بايدن في زيارته للرياض طالبا لا مطلوبا
بقلم: تاج الدين عبد الحق

النشرة الدولية –

تاج الدين عبد الحق “رئيس تحرير موقع إرم نيوز”

بين زيارة جو بايدن المنتظرة للمملكة العربية السعودية في الشهر الجاري، والزيارة التي قام بها سلفه دونالد ترامب للرياض قبل أكثر من خمس سنوات، قواسم مشتركة، رغم الفارق الظاهر  بين شخصية ترامب الاستعراضية وشخصية بايدن الباردة، ورغم التغير في الظرف السياسي، والذي يشهد تبدلا في الأولويات وتغيّرا في الاهتمامات.

من حيث الشكل، زيارة بادين للرياض والقمة التي يعقدها مع قادة دول المنطقة على هامشها، تشبه في ترتيباتها زيارة ترامب للسعودية في مستهل ولايته الرئاسية، حيث التقى الرئيس السابق، وقتذاك، بالزعماء العرب وزعماء الدول الإسلامية في بادرةٍ أكدت حينها، أن واشنطن تعود إلى المنطقة من باب الرياض، بعد أن كانت خرجت إبان حكم الرئيس الأسبق أوباما من نافذة سوريا.

بالمَنحى ذاته، وبترتيبات مشابهة تقريبا، تأتي زيارة بايدن للرياض، لا كشريك اقتصادي مهم فقط، بل كبوابة تعبر منها واشنطن للتعاطي مع شؤون وشجون المنطقة، إذ سيعقد الرئيس الأمريكي خلال وجوده في الرياض لقاءً مع زعماء دول عربية، في بادرة تعيد للأذهان تلك القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي عقدها سلفه ترامب في عام 2017.

في الشكل ،أيضا، تأتي زيارة بايدن، على خلفية ثقة مهتزة بين القيادتين السعودية والأمريكية، خاصة بعد النكسة التي أصابت العلاقات العربية الأمريكية خلال فترة حكم أوباما، التي قيل إنها شهدت برودا واضحا، بسبب التراجع في التزامات الإدارة الأمريكية تجاه المنطقه، وفي الأولويات التي حددتها في التعامل مع شؤون المنطقة، وخاصة بعد تجاهل، واستهانة إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك اوباما، بالمخاوف العربية عموما والخليجية خصوصا، تجاه تأثير الاتفاق النووي مع إيران، وما كان يمكن أن يخلقه ذلك الاتفاق من آثار على أمن الإقليم واستقراره .

على أن هذا التشابه في الشكل لا يعني أن زيارة الرئيس بايدن المرتقبة، ولقاءه بالقادة العرب، هي محاولة لبعث الحياة في مخرجات زيارة ترامب والعودة لِما نتج عنها من ترتيبات، كما لا يتوقع استساخ ما نتج عنها من اتفاقات.

فبايدن لا يأتي لإصلاح ما أفسده سلفه، كما فعل الرئيس السابق بإرث أوباما وإستراتيجيته الأمنية والدفاعية في المنطقة، بل يصل الرياض ،هذه المرة، لترميم حالة عدم الثقة التي تعيشها العلاقات العربية بواشنطن، منذ وصوله للبيت الأبيض، وخاصة إزاء ما تعتبره الإدارة الأمريكية الحالية، انتهاكا لحقوق الإنسان، وهي مواقف بدت وكأنها سياسة عِقابية، تأخذ طابعا انتقاميا للعلاقة المتوترة بين ترامب والرئاسة الأمريكية الحالية، وهو طابع طالت ارتداداته العلاقة مع الرياض، وتجسد بسياسة التلكؤ، في تفهم الاحتياجات الأمنية والدفاعية لدول المنطقة.

بهذا المعنى فإن مفاتيح التحول المحتمل في العلاقات السعودية الأمريكية، تتوقف على مدى ما يقدمه الرئيس الأمريكي من ضمانات، حتى لا نقول تنازلات.

فبايدن بعكس سلفه الجمهوري، يأتي للمنطقة هذه المرة طالبا، لا مطلوبا. والفارق بين أن تكون مطلوبا، وبين أن تأتي طالبا، كبير، فالثمن يختلف في كل حالة، إذ إن قيام الرئيس الأمريكي، بزيارة للرياض هو بحد ذاته ثمن سياسي، كان يبدو صعب المنال في بداية عهد الإدارة الأمريكية الحالية، التي كانت تبدي ترددا، لا في إتمام الزيارة بل حتى في إجراء اتصالات هاتفية؛ ما بدا أن فيه استخفافا بمكانة السعودية واستهانة بالهواجس التي كانت تبديها الرياض.

ما يميز زيارة بايدن للرياض، بعد هذه الفترة من التوتر والتردد، أنها تركز على بناء شراكة إستراتيجية متكافئة بين واشنطن والرياض. وعلى عكس ما حققته زيارة ترامب للرياض قبل خمس سنوات، والتي كانت نتائجها الرئيسة تتعلق بالتعاون الثنائي، عبر الاستعداد السعودي السخي لإقامة شراكة اقتصادية، فإن واشنطن تركز هذه المرة على استدراج السعودية للمشاركة في الخطوات السياسية والاقتصادية التي تعمل واشنطن من خلالها، لحشد تأييد عالمي في مسعاها لمواجهة آثار الحرب الروسية على أوكرانيا، ولجم طموحات موسكو لاستعادة دورها كقطب دولي منافس للولايات المتحدة .

ولعل تعثّر الوصول إلى إتفاق نووي جديد مع طهران – والذي كان يبدو وشيكا – هو إشارة مبكرة، إلى أن زيارة بايدن ستشهد نوعا من المقايضة بين المشاركة السعودية المطلوبة في العقوبات الأمريكية على روسيا، وبين الالتزمات الأمنية والدفاعية التي يتعين على إدارة البيت الأبيض الوفاء بها، وعلى رأسها العمل على احتواء إيران ولجم طموحاتها النووية.

وحتى على المستوى الثنائي فإن بايدن يأتي طالبا أيضا، فالأوضاع الاقتصادية التي تمر بها الولايات المتحدة _إنْ على صعيد الطاقة، أو التضخم وأوضاع الاقتصاد_ تتطلب دورا سعوديا متناميا، وهو ما يقلل من فرص بايدن في التردد لطي صفحة الخلافات بين البلدين، وفتح الباب أمامَ فصلٍ جديدٍ يُعيد لعلاقات البلدين زخمَها المعتاد، ويكون في الوقت ذاته مراجعة لمستقبل العلاقة الأمريكية بكامل الإقليم .

 

زر الذهاب إلى الأعلى