خطة نواب الحاكم: تهرب من المسؤولية ورمي “كرة النار” إلى الحكومة والبرلمان

النشرة الدولية –

لبنان 24 – هتاف دهام –

قدّم نواب حاكم مصرف لبنان، أمس، إلى لجنة الإدارة والعدل النيابية، خطّة نقدية مالية بجدول زمني ستة أشهر، تقوم على إعادة النظر في مشروع الموازنة، وإقرار قوانين للتحكم في تحركات رأس المال (كابيتال كونترول)، وإعادة هيكلة المصارف، ومعالجة الفجوة المالية، بالإضافة إلى حماية الودائع.

كذلك، تضمّنت خطة نواب حاكم البنك المركزي الأربعة التعاون بين مصرف لبنان ومجلس النواب والحكومة لضبط سوق الدولار، وتحديد سعر الصرف بطريقة “مدارة” على منصة تبادل معترف بها دولياً، بحيث تعكس القيمة الحقيقية لليرة اللبنانية، كما التنسيق بين مصرف لبنان والبرلمان والحكومة لتحسين عمق سوق الصرف الأجنبي. واقترحت الوثيقة أيضاً إنشاء منصة إلكترونية جديدة (بدلاً من «منصة صيرفة») للصرف الأجنبي،لكنها قالت إن المصرف سيواصل شراء الدولار في السوق كلما أمكن ذلك لتجنب الاعتماد على الاحتياطيات لدعم الليرة.

وتدعو الخطة إلى “إصلاحات مالية كبرى، وإصدار عدد من القوانين التشريعية المالية الإصلاحية التي تتطلبها هذه المرحلة التي تمرّ بها البلاد، واعتماد معايير محددة من شأنها أن تساعد في خلق طلب على الليرة اللبنانية، على أن تلتزم الحكومة والبرلمان بإقرار هذه القوانين وتنفيذها لإعادة بناء الثقة وتأمين إيرادات إضافية من إطار ميزانيتها لسداد القرض المستحق حديثاً”. واعتبرت أن ميزانية 2023 يجب إقرارها في نهاية آب المقبل، وإقرار ميزانية العام المقبل بحلول نهاية تشرين الثاني المقبل.

لم تلق الخطة تأييدا من عدد من النواب اعضاء اللجنة علما ان نواب الحاكم طالبوا بألا ترمى عليهم المسؤولية وأن تكون المسؤولية جماعية مشتركة. وبينما يتجه رئيس اللجنة النائب جورج عدوان الى التقدم باقتراح قانون لرفع السرية عن كل محاضر المجلس المركزي، حتى تكون الأمور والمواقف أكثر وضوحاً وشفافية، ويبنى على أساسه الموقف، كان لافتا موقف “اللقاء الديمقراطي”، حيث دعا النائب هادي ابو الحسن الى الذهاب بكل جرأة الى تعيين حاكم لمصرف لبنان ويكون هناك سلطة متكاملة في المجلس المركزي من الحاكم إلى اعضاء المجلس المركزي يتحملوا مسؤولياتهم وفق قانون النقد والتسليف.

إن التحضيرات لما بعد انتهاء ولاية الحاكم المركزي رياض سلامة واستلام نائبه وسيم منصوري بالتعاون مع باقي نوّاب الحاكم إدارة مصرف لبنان خلفًا لسلامة، تجري على قدم وساق، والزوبعة التي أثيرت في بيان سابق لهم مع تلويحهم بالاستقالة لم تكن بالجدّية المطلوبة إنما بهدف الضغط للحصول على الدعم السياسي المطلوب، بحيث جاءت اجتماعاتهم مع لجنة الإدارة والعدل ترجمةً لذلك.

إن ما بين أن يستلم المجلس المركزي مهام الحاكم مؤقتًا أو الشغور، فإن الخيار الأول هو الأسلم بغضّ النظر عن ثغراته القانونية لما للشغور من تداعيات كارثية تصبّ في مسار تفكك الدولة والركائز الأساسية التي يقوم عليها مصرف لبنان، يقول المحاضر في كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية الدكتور ايمن عمر لـ”لبنان24″.

بالنسبة إلى عمر، فإن نواب الحاكم الأربعة يستميتون للتملّص من مسؤوليتهم عن الأزمة بكل تداعياتها وتحميل سلامة وحده عبء قرارات المصرف المركزي، علماً أن هؤلاء لم يعترضوا مرة واحدة على أيّ تعميم أو قرار صدر عن الحاكم، رغم أن قانون النقد والتسليف يجيز لهم ذلك وفق المادة 32 التي تنصّ على تعليق أيّ قرار لمدّة 3 أيام بناءً على طلب أيّ نائب حاكم، وهو عبارة عن إعلان موقف من القرار المتّخذ وحركة اعتراضية عليه.

إن الخطّة التي قدّمها نوّاب الحاكم تعني حكمًا ، بحسب عمر، نسف كل السياسات والإجراءات السابقة برمّتها والبدء بعهد جديد في مصرف لبنان قوامه خطّة واضحة المعالم والأهداف ولديها شرعيّة قانونيّة من مجلس النوّاب بحيث يتحمّل نوّاب الأمة مع نوّاب الحاكم المسؤولية مجتمعين، وهذه هي شروط النوّاب الأربعة لاستمرارهم في مناصبهم.

أهميّة الخطّة أنها واضحة. وقد قسمت إلى 3 أجزاء: مراجعة الموازنة. إصلاحات ماليّة. والتنيسق بين مصرف لبنان والحكومة لتحسين عمق سوق الصرف الأجنبي. واللافت، بحسب الاستاذ الجامعي الدكتور ايمن عمر، أن الجزء الأساسي من الخطة يتصل بقضايا في السياسة المالية وهي تدخل من ضمن الصلاحيات التي أقرتها المادة 71 من قانون النقد والتسليف والتي تنصّ على أنه: ” يتعاون المصرف المركزي مع الحكومة ويقدم لها كل مشورة تتعلق بالسياسة المالية والاقتصادية بغية تأمين الانسجام الأوفر بين مهمته واهداف الحكومة”. أما في موضوع الموازنة، فقد طالبت الخطة بالتّوازن بين جانبيّ الإيرادات والنفقات بقيمة 181.9 تريليون ل ل بما يعادل 2 مليار دولار بمتوسط إيرادات شهري 15 تريليون أي 164 مليون دولار شهريًا وفق سعر صرف 92.000. وفي المسألة صعوبتان كبيرتان يتعذر تحقيقهما:

– الأولى تتصل بمدى القدرة على تحقيق التوازن بين الإيرادات والنفقات، وهذا الأمر لم يتحقق في كل تاريخ لبنان الحديث، بالإضافة إلى عدم القدرة على تحقيقه وخاصّة في ظلّ الأزمات. فالمطالبة بالتوازن بين الإيرادات والنفقات يعني زيادة الإيرادات بحوالي 34.2 تريليون لتغطية قيمة العجز المقدّر، إذ تبلغ الإيرادات المتوقعة بحسب مشروع الموازنة 147.7 تريليون. وما يعني ذلك مزيدًا من الضرائب والرسوم وإرهاق المواطنين، مع الإشارة الى ان نواب الحاكم الاربعة طالبوا بإقرار موازنة 2024 قبل نهاية تشرين أول 2023، مع أن موازنة 2023 لا شيء يضمن إقرارها قبل هذا التاريخ.

– الثانية تتصل باستحالة تثبيت سعر الصرف عند 92.000 خلال عام 2023 بأكمله، عام الموازنة. ومن المتوقع أن يشهد سوق القطع بعد انتهاء ولاية سلامة نوعًا من الخضّات والاهتزازات بسبب خوف السوق واختلال الثقة فيه.

تطالب الخطّة بإقرار بعض القوانين الإصلاحية مثل قانون الكابيتال كونترول قبل نهاية آب 2023، وإقرار قانون معالجة الفجوة المالية قبل نهاية أيلول، وطريقة لحماية أموال المودعين وغيرها. ومن المعروف أن هذه المطالبة بتنفيذ هذه القوانين والإصلاحات مستمر منذ بدء الأزمة، وإلى الآن لم تجد طريقها إلى التنفيذ فكيف ستنفّذ بهذه السرعة القصوى، يسأل عمر.

 

وفي المحصّلة ورغم أهمية الخطّة واهدافها، بدا وكأن نواب الحاكم يقترحون إجراءات ومطالب تعجيزية من الصعوبة بمكان تحقيقها أو تحقيق بعضها في الفترة الزمنية المقترحة، وكل ذلك يهدف بحسب عمر، إلى رمي كرة النار الملتهبة في اتجاه الحكومة ومجلس النوّاب والتهّرب من مسؤولياتهم، في محاولة لإيهام الرأي العام أنهم غير مسؤولين عمّا سيحدث من انهيارات لاحقة في عهدهم، مع الإشارة إلى أن عمر يبدي في الوقت نفسه خشية

من أن تكون هذه الخطة هي المبرر للتمديد لسلامة.

زر الذهاب إلى الأعلى