تعيين حارس قضائي على مصرف لبنان تعد على سلطة مجلس الوزراء.. عدم تسيير أعمال “المركزي” يرتب على نواب الحاكم مسؤولية جزائية

النشرة الدولية –

لبنان 24 – هتاف دهام –

سيكون يوم الإثنين المقبل آخر يوم لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة في موقعه، فيما التقى نوّاب الحاكم الأربعة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اليوم، تمهيداً للجلسة الوزاريّة التي ستنعقد غدا الخميس، وذلك لإبلاغه موقفهم النهائي بشأن استقالتهم التي، إذا حصلت، لن تبدّل في واقع الأمور كثيراً لأنّهم سيكلّفون حتماً بتسيير الأعمال، علما أن رئيس مجلس النواب نبيه بري أكد للرئيس ميقاتي أمس وجوب عقد جلسة للحكومة لتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان. في حين أن حزب الله يرفض التعيين أسوة بالقوى المسيحية ويعتبر أن النائب الأول للحاكم وسيم منصوري سيتولى مهمة الحاكم.

“في الاساس تقتضي الأصول انتخاب رئيس الجمهورية وانبثاق حكومة أصيلة فاعلة بدل وضع حكومة تصريف الاعمال اما خيار القيام بتعيينات لا تعود إليها أصلا”، يقول المحامي الدكتور بول مرقص رئيس مؤسسة JUSTICIA والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ لـ”لبنان24” ، ولكن “إذا بنت الحكومة الحالية قرارها في ضوء ضرورة ماسة استثنائية بسبب أضرار فادحة وأخطار جدية محدقة بالمرفق العام النقدي والمصرفي تبرر إجراء تعيينات ضرورية جدًا ولا تحتمل التأجيل، فإستثنائيًا ورغم المبدأ العام القاضي بتصريف الأعمال بصورة ضيقة كما ورد في دستور 1990 غداة اتفاق الطائف، نعم يمكن لحكومة تصريف الأعمال القيام بذلك لا بل من واجبها القيام بهذا التعيين في هذه الحالة الاستثنائية حفاظًا على ما تبقى من استقرار نقدي ومصرفي في لبنان، ومنعًا لمزيد من الإنهيارات والمحافظة على استمرار المرفق العام وتدارك انهياره بالكامل”. ومع ذلك يأمل مرقص “ألا يكون هناك مضاربة مصطنعة على الليرة من أجل الذهاب الى خيارات استثنائية كهذه لا يحبذها ويجب استبعادها قدر الإمكان”.

 

يقول:”سبق أن حصلت سوابق كما مع إحدى حكومات الرئيس سليم الحص وفي إحدى حكومات الرئيس نجيب ميقاتي يوم تم تعيين هيئة الإشراف على الإنتخابات النيابية في سابقتين واحدة ما قبل اتفاق الطائف وأخرى ما بعد الإتفاق. أن حكومة تصريف الأعمال بحاجة لهكذا تعيين إلى ثلثي أعضاء الحكومة وفقًا للمادة 65 من الدستور على أن يترك حلفان اليمين، اذا ما حصل هذا التعيين المؤسف في هكذا ظروف إلى ما بعد انتخاب رئيس للجمهورية أسوة بسوابق منها ما حصل مع رئيس لجنة الرقابة على المصارف سابقا”.

ومع ذلك يعتبر مرقص” أن هذا التعيين إن حصل ولو حتمته الضرورة سيترك اختلافا في الرأي وربما طعنا أمام مجلس الشورى”.

وبانتظار نتائج اجتماع السراي اليوم بين ميقاتي ونواب الحاكم الاربعة الذين يلوّحون بالاستقالة، فإن مرقص يعتبر” أنه إذا حصل اذا أصر نواب الحاكم على عدم تسيير أعمال المصرف، وهو الأمر المستبعد، لأنه يرتب عليهم مسؤولية جزائية، معتقدا انهم يدركونها تماماً ويدركون مسؤولياتهم، فإنه يمكن للحكومة أو هيئة القضايا أو أي طرف متضرر من الفراغ في مصرف لبنان، تقديم طلب لمجلس شورى الدولة، وهو القضاء الإداري الذي لديه صلاحية التدخل في هذه الحالة وفقًا للمادة 65 من نظام مجلس شورى الدولة. وبموجب هذه المادة، ينظر مجلس شورى الدولة في النزاعات المتعلقة بقضايا الموظفين المعينين بموجب مرسوم، وبإمكانه أن يصدر قرارًا يسمح بتعيين مدير أو مسؤول مؤقت لتسيير أعمال المصرف ومنع حدوث فراغ في منصب الحاكم”. ومع ذلك، فإن مرقص الذي يشرح هذا السيناريو لا يوافق عليه ويستبعده.

في سابقة مشابهة في تاريخ 8/07/2013، وإن كانت لا تنطبق على مصرف لبنان، أصدر قاضي الأمور المستعجلة في بيروت حكمًا لافتًا بتعيين إدارة مؤقتة لشركة تلفزيون لبنان .وكانت الحكومة المستقيلة قد تقدمت بدعوى طلبت فيها تعيين مدير مؤقت للشركة بسبب انتهاء ولاية أعضاء مجلس الإدارة الحاليين من دون أن تكون الحكومة قادرة على تعيين بدائل عنهم.

وعليه يعتبر البعض أنه يمكن استخدام هذه السابقة، لإبراز أن المدير الإداري المؤقت يمكن أن يُعيَّن في حالات الفراغ لتسيير المؤسسات والمصالح العامة. وبالتالي، في حالة الفراغ في مصرف لبنان، يمكن لمجلس شورى الدولة على ما جاء في المادة 66 من نظامه أن ينظر على وجه العجلة ويصدر قرارًا يسمح بتعيين مدير أو مسؤول مؤقت لتسيير أعمال المصرف ومنع حدوث فراغ في منصب الحاكم، وذلك لضمان استمرارية عمل المصرف وحماية المصالح المالية والاقتصادية في البلاد، الا ان هذا الامر بالنسبة الى مرقص “ليس هو الحل الامثل بالنظر إلى ضرورة وجود حاكمية فاعلة لمصرف لبنان وليس إدارة تقليدية موقتة”.

في هذا الوقت، يقول أكثر من مرجع قانوني ودستوري أن الشغور في منصب حاكم المصرف المركزي يعالجه قانون النقد والتسليف. في حين أن “التيار الوطني الحر” يرى أن المخرج بتعيين حارس قضائي تتفق عليه القوى السياسية.

فما هي الحراسة القضائية؟

يقدم الدكتور مرقص تعريفا للحراسة القضائية من دون ان يتبنى مخرج تعيين حارس قضائي على مصرف لبنان. ويقول”إن الحراسة القضائية، مرقص، هي إجراء قضائي وتدبير احترازي مؤقت تتمثل في إيداع ما قد يكون متنازع عليه من أموال منقولة أو غير منقولة في يد شخص ثالث. وقد تتخذ ألحراسة القضائية شكل الإدارة الكلية أو الجزئية على الشيء موضوع الحراسة، وذلك وفقًا للمهمة التي تم إيلاؤها إلى الحارس القضائي، كما ويتطلب نجاح الحراسة القضائية أن تتم وفقًا لعناية إدارية ومالية ومحاسبية أصولية، وذلك صيانةً للمال وضماناً لحسن إدارته وحفظه”.

وسنداً للمادة /720/ من قانون الموجبات والعقود، يعهد في الحراسة إلى شخص يتفق جميع ذوي الشأن على تعيينه، كما ويمكن أيضاً تعيينه من قبل القاضي الذي يمكنه أن يقرر تعيين حارس للشيء الذي يكون موضوع نزاع أو موضوع علاقات قانونية مشكوك فيها إلى أن يزول النزاع أو الشك، أو يمكنه أن يعين حارسًا للشيء الذي يعرضه المديون لإبراء ذمته. كما يمكن للقاضي أيضًا أن يعيّن حارسًا قضائيًا للأموال المنقولة وغير المنقولة التي يخشى صاحب الشأن لأسباب مشروعة، أن يختلسها واضع اليد عليها او يتلفها او يعيبها.

ان حقوق الحارس وموجباته تحدد في قرار المحكمة القاضي بتعيينه، وإلا فهي تخضع للقواعد المختصة بالحارس الاتفاقي، وعلى هذا الأساس يمكن تعيين أحد طرفي الخصومة حارساً قضائياً في حال اتفاق الفريقين على ذلك ، وإذا رأى القاضي أن في تعيينه مصلحة أكيدة وظاهرة ولمس عنده الخبرة وحسن الإدارة أو كانت قيمة المال موضوع النزاع لا تحتمل نفقات الحراسة، وإذا عين أحد الفريقين حارسا قضائيا فيمكن أن يضاف إليه شخص آخر أجنبي عنهما ويلجأ إلى هذا التدبير للمؤسسات والشركات التي تتطلب خبرة خاصة في إدارتها وتسيير أعمالها، وللحارس القضائي مهمة محدّدة في قرار تعيينه، أي أنه بمثابة مدير إداري مؤقت، ومن الصعب والمستبعد أن تشمل مهمته رسم السياسة النقدية للبلاد وفق ما تنص عليه المادة 70من قانون النقد والتسليف، كالحفاظ على سلامة النقد اللبناني، والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، كما الحفاظ على سلامة أوضاع النظام المصرفي، وغيرها من المهام التي تتطلب وجود حاكم دائم ذو خبرة وإمكانيات.

ووفقًا لعدد من الاجتهادات الصادرة عن قضاة الأمور المستعجلة، من أجل فرض الحراسة القضائية على مال معين يجب ان يكون هذا المال قابلا لتقرير الحراسة عليه وتوافر العجلة الماسة والخطر الداهم الذي يتهدده، وعدم حصول مساس بأصل الحق وأن يكون هناك نزاع حول المال المطلوب فرض الحراسة عليه.

أما بالنسبة لصحّة تعيين حارس قضائي على مصرف لبنان بدلًا من حاكم، فإن الأمر يتطلب، كما يقول مرقص، تعدي السلطة القضائية على سلطة وصلاحية مجلس الوزراء الذي يعود إليه تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، فيجب على قدر المستطاع الاحتفاظ بفصل السلطات في أي نظام ديمقراطي، حيث يكون لكل سلطة دورها واختصاصها الخاص بحيث لا تتعدى أي سلطة على صلاحيات مكّرسة ومنصوص عليها في القانون لمصلحة سلطة أخرى، وعملًا بمبدأ الفصل بين السلطات الذي نصّ عليه الدستور اللبناني. كما أن المصلحة العامة والوطنية تتطلب تعيين حاكم جديد يمكنه إدارة المالية العامة للبلاد وإدارة الازمة الاقتصادية لمنع ارتفاع حدّتها، وتتطلب وجود استمرارية وثبات في موقع جوهري كمنصب حاكم لمصرف لبنان.

Back to top button