديل، لصحيفة فاينانشيال تايمز “ألكسندر نيومويلر”: “إن الدخول في الوقت الحالي إلى مجال التعدين ليس ممتع أبداً”.

هذا وأصبحت شركة Bitfarms الرائدة في مجال تعدين البيتكوين، هي الأحدث في قائمة طويلة من الشركات التي تزيد مبيعاتها وسط تراجع العملة الرقمية الذي حطم الرقم القياسي. كما أبلغت Bitfarms عن بيع 3000 بيتكوين مقابل 62 مليون دولار خلال الأسبوع الماضي في محاولة لتعزيز السيولة لديها.

وكشف تقرير آخر، أن المعدنين باعوا ما لا يقل عن 500 مليون دولار من البيتكوين حتى الآن في شهر يونيو، مما قلص مخزوناتهم بمقدار الثلث تقريبًا.

كما أظهر مؤشر Bitcoin Hash Ribbon، الذي يقيس نسبة الطاقة المستهلكة لتأمين الشبكة إلى تراجع كبير في نسبة التعدين، الأمر الذي يشير إلى أن المعدّنين يقومون بإيقاف تشغيل أجهزتهم حيث أصبحت تكلفة تشغيلها تفوق نسبة الإيرادات التي يمكن أن يحققوها من مكافآت الكتلة.

كلفة تعدين البيتكوين الواحدة

تختلف الأرباح التي يمكن جنيها من معدات التعدين وذلك بحسب اختلاف المعدات إن كان من حيث الحجم، أو النوعية، أو المواصفات.

على سبيل المثال، إذا كانت وحدة قياس الطاقة التي تؤمنها معدات التعدين لتأمين الشبكة (140 THS) وتكلفة الكهرباء 0.05 Kw/h ، وبناء على سعر البيتكوين اليوم أي ما يعادل 21 ألف دولار وعدة عوامل أخرى، ستبلغ نسبة ربح المعدِّن يومياً تقريباً 8,98$.

أفضل مراكز للتعدين

أبرز مراكز تعدين العملات الرقمية في العالم: يعتبر F2pool أهمّ مركز للتعدين في العالم، يتّخذ من الصين مقراً له، ويقوم بتعدين 15.6% من مجموع الكتل. ويأتي مركز Poolin في المرتبة الثانية بعد F2pool ويقوم بتعدين 13% من مجموع الكتل.

هذا وتتوزع هذه المراكز على نقاط جغرافيّة عدّة أهمّها:

– داليان في الصين حيث يتم تعدّن حوالي الـ 750 عملة بيتكوين في كل شهر.

– مركز جينيسيس في أيسلاند، وهو أكبر مركز للتعدين في العالم.

– موسكو روسيا، حيث يتم تعدين حوالي الـ 600 عملة بيتكوين في كل شهر.

– جيغاواط في واشنطن، التي تتّسم بانخفاض كلفة الكهرباء لديها.

– لينثال في سويسرا، وتتّسم بمناخها المعتدل ممّا يسهّل عملية التعدين.

– بيتفوري في نيذيرلاند، وتعتبر أقدم مزرعة تعدين على الإطلاق.

البلدان الأقل والأكثر تكلفة من ناحية تعرفة الكهرباء

تعتبر تعرفة الكهرباء في بوتان (0.036 دولار أميركي) التي تقع في جنوب آسيا الأقل على مستوى العالم، تليها منغوليا (0.041 دولار أميركي) وإيران (0.044 دولار أميركي). أما أغلى الدول الآسيوية هي اليابان (0.211 دولارًا أميركيًا) تليها سنغافورة (0.195 دولارًا أميركيًا) ، وكلاهما أعلى من متوسط السعر العالمي للكيلوواط في الساعة البالغ 0.165 دولارًا أميركيًا.

توقيف عملية التعدين

لم يصدر حتى الساعة أي خبر يفيد بتوقّف أي من مزارع التعدين الكبرى عن عملها. ولكن، أعلن المتحدث باسم قطاع الطاقة في إيران مصطفى رجبي مشهدي أنه سيتم قطع الكهرباء عن جميع مراكز التعدين القانونية البالغ عددها 118، من 22 حزيران، قبل الارتفاع الموسمي في الطلب على الطاقة.

وأضاف مشهدي أن البلاد تستعد لنقص في الكهرباء، حيث من المتوقع أن يتجاوز الطلب 63 ألف، حسب وكالة “بلومبرغ” للأنباء.

فهل يستعيد سوق العملات الرقمية عافيته وتعاود العملات ارتفاعها، أم يتّجه أكثر فأكثر نحو القعر؟ فما علينا إذاً إلّا الترقّب، وانتظار ما ستحمله الأيام المقبلة من مستجدّات على هذا الصعيد.

زر الذهاب إلى الأعلى