من “جهنم” البؤس إلى “جهنم” الحرب
بقلم: رفيق خوري
المسؤولون اللبنانيون يواجهون نصر الله بالصمت عندما يتجاهلهم ويتحدث كصاحب الجمهورية وقرار الحرب والسلم
النشرة الدولية –
ليس من المفاجآت أن يهدد “حزب الله” بالذهاب إلى حرب مع إسرائيل، ولو قادت إلى تدمير لبنان. ولا خارج المألوف أن يعلن حسن نصر الله الاستعداد لاستخدام قوته براً وبحراً وجواً من دون أي تشاور أو تنسيق مع أركان السلطة الرسمية، لا سيما حليفه رئيس الجمهورية الذي يتولى إدارة التفاوض على ترسيم الحدود البحرية. ولا فرق، سواء كانت الحجة هي تحصيل الحقوق اللبنانية في الثروة النفطية والغازية وتقوية الموقف التفاوضي أو كانت الحجة غطاء لقرار على التوقيت الإيراني في مواجهة ما جاء الرئيس الأميركي جو بايدن من أجله إلى المنطقة.
المفاجأة ليست الصمت الرسمي المعيب بل التصرف كأن هناك دولة ومسؤولين في بلد أسير مطلوب منه أن يكون الخط الأمامي في “جبهة المقاومة” دفاعاً عن المشروع الإقليمي الإيراني. وهي عملياً مفارقة، لا مفاجأة.
نصر الله يعمل كمن لديه ما يُسمّى بـ”التكليف الشرعي” للتصرف في لبنان. لا يعبأ لا فقط بالمسؤولين بل أيضاً باللبنانيين الذين هم خارج من يصفهم بأنهم “أشرف الناس” في “بيئة المقاومة” أو “شعب المقاومة”، ما انشغل به الوسط السياسي في ظل التهديد بالحرب المدمرة هو من سيكون صاحب الحظوة في ترشيح نصر الله له كرئيس للجمهورية.
ولا شيء يوحي أن المسؤولين يخجلون بأي ومن أي شيء. لا مما يدور في البلد وعليه. ولا مما يفعلونه بالناس. ولا بما لا يفعلونه حتى في الحد الأدنى لتخفيف آلام اللبنانيين في “جهنم” التي قادوهم إليها. ولا طبعاً بأخذنا على يد “حزب الله” إلى “جهنم” عسكرية أخطر. وليس أمراً عادياً أن تصبح الإشارة إلى لبنان في أي بيان بعد مؤتمر عربي أو دولي أو مشترك هي دعوة المسؤولين والأطراف السياسية إلى “احترام الدستور ومواعيد الانتخابات”، أي القيام بواجبهم الطبيعي والذي من دونه يفقدون شرعيتهم.
هذا ما قرأناه في بيان قمة جدة بين الرئيس بايدن وقادة الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي إلى جانب مصر والأردن والعراق. وهذا، ومعه الإصلاحات الضرورية لبدء التعافي المالي والاقتصادي، ما جاء في البيانات المشتركة خلال جولة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على مصر والأردن وتركيا. وما نسمعه يومياً من واشنطن وباريس وموسكو وبكين وبرلين.
لكن المسؤولين لا يخجلون. لا عندما يتجاهلهم حسن نصر الله ويتحدث كصاحب الجمهورية وقرار الحرب والسلم. ولا عندما يقول الرئيس الفرنسي إنه يشعر بالاحتقار حيال التركيبة السياسية. ولا عندما يخططون للفراغ الدستوري في بلد متعدد الأزمات. وهؤلاء هم النوعية التي يريدها “حزب الله” ويرتاح لوجودها في المناصب الرسمية ويحمي فسادها في انتظار أن تنضج الظروف التي تسمح له بأن يحكم البلد الذي يتحكم به حالياً.
والمسألة، في أية حال، ليست ترسيم الحدود البحرية. فمن يرفض وجود إسرائيل من ضمن الأيديولوجيا الإيرانية ويبشر بقرب زوالها على يد “جبهة المقاومة” الممتدة من إيران إلى اليمن كما إلى العراق وسوريا ولبنان وغزة، كيف يقبل ترسيم حدود معها؟
من هو جزء من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني يعمل بطبائع الأمور ضمن استراتيجية الملالي، التي تتمثل في إزالة كل العوائق على الطريق أمام ولاية الفقيه. والمعادلة الحالية هي: أميركا خارج المنطقة. وإسرائيل هدف للرماية. وجمهورية الملالي فوق. والعرب تحت.
ومن الصعب العثور على معادلة مستحيلة أكثر من هذه. فلا العالم العربي قطعة زبدة تقطعها سكين طهران. ولا العالم مستسلم لشعار الملالي “استعدوا لنحكم العالم”. لا هضم لبنان ممكن لأي طرف مهما يكُن قوياً. ولا الرهان على “تصحيح التاريخ” لإقامة نظام ثيوقراطي في القرن الحادي والعشرين هو أفضل مشروع للمستقبل. وأغرب شعار هو: الموت في الحرب أشرف من الموت جوعاً، بدل العمل للتعافي الاقتصادي. كأن “جهنم” الحرب هي البديل من “جهنم” البؤس.