فقط في هذه الحالة، سيتخلّى حزب الله عن ترشيح فرنجية
بقلم: اكرم كمال سريوي
النشرة الدولية –
في عام ٢٠١٤ تمسّك حزب الله بترشيح العماد ميشال عون، رافضًا البحث في أي اسم آخر، وعندما طال أمد الفراغ الرئاسي، وتبنّى سعد الحريري ترشيح سليمان فرنجية، سارع سمير جعجع إلى عقد صفقة مع العماد عون، مُرشّح حزب الله، وأوصله إلى الرئاسة، قاطعاً الطريق على فرنجية، خوفاً من أن يعمد فرنجية الرئيس، إلى الانتقام من قتلة أبيه.
اليوم تبنّى حزب الله ترشيح سليمان فرنجية، لكن حليفه جبران باسيل رفض بشكل قاطع وصول فرنجية، وذهب في خياراته بعيداً، ليُعلن أنه تقاطع مع المعارضة على اسم جهاد أزعور، في جلسة كان يعلم مسبقاً أنها ستحرق آخر أوراق أزعور.
لكن باسيل أراد منها، استدراج الحزب للتفاوض على اسم آخر غير فرنجية، وفي باله، وفق التسريبات، اسم الوزير السابق زياد بارود.
يعلم الجميع، أنه لا يمكن إيصال أي مُرشّح إلى سدة الرئاسة، دون موافقة حزب الله، المتمسك بترشيح فرنجية حتى إشعار آخر، ولذلك ترفض قوى المعارضة، الذهاب إلى حوار محسومة نتيجته سلفاً.
فهل يمكن أن يتخلّى حزب الله عن ترشيح فرنجية؟ كيف ومتى؟
لا يبدو أن الحزب منزعجٌ كثيراً من حالة الفراغ الرئاسي، وهو لا يريد تكرار تجربة ميشال سليمان، ويُصرُّ على إيصال شخص يثق به، كما أعلن ذلك مراراً وتكراراً.
على الجانب الآخر باتت القوى المسيحية خارج الحكم، فالحكومة تجتمع بدون موافقة أو مشاركة التيار الوطني الحر، وباقي القوى المسيحية هم خارج الحكم أصلاً، أما المجلس النيابي فمفتاحه بيد الرئيس نبيه بري.
من الطبيعي أن يسأل حزب الله نفسه، لماذا سيتخلى عن سليمان فرنجية؟ وماذا سيقدم له باسيل مقابل ذلك، خاصة بعد مناورة الابتزاز الأخيرة، التي قام بها بمواجهة الحزب؟ وماذا يمكن أن تقدّم له القوات اللبنانية؟ وهي الخصم اللدود، الذي يتهمه الحزب مع بعض قوى المعارضة مثل فؤاد السنيورة، وأشرف ريفي، بالتآمر على المقاومة.
ثم ماذا يمكن أن تقدم فرنسا، أو السعودية أو مصر أو قطر، أو غيرها من الدول المهتمة بالشأن اللبناني إلى حزب الله، مقابل تخلّيه عن ترشيح فرنجية؟؟
خاصة أن علاقات الحزب مع غالبية هذه الدول، هي أكثر من متوترة، وبعض الدول تُصنّف الحزب، في خانة الإرهاب وفرضت عليه العقوبات، ولا تُبدي رغبة بالتحاور معه (باستثناء فرنسا طبعاً).
البعض يقول أن المسالة تحتاج إلى طبيب خارجي لإنقاذ لبنان، وهذا كلام صحيح، لكن يجب عدم المغالاة بالدور الخارجي، فالشق الداخلي من الأزمة كبير وكبير جداً.
فاجتماع الدول الخمس الأخير لبحث الملف اللبناني، جاءت نتائجه أقل من توقعات بعض الجهات اللبنانية، وهي على ما يبدو خيّبت آمال رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، كما يُفهَم من تصريح مسؤول التواصل الإعلامي في القوات شارل جبور، الذي طالب اللجنة الخماسية، بتسمية من يعطل المسار الديمقراطي، لانتخاب رئيس وفرض عقوبات عليهم.
هذا مع العلم أن القوات اللبنانية مع بعض حلفائها، كانوا قد هدّدوا منذ شهرين، بتعطيل المسار الديمقراطي، إذا وجدوا أن استمرار جلسات الانتخاب، سيوصل سليمان فرنجية إلى الرئاسة.
من الواضح أن القوات اللبنانية، تريد من المجتمع الدولي، التدخل في لبنان مع فريق ضد فريق آخر، وتحديداً ضد حزب الله، وهذا ما لن تفعله الدول الخمس. بدليل أن اجتماع الخماسية الأخير، بدد الآمال، ولم يتخذ موقفاً حاسماً، وبدا عاجزاً عن إيجاد حل للبنان، واكتفى بتشجيع الأطراف اللبنانية على الحوار والتوافق، وبالتلميح إلى عقوبات على المعرقلين.
لكنها تهديدات وعقوبات بعملة قديمة، تشبه تلك الليرات الصادرة عن مصرف سوريا ولبنان، الذي أنشأته فرنسا أيام الانتداب، وباتت اليوم عملة غير قابلة للصرف في أي مكان، سوى كأوراق تذكارية، لدى هواة تجميع الوعود والعملات.
ومن جانبه حزب الله، فقد أعلن بوضوح، أنه غير معني ببيان اللجنة الخماسية.
من الواضح أنّ لبنان بلد غير محكوم بالدستور والقانون، بل بتوازن القوى والتعطيل المتبادل، ولو تم تطبيق الدستور لكان تم انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المُهل الدستورية.
لذلك من الخطأ القول أننا في أزمة نظام، والأصح والأكثر دقة القول: أننا في أزمة حكم.
في هذا الواقع المشؤوم، يبدو أن وحده “الطبيب الأمريكي” في مستشفى الجامعة الأمريكية، بالتعاون مع مختبر الطب النووي الإيراني، سيكونان قادرين على تقديم بعض المسكنات، لتخفيف آلام المريض (لبنان)، لكن لا يمكنهما في الوقت الحاضر، استئصال المرض الطائفي العضال الذي أصابه.
حديث أمريكي مع إيران، بالمباشر أو بالواسطة، ومعها أو مع الحزب لا فرق.
في هذه الحالة فقط يمكن أن يتنازل حزب الله عن ترشيح سليمان فرنجية، والقبول بالبحث في اسم آخر للرئاسة.
لكن المشكلة أن الطبيب الأمريكي، مشغول في مستشفى الحرب الأوكرانية، وانتدب عنه طبيباً فرنسياً، لا يُجاز له الدخول إلى المختبر النووي الإيراني، وعليه الرجوع دائماً قبل أي قرار، إلى استشارة الطبيب الأمريكي، الذي لا يرد على اتصالاته إلّا نادراً، وربما لا يريد له أصلًا، النجاح في مهمته واندفاعاته الشرق أوسطية.
المريض اللبناني بجرحه المالي المفتوح، ينزف كل يوم، ويستهلك من بنك الدم المركزي آخر جرعاته، ولا يوجد متبرعين بالدم، لذا باتت حياته في خطر داهم، خاصة أن عزرائيل التقسيم، المتدثّر بعباءة الفيدرالية، يقرع الباب كل يوم.
في الداخل اللبناني، يبدو أن وحده جبران باسيل، يستطيع أن يكون صانع الرئيس، وفي حالة واحدة فقط، إذا وافق على انتخاب فرنجية.
وباسيل قد يفعل ذلك، بعد أن وصلته إشارات عديدة، جعلته يرتاب حقاً من الدواء الأمريكي والتسويق القطري له، الذي قد يجعل خصمه اللدود، قائد الجيش العماد جوزاف عون، رئيساً للبنان، فتنتعش حينها القوات اللبنانية، وغيرها من القوى المسيحية، وتخرج كافة القوى السياسية رابحة، على حساب خسارة التيار الوطني الرافض والمخاصم لقائد الجيش.
ماذا سيقرر باسيل، وأي دور سيصنع لتياره؟ هل سيختار المشاركة في الحكم مع حلفائه السابقين؟ أم سيغامر بالابتعاد عن حزب الله، ويراهن على تعب الحزب، وهو يعلم أن الحزب لا يتعب من لعبة الانتظار؟؟؟!!!
لبنان ينتظر رئاسة فرنجية!!!
أو قد يتدخّل الطبيب الأمريكي مستعيناً بالمختبر الإيراني، ليقطع الانتظار ويُعلن اسم مرشّح جديد وجدّي، وعندها سيكون لدينا رئيساً، يتقاطر الجميع إلى تهنئته بكرسي بعبدا المخلوع، التي تكسّرت نصال أرجله الأربعة، وبات منزوع الصلاحيات!