المعالج الشعبي.. ودولة البسملة والحوقلة
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

من مسؤولية الحكومات في كل دول العالم تقديم الخدمات الأمنية والتعليمية والصحية وتوفير العدالة وغيرها من خدمات لشعوبها. كما أنه من مسؤولياتها حمايتهم من السلبي والكاذب والملوث من الأخبار التي قد تؤثر في نفسياتهم ومعنوياتهم؛ ولهذا نجد أن حكومات الدول، نصف المتعلمة، تحرص على مراقبة ما يُنشر على وسائل التواصل، وما يُطبع من منشورات لعلمها بأهمية المحافظة على سلامة عقل المواطن ومعنوياته!

***

انتشرت في الآونة الأخيرة فيديوهات لمواطن اشتُهر بـ«المعالج الشعبي»، وكيف أن له باعاً وشراعاً في معالجة آلام الظهر والركب والكسور، وله عشرات الفيديوهات وبضع مقابلات تلفزيونية روَّج من خلالها لطرق العلاج التي يتبعها، وكان ولا يزال يقوم بكل ذلك ــ حسب فهمي ــ من دون ترخيص ولا شهادة ولا مقر، ولم تتحرك جهة لسؤاله عما يفعل، وماذا عن مسؤوليته الجنائية إن تسببت أفعاله في الإضرار بمن يقوم بتقديم العلاج أو المشورة الطبية لهم، وهو غير المرخص، أو إصابة أحدهم بشلل أو وفاة أحد مرضاه، تحت يده ــ كما حدث مع غيره ــ كما أصبح أخيراً يقوم بإخراج الجن من الممسوسين، كما ذكر ذلك بنفسه في فيديو شهير على اليوتيوب!

مزاولة مثل هذه الأنشطة علناً، والتحدث فيها على اليوتيوب والمقابلات التلفزيونية، وعرض تقديم خدمة العلاج حتى في بيت «المريض» أو الممسوس، أمر لا يجوز، ويجب وقفها لضررها على المعالج وعلى من يقوم بتقديم العلاج.

***

لوسائل الإعلام، والصحافة بالذات، دور خطير في نشر الوعي، أو عكسه. وفي هذا الصدد يقول صديق إنه سأل رئيس تحرير «الأهرام» السابق إبراهيم نافع عن سبب قيام قمة صحافية كـ«الأهرام» بالترويج لشخص مثل زغلول النجار، وتُفرِد له عموداً لديها، فرد نافع بأن الناس يقرؤون له وينتظرون ما يكتب؟

وفي القبس (أهرام الكويت) ــ وربما أفضل منها ــ لم تتردد إدارة تحريرها في استضافة عدد من الأكاديميين والسياسيين لصندوقها الأسود، ولم يتردد بعض هؤلاء في الإدلاء بكمٍّ من الأخبار غير الصحيحة، وسرد وقائع لم تقع، وذكر أحداث ادَّعَو مشاركتهم فيها، أو أخبار سمعوا بها، وكل مصادرهم أو شهودهم ممن تُوفُّوا منذ سنوات، ويصبح الوضع مأسوياً لعجز مقدم البرنامج التصدي لسيل أكاذيب بعض هؤلاء، أو غالباً لانبهاره بما كانوا يقولون، وسبق أن كتبنا عن بعض تلك «المغالطات»!

حجة القبس وراء بث مثل هذه المقابلات «الهابطة»، التي سمعتها شخصياً منهم، أنَّ الإقبال عليها عالٍ وتدر دخلاً كبيراً، وتجعل من القبس منبراً عربياً معروفاً! وقد يكون هذا صحيحاً وله صدى ومردود مادي كبير بالفعل، ولكن ما تضمنه الكثير منها من كمٍّ من الأخطاء والادعاءات والوقائع غير الصحيحة يجعل أثرها السلبي والمعنوي والأخلاقي أكبر من فائدتها المادية، خاصةً من منبر مثل القبس، التي لم تكتسب ما تتمتع به من سمعة إلا لبعدها عن الإثارة الرخيصة والمادة الهابطة، ورفضها الكسب المادي على حساب المصداقية، والحقائق التاريخية!

المأساة مؤلمة، والشق عميق، ولا ندري لأي ثقافة تروِّج وسائل إعلامنا، وعلى رأسها تلفزيون الدولة الذي يعطي مئات آلاف الدنانير للمتاجرين بالعقيدة الحزبية الدينية، ويمنع في الوقت نفسه الليبرالي الصادق من الظهور على شاشته، حتى دون مقابل!

يحدث كل ذلك أثناء انشغال الدولة برمتها، تقريباً، في البسملة والحوقلة!

زر الذهاب إلى الأعلى