توقيف المطران الحاج في لبنان.. سابقة تاريخية تثير غضب الكنيسة
النشرة الدولية –
الحرة – أسرار شبارو –
“بعد عرضي لعدد من الحالات الإنسانية في لبنان، وإذ برسالة تصلني من شاب من بلدة الناصرة، أطلعني فيها عن رغبة الكنيسة هناك بإرسال مساعدة للعائلات المحتاجة وذلك عبر المطران موسى الحاج كما جرت العادة”.. هو موقف حصل مع الشاب زياد الرموز العام الماضي.
زوّد زياد ابن مدينة الناصرة باسمه ورقم هاتفه، فأرسل إليه صورة مغلف عليه ملصق باسمه، وأطلعه أنه سيسلمه إلى المطران الحاج وخلال يومين سيصله، وبحسب ما قاله لموقع “الحرة” “بعدما وصل المطران إلى لبنان تلقيت اتصالاً لكي استلم المغلف، وبالفعل استلمته من دون أن يسألني أحد أي سؤال، لا لمن سأوزع المبلغ الذي في داخله ولا كيف سيحصل ذلك، كل ما سمعته الله يأجرك”.
وصلت الأمانة من العائلات المسيحية في بلدة الناصرة إلى العائلات اللبنانية التي كما يقول زياد “لم تسأل الدولة اللبنانية عنها، في حين أن المطران الحاج حمل لها الخير من أرض المهد، ثلاث عائلات حصلت على الأموال التي كانت بأمس الحاجة إليها” وأضاف “إذا كان ما يقوم به المطران عمالة فهنيئاً له ولنا، أنا أحسده على هذه التهمة وعلى النعمه التي وهبه إياها الرب ليكون خادم أمين ورسول محبة وخير بين أرض المهد وأرض القديسين”.
يعيش نحو 7 آلاف مارونيا في فلسطين، يسكنون في المناطق الشمالية بالقرب من الحدود مع لبنان، وذلك بحسب آخر إحصاءات لـ”مركز المعلومات الوطني الفلسطيني” الذي يشير إلى أن أكبر تواجد للموارنة في فلسطين هو في حيفا حيث يصل عددهم إلى 3500 نسمة، وقد قدموا إليها من لبنان عام 1677.
كما يعتبر الموارنة من أقدم سكان الناصرة المسيحيين، حيث استدعاهم الرهبان اللاتين من لبنان عام 1630 لمساعدتهم في تعمير البلدة، واستعانوا بهم في بناء الدير والكنيسة، ويبلغ عددهم اليوم كما يذكر المركز حوالي ألف شخص، في حين تعيش 44 عائلة مارونية في القدس وتقيم داخل أسوار البلدة القديمة بالقرب من باب الخليل، وفي عكا يبلغ عدد الموارنة 300 نسمة، وقد ذهب الموارنة من لبنان إلى هذه المدينة في بداية القرن السادس عشر الميلادي.
العلاقة بين موارنة لبنان وفلسطين تاريخية، وبعدما اعتاد راعي أبرشية حيفا والأراضي المقدسة، والنائب البطريركي على القدس والأراضي الفلسطينية والمملكة الهاشمية، في الطائفة المارونية، المطران موسى الحاج التنقل بين ضفتي الحدود ونقل المساعدات إلى الشعب اللبناني، تم توقيفه يوم الاثنين الماضي خلال عودته من أبرشيته في الأراضي المقدسة، في مركز الأمن العام اللبناني، وذلك بعد وصوله إلى معبر الناقورة، حيث اخضع لتفتيش دقيق، واستمر التحقيق معه على مدى 12 ساعة قبل أن يعاد إطلاق سراحه.
سابقة تاريخية
بعد توقيف المطران الحاج بقرار من مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكريِّة، القاضي فادي عقيقي، التأم في الأمس وبشكل استثنائي المجمع الدائم لسينودس أساقفة الكنيسة المارونيّة في الصرحِ البطريركي في الديمان، بدعوة من البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، لمناقشة “التعدّي المؤسف والمستهجَن الذي تعرض له المطران الحاج عند مركز الأمن العام الحدودي جنوب لبنان”.
بعد الاجتماع أكد المجمع في بيان أن المطران الحاج احتجز من دون أي اعتبار لمقامه الروحي، “وحققوا معه من دون مبرّر في مركز أمنيٍّ، وصادروا منه جواز سفره اللبناني وهاتفه وأوراقه والمساعدات الطبية والماليّة التي كان يحملها إلى المحتاجين والمرضى في لبنان من كل الطوائف ومن محسنين لبنانيين وفلسطينيين، لأن دولتهم لم تُحسن في السنوات الأخيرة إدارة البلاد لتؤمّن لشعبها حاجاته الأساسية”.
وأضاف البيان أن “البطريركية المارونية ما كانت تظن أنها يمكن أن تصل إلى زمن في جمهورية لبنان الكبير يتم التعرض فيه إلى أسقف من دون وجه حق وخلافا للأصول والاعراف ومن من دون اي اعتبار لشخصه ومقامه ودوره ورسالته ومن دون العودة إلى مرجعيته الكنسيّة العليا التي كان لها ولا يزال الدور الرائد والطليعي في تأسيس هذه الجمهورية واستمرارها”.
وبعد أن رفض المجمع واستنكر بأشد العبارات “ما اقتُرف عن سابقِ تصوّر وتصميم، وفي توقيت لافت ومشبوه، ولغايات كيديّة معروفة، بحق المطران الحاج، طالب بوقف “هذه المسرحية الأمنية، القضائيّة والسياسية، وإعادة كل المساعدات التي احتجزت لتصل الأمانات إلى أصحابها الذين ينتظرونها، وإغلاق هذه القضيّة فوراً، كما طالب بإحالة القاضي عقيقي إلى التفتيش القضائي وتنحيته”.
ما حصل مع المطران الحاج سابقة في تاريخ لبنان غير مألوفة ومرفوضة، بحسب ما يشدد رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو أبو كسم مؤكداً أنه لم يسبق أن تعرض مطران لما تعرض له المطران الحاج، وشرح في حديث لموقع “الحرة” ” يعود للحبر الروماني فقط محاكمة الأساقفة في القضايا الجزائية، وذلك استناداً الى مجموعة قوانين الكنائس الشرقية المعترف بها من قبل الدولة اللبنانية، وبالتالي لا يحق لاي قاضي في لبنان محاكمة أي مطران”.
وفيما إن كان توقيف المطران الحاج يحمل في طياته رسالة إلى البطريرك الراعي كما اعتبر البعض، علّق الأب أبو كسم “إذا كان الأمر كذلك، فإن جوابنا أن ليس لدى البطريرك لا مطارنة ولا كهنة صندوق بريد ترسل عبرهم الرسائل، إذ بامكان الجميع التحدث مع البطريرك علناً وبشفافية ومن دون أي رسائل”.
كما رفض الأب أبو كسم وصف البعض لما يقوم به المطران الحاج بأنه تطبيع مع الجانب الاسرائيلي، مؤكداً على التزام الكنيسة بسياسة الدولة “ولا مرة حاولت الكنيسة التطبيع مع دولة عدوة بل على العكس ساهمت باستقلال لبنان وما تزال تنادي به، (وقصة التطبيع يخلوها لغيرنا مش لالنا)”.
نفي وتوضيح
تداولت أخبار صحفية دعوة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة القاضي فادي عقيقي للمطران الحاج للاستماع إلى أقواله اليوم، واشتراط المطران تسليمه ما جرى حجزه في الناقورة في المقرّ الأمني، إلا أن القاضي عقيقي نفى ذلك في حديث صفحي مؤكداً أنه “ليس على علم بما ورد إعلامياً”.
واعتبر عقيقي أن “الأموال التي كان ينقلها المطران الحاج، والتي بلغت نحو 460 ألف دولار، هي ليست ملك الكنيسة إنّما مصدرها من عملاء مقيمين في إسرائيل يعمل غالبيتهم لصالح العدو في الأراضي المحتلة وهي تخضع للأحكام القانونية اللبنانية المتعلّقة بكلّ ما يدخل لبنان من الأراضي المحتلة وتطبق على كل قادم منها”، وإذ اكد القاضي احترامه للكنيسة، أشار إلى أن “هناك قانون مقاطعة إسرائيل ومن واجبي بصفتي قاضٍ أن أطبّقه”.
كما أشارت المديرية العامة للأمن العام إلى أن “ما قامت به عناصر المديرية في مركز الناقورة الحدودي مع المطران الحاج، هو إجراء قانوني تنفيذاً لإشارة القضاء من جهة، والتعليمات الخاصة بالعبور من وإلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي يخضع لها كل العابرين دون استثناء، من جهة ثانية”.
وأوضحت المديرية في بيان صدر اليوم أنه “منذ اللحظة الأولى التي تبدأ فيها إشارة القضاء المعني بالتنفيذ، يصبح المحقق العدلي في مركز الأمن العام بتصرّف المرجع القضائي صاحب الإشارة طيلة فترة التحقيق حتى إقفال الملف”.
كما نفت ما تناقلته بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عن أن اتصالا وحوارا أجراه المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بالبطريرك الماروني، على إثر ما حصل مع المطران الحاج معتبرة أن “ما ورد في التسريبات المزعومة هو من نسج الخيال، يستبطن نوايا خبيثة تهدف إلى الدخول على العلاقة الممتازة القائمة بين الصرح البطريركي والمدير العام للأمن العام، كما تحاول يائسة دك إسفين في علاقة التعاون والتنسيق اليومي القائمة بين قادة ورؤساء الأجهزة العسكرية والأمنية”.
وبعد أن تداولت معلومات أن جزءاً من الأموال التي صودرت مع المطران الحاج تعود لشيخ العقل أبي المنى، نفى المكتب الإعلامي للمشيخة الأمر، مؤكداً أن لا معرفة سابقة لابي المنى بالمطران الحاج، و”إن كان على علم، كما الكثيرين، بالعمل الإنساني الذي يقوم به مشكوراً”.
عاصفة ردود
أثار توقيف المطران الحاج عاصفة ردود في لبنان، حيث شن رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، هجوماً على القاضي عقيقي، معتبرا أن “المطلوب من رئيس مجلس القضاء الأعلى ومدعي عام التمييز وضع حد لتصرفات القاضي عقيقي وصرف النظر عن استدعاء المطران الحاج والاستماع إليه”.
وأضاف في بيان “المطران الحاج هو نائب بطريركي على القدس والأراضي الفلسطينية والمملكة الهاشمية، ومن صلب مهامه زيارة الأديرة المارونية في تلك الديار والاطلاع على شؤونها وترتيب أمورها”، ورأى أنّ استدعاءه إلى التحقيق في المحكمة العسكرية “ليس انطلاقاً من شبهة أو دليل أو قرينة ما، بل نعده رسالة إلى غبطة البطريرك الراعي انطلاقا من مواقفه الوطنية”.
من جانبه وصف الرئيس أمين الجميل توقيف المطران الحاج واستدعاءه للتحقيق أمام المحكمة العسكرية، بأنه “طعنة موصوفة سددها فكر بائد سياسي- قضائي- أمني ضد ما يمثله سيادة راعي أبرشية الأراضي المقدسة من قيمة ودور، من خلال رعايته أحوال الموارنة، وأيضا سائر الطوائف المسيحية والمسلمة في القدس والأراضي الفلسطينية”.
وأشار في بيان إلى أن “الأجهزة القضائية والأمنية بتوصية سياسية، مصممة على أن تثبت قدرتها وتمارس سلطتها على فريق واحد يجري استهدافه من غير وجه حق، في وقت يتمتع المطلوبون للعدالة بكل وسائط الحماية والتكريم والترفيع”.
كما دان “التيار الوطني الحر” التعرّض للمطران الحاج، مطالباً بالمبادرة فوراً إلى “تصحيح الخطأ الجسيم الذي إرتكب بحقه”، وأوضح في بيان أن “مهام المطران الحاج الراعوية لا تنفصل عن أهداف الكنيسة الحاضنة لكل أبنائها، ولا تحتمل لا تأويلاً ولا مصادرة. فكيف إذا كان جلّ مراده مساعدة لبنانيين أفقرهم زعماء تآمروا عليهم وسرقوا أموالهم وسلبوا مستقبلهم، يغطّونهم قضاة متخاذلون ومسؤولون متواطئون ومتورطون حتى النخاع؟”
أما النائب أشرف ريفي فغرّد عبر “تويتر” كاتباً أنه “كالعادة، يستعمل حزب الله المحكمة العسكرية لتمرير رسائل الترهيب، وهذه المرة طالت النائب البطريركي موسى الحاج في رسالة للكنيسة المتمسكة بالسيادة” وأضاف إن “الممانعة تعيش على اتّهام المسيحيين بالعمالة، والسنّة بالداعشية، والشيعة الأحرار بشيعة السفارات”.
أما الوزير السابقة مي شدياق، فذكّرت في تغريدة أن “عام 2000، هدد نصرالله: سنذبحهم في فراشهم! والتسجيلات موجودة. الرئيس ميشال سليمان وعد بحل للمبعدين قسراً لإسرائيل لكن تسييس القضاء ردعهم. دعم هؤلاء أهلهم في لبنان بالمال والدواء ليس ذنباً إنما إدانتهم كلائحة عملاء وتوقيف المطران الحاج هو الذنب! التهريب يحصل من سوريا وإيران. بكركي خط أحمر”.
وفي موقف متمايز غرّد رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط كاتباً “أياً كانت الملابسات وراء توقيف المطران الحاج، إلا أنه من المفيد التنبيه بأن المعالجة الهادئة أفضل من هذا الضجيج، وأن احترام المؤسسات في هذا الظرف الصعب فوق كل اعتبار” وأضاف “من ناحية أخرى، نرفض الاستغلال الاسرائيلي لمقام رجال الدين في محاولة تهريب الأموال لمآرب سياسية”.
كلام جنبلاط استدعى رداً من النائب السابق فارس سعيد، حيث علّق على التغريدة كاتباً، “وليد ييك، لك منّا محبّة وصداقة واحترام وسنبقى أوفياء لما قمت به في الـ2005، المطران الحاج لا يعمل لدى الاسرائيليين لتنفيذ مآرب سياسية، إنه رجل دين يساعد الناس و لا يحمل أي خلفية سياسية”.