وكان هذا المقال..!
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
حذرني مسؤولون أمنيون، حاليون وسابقون، وأقارب وأصدقاء، من غدر «الإخوان المسلمين»، فتاريخهم الإرهابي معروف، فهم لم يترددوا يوماً في تصفية كل من شكل عقبة أمامهم من قادة ورؤساء وزارات وضباط، ولديهم «نصوص دينية» تبرر أفعالهم مهما كانت قذرة أو مجرمة، وإنه علي بالتالي توخي الحذر.. فكان هذا المقال!
***
كان الإنكليز، كما تعلم أجهزة مخابرات المنطقة، خلال تواجدهم العسكري في منطقة قناة السويس (1883 – 1956)، وراء تأسيس حركة الإخوان المسلمين، أو على الأقل كانوا من أوائل داعمي مؤسسها «حسن البنا الساعاتي»، مادياً ومعنوياً، ولو كنت مكان «أعداء الأمة» لما وجدت تنظيماً أفضل منهم في إبقاء العالم الإسلامي بعيداً عن أي تطور أو تقدم. ونظرة على الخراب الذي سببه «داعش»، الطفل غير الشرعي للإخوان، لصورة الإسلام والمسلمين تعطينا فكرة عن الدور التخريبي لهذا التنظيم منذ تأسيسه عام 1928!
تطورت حركة الإخوان مع الوقت لتصبح الكبرى في المنطقة، بأذرعها الدينية والمالية التي غطت العالم. كما كان نفوذها في مصر، وقبل عهد السيسي، مستمراً في التصاعد. وكانت لها حظوة في دول الخليج، قبل نجاح بعضها في التخلص منهم، تاركين خلفهم خلايا نائمة. كما بلغ نفوذهم السياسي والمالي والاجتماعي في الكويت درجة متقدمة، وكانت ولا تزال صندوقهم المالي الأسود. ومع كل ما حققه الإخوان من نجاح، مادي وسياسي وتنظيمي، إلا أنهم بقوا حركة خاوية فكرياً، غير واضحة المعالم، ولم يعرف عن أي من قادتها المعرفة العميقة أو الكاريزما القيادية، ونرى من استعراض خلفيات ومستوى فكر من يمثلونها على أية ساحة، جنوداً كانوا أو جنرالات، مدى خرابهم ووصوليتهم، و«ثقل طينتهم».
ورد في فقرة من خطاب لعبدالناصر عن أول لقاء له بمرشد الإخوان، بعد أن استتب الحكم له، أن الأخير طلب منه، قبل أي إجراء، فرض الحجاب على نساء مصر. وأن ذلك «أسمى أمانيهم»، ولا تزال كذلك بعد 60 عاماً، فكيف لمثل هذا الحزب أن يحكم شعباً من 100 مليون غارق في كم خرافي من المشكلات. وكيف لأمة تشكو من كل مصاعب الحياة، ومن التخلف أن يحل مشكلاتها دعاة ورجال دين لا يتورع بعضهم حتى عن تزوير شهادته، وأسمى أمانيه فرض الحجاب؟
كما لم يعرف عن الحركة أنها أفصحت يوماً عن أفكارها، أو أصدرت «منافستو» أو بياناً سياسياً يبين الطريقة أو الفكر الذي سيتبعونه في الحكم، وظهر خواؤهم الفكري والسياسي جلياً في السنة التي حكموا فيها مصر، حيث فشلوا في أن يصدروا بياناً واحداً يبين الكيفية التي سيتصدون فيها لمشكلات مصر المالية والاقتصادية والسكانية والسياسية والعلاقة مع مختلف القوى الإقليمية والعالمية، والزيادة السكانية الرهيبة، وحتى العلاقة مع إسرائيل، وغير ذلك من قضايا معقدة لا حصر لها.
وبالتالي لا بد من التساؤل، على الرغم من كل تخلفهم الفكري، عن السر أو السبب وراء نجاحهم في اختراق أنظمة دول عدة، وإقناع أصحاب تخصصات نادرة، على اتباعهم والقسم بالولاء والطاعة لمرشدهم، ودفع الأموال لهم؟
***
يعود سبب نجاح حركة الإخوان المسلمين، تنظيمياً ومالياً وسياسياً لأمور ثلاثة:
- إشراك كبار المنتسبين لها في منافع مالية، بحيث يبقون مرتبطين بها. وسبق أن قام «صدام» بتوريط مساعديه في جرائم قتل وتصويرهم وهم يقترفونها، لتبقى دليلاً على إجرامهم، فلا ينقلبون عليه! وقام تنظيم الإخوان، مبكراً، بإشراك قادته في إدارة الأموال الضخمة التي تحت أيديهم، ليضمنوا ولاءهم، واستماتتهم في الدفاع عنه.
- وصوليتهم وبرغماتيتهم المطلقة التي يبررونها بمختلف النصوص الدينية، وعدم التورع عن اللجوء «لأي إجراء» طالما كان ذلك في مصلحتهم.
- والأهم، اعتماد الحركة الكلي على سذاجة فكر الشعوب وجهلها. فقد أسهمت عوامل عدة، على مر التاريخ الإسلامي، بقصدٍ أو بغيره، في تسطيح هذا الفكر، نتج عنه تسليم كل مقاديرها «للاكليروس الديني»، الذي لم يتردد في استغلال الفرصة، وزيادة سطحية وسذاجة تلك الجماهيرية وتجيير ولائها لمصلحتها. ولم يكن غريباً بالتالي ملاحظة مدى الشعبية الطاغية التي تمتعت بها شخصيات من أمثال «محمد الغزالي» و«محمد متولي الشعراوي»، و«الشيخ كشك» وأحمد الوائلي، وحالياً ياسر الحبيب وعثمان الخميس، ومقتدى الصدر، ومحمد العوضي وطارق السويدان، وثلة من نجوم الدعوة في الخليج، ممن انطفأت شمعتهم مؤخراً، وغيرهم الكثير، الذين يعود الفضل لما يتمتعون به من جماهيرية ومن متابعين لتواضع فهم الأمة وعزوف أفرادها عن القراءة أو البحث والتفكير النقدي، أو حتى السطحي منه، وبالتالي ليس صعباً إقناع سوادهم بصحة ما يسردونه عليهم من قصص وأحداث خيالية. فأمة تصدق من كاد أن يصبح رئيساً لمصر، لولا خطأ إجرائي، بأن اسم شركة البيبسي Pepsi التي تأسست عام 1898 يعني: «ادفع سنتاً لدعم دولة إسرائيل»! والأمة التي تصدق ما قاله «فهمت كيف» أن نسبة اليهود في أوكرانيا تبلغ %40! وتصدق أن «أتاتورك»، الذي تُوفي عام 1938، اعترف بإسرائيل، التي تأسست عام 1948، وتصدق تغريدة من «مغرد شهير» أن قراراً حكومياً صدر (للمرة الأولى في التاريخ) والحكومة في إجازة رسمية، بمنع سفر «مسؤول سابق»، موجود أصلاً خارج البلاد! وغير ذلك الكثير جداً!
هذا الشعب أو الأمة بحاجة شديدة للتوعية، ولا يعني ذلك أنها الجاهلة الوحيدة في العالم، بل لأن جهلها مقدس وخطير. فالشعوب «الأخرى» التي تماثلنا جهلاً لا يشكل جهلها خطراً على البشرية وأمن الدول، وبقية مكونات شعبها، وهذا ما هو حاصل لدينا.
***
وبالتالي يكمن دورنا، ودور كل المستنيرين من إعلاميين وكتاب ومصلحين، في تنوير الأمة، والتحذير من الطامعين في استغلال هذا الجهل لتحقيق مصالحهم الشخصية والحزبية، وقطع الطريق على وصولهم للحكم، والتركيز على حقيقة أن مشكلتنا كانت وستبقى في بعدنا عن العلم والثقافة والإنسانية وليس في بعدنا عن الدين. وإنه على كل مخلص في مجاله وضمن إمكاناته إضاءة شمعة هنا وتسليط ضوء هناك، بغية تنوير العقول، فالجهل هو عدونا الأول، والجهل هو نصيرهم الأكبر.