كل شيء مباح في صراع إسرائيل وإيران إلا “الحرب”
اغتيالات وتهديدات ومعارك سيبرانية رداً على "البرنامج النووي" واستخبارات البلدين تخترق أرفع دوائر صنع القرار
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية – سوسن مهنا –
في سبتمبر (أيلول) عام 2000، عرضت منصة “آبل تي في” مسلسل “طهران” الإسرائيلي، الذي يحكي قصة عميلة لجهاز الاستخبارات “الموساد” تذهب إلى طهران للمساعدة في تدمير برنامج إيران النووي، ويتحدث العمل الذي أنتجته شبكة التلفزيون الإسرائيلي العامة عن حال العداء بين إيران وإسرائيل، وأدت دور العميلة لجهاز الموساد الممثلة نيف سلطان، ذات الأصول الإيرانية.
بحسب المسلسل ترسل العميلة، وهي من أفضل قراصنة الحواسيب “الهاكرز”، في مهمة سرية وحساسة إلى إيران لاختراق برنامج طهران النووي والمساهمة في القضاء عليه. وبحسب تقرير لـ”فورين بوليسي” الأميركية حينها فإن الحبكة لا تقوم فقط على العداء بين البلدين، بل وتستعرض أيضاً جذور نحو 140 ألف إسرائيلي تعود إلى إيران، في حين لا يزال يعيش قرابة عشرة آلاف يهودي هناك كأقلية، بعد أن كانت أعدادهم تتجاوز الـ80 ألفاً في أربعينيات القرن الماضي.
على الرغم من أن عدداً من أصابع الاتهام وجهت في الواقع إلى إسرائيل بأنها مسؤولة عن تفجيرات أو حرائق وقعت في منشآت إيرانية نووية في السنوات الماضية، وهو أمر لم تؤكده إسرائيل أو تنفه، فإن هذا العمل الدرامي قد يجعل المشاهد يجري مقاربة لما يحدث ما بين الواقع والخيال، كما أن فكرة حصول تعاون إسرائيلي – إيراني في مسلسل تلفزيوني أو أي مجال آخر غير واردة بتاتاً في الوقت الراهن، لكن كاتب مسلسل “طهران”، موشيه زوندر، صرح حينها لـ”وكالة الصحافة الفرنسية” أن العمل عبارة عن “إنتاج ثقافي مشترك”. ويوضح زوندر، “نتحدث الفارسية أكثر من العبرية في مسلسل طهران، لذا يروق لي أن أصنف المسلسل على أنه إسرائيلي – إيراني إلى حد ما، مع أن ذلك غير رسمي”.
حرب سرية باردة
أثر تداول خبر اقتراب إيران من حصولها على القنبلة النووية العام الماضي على إسرائيل، التي هددت في أكثر من مناسبة وبوضوح باستهداف طهران وتسديد ضربات لها للتصدي لما سمته “التهديد النووي الإيراني”، إذ صرح رئيس الأركان أفيف كوخافي بالقول إن “تل أبيب تعمل على وضع مخططات وسيناريوهات للتعامل مع المحاولات الإيرانية لتطوير قنبلة نووية”.
التهديدات بين الطرفين رافقتها موجة اغتيالات طاولت عدداً من القادة في “الحرس الثوري” الإيراني، واتهمت طهران تل أبيب بالضلوع بتلك الاغتيالات، إضافة إلى حوادث وتفجيرات واختراقات سيبرانية هزت مواقع نووية متعددة، وخلال الـ12 عاماً الأخيرة فقدت إيران عدداً كبيراً من كبار العلماء والقادة والسياسيين في عمليات اغتيال، وفي كل مرة كانت طهران تشير بأصابع الاتهام إلى أجهزة استخبارات دولية على رأسها “الموساد” الإسرائيلي.
حرب التصريحات لا تزال مستمرة، لكنها لم تؤد إلى معركة عسكرية مفتوحة، بل يبدو أن الطرفين قررا أن يخوضا حرباً سرية باردة، قد يكون أثرها أعمق، وهي حرب الاستخبارات والتجسس التي تصدرت الأخبار، وكشفت مدى تغلغل الطرفين المتصارعين في الدوائر السرية المغلقة لكل منهما.
مسؤول استخباراتي إيراني جاسوساً
في شهر يونيو (حزيران) 2021، قال الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، إن مسؤول مكافحة إسرائيل في وزارة الاستخبارات الإيرانية كان جاسوساً لتل أبيب. وأضاف نجاد في مقابلة بالفيديو أن ذلك جعل إسرائيل تنجح في تنفيذ عمليات تجسس کبیرة في إيران، من بینها الاستيلاء على وثائق نووية وفضائية من مراكز حساسة. وأشار إلى تفاصيل ما سماه “عملية إسرائيل المكثفة” داخل إيران، لافتاً إلى وجود “عصابة أمنية” رفيعة المستوى في بلاده.
وأضاف نجاد، “هذه العصابة الأمنية الفاسدة عليها أن تشرح دورها في اغتيال العلماء النوويين والتفجيرات في نطنز. لقد سرقوا وثائق مهمة للغاية في تورقوز آباد، وفي منظمة الفضاء. هذه ليست مزحة، هذه وثائق أمن البلاد، لقد جاؤوا وأخذوها”. وتحدث عن سرقة وثائق من منظمة الفضاء الإيرانية قائلاً “إنها كانت في خزانة مكتب رئيس هذه المنظمة، فتحوا السقف ودخلوا وفتحوا الخزانة وأخذوا الوثائق”.
وجاءت تصريحات نجاد بعد يومين من حديث رئيس “الموساد” السابق، يوسي كوهين، عن نفوذ الاستخبارات الإسرائيلية في البرنامج النووي الإيراني، بما في ذلك قوله إن الموساد كان يراقب العالم النووي محسن فخري زادة لسنوات، وکان قریباً منه جسدياً قبل اغتياله في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020. وبشأن عملية الموساد، يناير (كانون الثاني) 2018، وسرقة عدد كبير من الوثائق النووية الإيرانية من مستودع في ضواحي طهران. قال كوهين إن العملية، التي كان من المفترض أن تنتهي في سبع ساعات، ضمت 20 شخصاً من عملاء “الموساد” حضروا في موقع العملية ولم يكن منهم إسرائيلي واحد، وكل هؤلاء العملاء على قيد الحياة وبعضهم غادر إيران.
وفي السياق، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، خلال حديثه مع مجلة “إيكونوميست”، يونيو الماضي، هذه الاستراتيجية بأن “تل أبيب باتت تعتمد معادلة جديدة في المنطقة، إذ تطبق عقيدة الأخطبوط، مستهدفة إيران بشكل مباشر لا أذرعها”. وأشار إلى ما وصفه بـ”حرب الظل” التي تخوضها إسرائيل ضد إيران منذ نحو أربعة عقود، قائلاً، “نطبق عقيدة الأخطبوط. لم نعد نلعب مع المخالب، مع وكلاء إيران، لقد أنشأنا معادلة جديدة من خلال استهداف المنبع”.
طهران تستعمل السلاح نفسه
صحيح أن طهران أعلنت في أكثر من مناسبة عن إلقاء القبض على جواسيس ومتعاونين مع أجهزة استخبارات أجنبية، وأخيراً أعلنت السلطة القضائية عن اعتقال من وصفتهم بأنهم “جواسيس” لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد”، متهمة إياهم بالتخطيط لاغتيال علماء نوويين إيرانيين، لكن طهران لم تقف مكتوفة الأيدي ونجحت بدورها في اختراق تل أبيب وقررت محاربتها بالسلاح نفسه، إذ جندت مجموعة من العملاء والجواسيس لاختراق دوائر تل أبيب المغلقة.
وكان ما تحدثت عنه أجهزة الأمن الإسرائيلية، نوفمبر 2021، حيث ألقي القبض على عامل تنظيف يعمل في منزل وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، لاستجوابه بتهمة مساعدة “كيان تابع لإيران”، وفقاً لبيان مشترك صادر من جهاز الأمن العام الإسرائيلي والشرطة.
ففي الأيام التي سبقت اعتقاله، قام عامل النظافة، الذي سمته الشرطة على أنه المواطن الإسرائيلي عمري غورين، بالتواصل عبر شبكة اجتماعية مع جهة اتصال “مرتبطة بإيران” وعرض مساعدته، بما في ذلك إمكانية إصابة جهاز كمبيوتر يستخدمه الوزير بالبرمجيات الخبيثة. ولإثبات وصوله، قام منظف المنزل “بتصوير عدد من العناصر في أماكن مختلفة في منزل الوزير، وأرسلها إلى المصدر المذكور، بما في ذلك صور أجهزة الكمبيوتر الخاصة”، وبحسب البيان فإن غورين لم يتمكن في أي وقت من الوصول إلى مواد سرية بسبب “إجراءات أمن المعلومات في منزل الوزير”.
وفي شهر مارس (آذار) 2021، قبضت السلطات الإسرائيلية على رجل إسرائيلي يشتبه في اتصاله بالاستخبارات الإيرانية. ويقول جهاز الأمن العام الإسرائيلي “الشاباك” إن هذا الشخص عقد اجتماعات عدة في الخارج مع مسؤولي الاستخبارات الإيرانية، وحصل منهم على أموال ودرب على العمل السري والتشفير، وطلب منه تقديم معلومات عن أمور مهمة في إسرائيل منها مواقع عسكرية واستراتيجية.