نزاع مرتقب بين تل أبيب وموسكو عنوانه “الوكالة اليهودية”
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية –
سوسن مهنا
يبدو أن الأيام المقبلة ستشهد نزاعاً دبلوماسياً بين موسكو وتل أبيب بسبب اتجاه روسيا لمنع أنشطة الوكالة اليهودية على أراضيها، فبعد انتقاد رئيس الحكومة الإسرائيلية يئير لبيد للإجراءات الروسية وتحذيره من أن إغلاق الوكالة ستكون له تبعات وتداعيات سلبية على العلاقات بين البلدين، كشفت صحيفة “جيروزاليم بوست” أن منظمات يهودية أخرى تنشط في روسيا تلقت هي الأخرى إنذارات مشابهة من وزارة العدل الروسية.
وذكرت الصحيفة العبرية أن الحكومة الروسية أمرت الوكالة اليهودية بوقف جميع أنشطتها في البلاد، وأشارت إلى أن “مسؤولين في الوكالة اليهودية أكدوا تلقي الرسالة، لكنهم رفضوا التعقيب في شأن الرد، الذي قالوا إنه قيد الدراسة في مكاتب المنظمة بالقدس، وبالتشاور مع مكتب وزير الخارجية الإسرائيلي”.
وأضافت أن “أمر السلطات الروسية بوقف أنشطة الوكالة اليهودية، سيقوض قدرة اليهود الروس على الهجرة إلى إسرائيل”، فيما نقلت الصحيفة عن “مسؤول رفيع في الجالية اليهودية في روسيا” قوله إن “أفراد الجالية اليهودية باتوا يستشعرون الستار الحديدي ينطبق عليهم، وهم يخشون ألا يستطيعوا الفرار خارج البلاد”، مشيراً إلى أن “عدداً من اليهود قالوا إن السلطات الروسية تحاول اعتقالهم، وباتوا يخشون على حياتهم”، بحسب الصحيفة الإسرائيلية.
بدورها، أكدت وزيرة الهجرة والاستيعاب الإسرائيلية بنينا تامينو شيت في تصريحات صحافية، أن “وزارة العدل الروسية أبلغتها تعليق أنشطة الوكالة اليهودية في روسيا”.
مشكلة “داخلية”
وتناولت صحيفة “كوميرسانت” الروسية في تقرير لها مشكلة الوكالة اليهودية، وقالت إن أزمة جديدة نشأت بين روسيا وإسرائيل، وأن الأخيرة تزعم أن وزارة العدل في الاتحاد الروسي تقدمت بعدد من المطالب للوكالة اليهودية (سخنوت)، من شأنها عرقلة أنشطة الوكالة في روسيا. وقد يتطلب حل القضية التدخل على أعلى مستوى، على الرغم من حقيقة أن العلاقات بين الطرفين تمر بالفعل بأوقات عصيبة.
ونقل موقع “ليخايم” اليهودي الناطق بالروسية عن وزيرة الهجرة الإسرائيلية، بأنها بعثت رسالة إلى رئيس الوزراء يائير لبيد طالبته فيها ببحث أنشطة “سخنوت” مع الحكومة الروسية، مضيفة “إنني أحثكم على التدخل بشكل عاجل من أجل مواصلة أنشطة الوكالة اليهودية في روسيا وعدم الإضرار بالعودة المستمرة إلى الوطن”.
وقالت الوكالة اليهودية لصحيفة “كوميرسانت” إنه “كجزء من عمل بعثة الوكالة اليهودية في روسيا، نحن بحاجة إلى إجراء بعض التعديلات من وقت إلى آخر، كما هو مطلوب من قبل السلطات”. وأضاف المسؤولون في الوكالة أنهم على اتصال دائم بالسلطات الروسية حتى تتوافق أنشطة الوكالة مع قواعد العمل على أراضي الاتحاد الروسي. وأشارت الصحيفة إلى تسجيل المكتب التمثيلي للوكالة في روسيا كمنظمة روسية غير ربحية.
وذكر موقع “آر بي سي” (RBC) الروسي معلومات حصل عليها من الوكالة تنفي تلقيها طلبات بالتوقف عن العمل، والملاحظ في تصريحات ممثلي الوكالة أنها ركزت على عدم وجود طلبات بالإنهاء الفوري لنشاطها، لكنها تجنبت الإشارة إلى تفاصيل أخرى قد تكون متعلقة بالتفتيش أو بملاحظات وزارة العدل الروسية. يأتي هذا وسط تصاعد التوتر بين موسكو وتل أبيب، على خلفية المواقف الإسرائيلية من الحرب الجارية في أوكرانيا، التي باتت تؤثر على حياة اليهود الروس.
اليهود الروس رهائن
وكانت تقارير صحافية تحدثت عن أن موسكو أرسلت لجنة خاصة من وزارة العدل الروسية إلى مقر الوكالة (سخنوت) لتفتيشها، لكن لم يعرف حتى الآن عن ماهية الشيء الذي كانت تبحث عنه. وعنون موقع صحيفة “معاريف” في 21 يوليو (تموز) الحالي، “بعد إغلاق مكاتب الوكالة اليهودية: وفد وزاري يتوجه إلى روسيا الأسبوع المقبل (الخميس 28 يوليو)”. وجاء في متن الخبر أن “رئيس الوزراء يائير لبيد أجرى أخيراً تقييماً للوضع في ما يتعلق بأنشطة الوكالة اليهودية في روسيا، وتقرر إرسال وفد مشترك من ديوان رئيس الوزراء ووزارة الخارجية ووزارة العدل ووزارة الاستيعاب الأسبوع المقبل، لضمان استمرار عمل الوكالة اليهودية في روسيا”.
وقال لبيد في بيان: “الجالية اليهودية في روسيا مرتبطة بإسرائيل بعمق، سنواصل العمل من خلال القنوات الدبلوماسية حتى لا يتوقف نشاط الوكالة اليهودية المهم”. ووفق مقالة في موقع تابع لصحيفة “يديعوت أحرونوت” في اليوم نفسه، فإن “الوكالة (اليهودية) فكرت بوقف النشاط بنفسها بداية الشهر، بعد أن طالبت الحكومة الروسية بتلقي معلومات عن اليهود الذين يريدون الهجرة إلى إسرائيل” لكن “الوكالة رفضت خوفاً على سلامتهم”.
وبدورها، نشرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” مقالة في 23 يوليو قالت فيها إنه “ينظر إلى الموقف العدواني من قبل الحكومة الروسية على أنه غير عادي للغاية، ويأتي في رد واضح على موقف إسرائيل من الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك على الحملة الإسرائيلية المستمرة ضد إيران في سوريا، التي تعارضها روسيا في بعض الأحيان”. وحسب المقالة “في أواخر الشهر الماضي، أبلغت السلطات الروسية الوكالة اليهودية في رسالة بأنها تخطط لاتخاذ إجراءات قانونية ضد المجموعة. وسعت الوكالة اليهودية في البداية إلى معالجة هذا الأمر بهدوء وبمفردها، لكنها دعت وزارة الخارجية الإسرائيلية منذ ذلك الحين للتدخل لصالحها”.
في هذا السياق، ووفقاً للمقالة قال وزير الشتات الإسرائيلي نحمان شاي “محاولة معاقبة الوكالة اليهودية على موقف إسرائيل من الحرب أمر مؤسف ومهين، لا يمكن فصل يهود روسيا عن علاقتهم التاريخية والعاطفية بدولة إسرائيل”، مضيفاً “اليهود الروس لن يقعوا رهائن بسبب الحرب في أوكرانيا”.
وبحسب الإعلام الإسرائيلي، بدأت وزارة الخارجية التدخل رسمياً نيابة عن الوكالة اليهودية، حيث تحدث السفير الإسرائيلي لدى روسيا مع نائب وزير خارجية البلاد ميخائيل بوغدانوف حول هذه المسألة، ونفى الأخير أن تكون الخطوات ضد الوكالة اليهودية شكلاً من أشكال الانتقام الدبلوماسي. وأضافت المقالة أن “هذه القصة أثارت ذكريات محنة اليهود في الاتحاد السوفياتي، الذين منعوا لسنوات عديدة من الهجرة إلى إسرائيل وممارسة دينهم علانية”.
انتهاك الخصوصية
وفي تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية (21 يوليو الحالي) ذكر أن روسيا تهدد بحظر وكالة يهودية كبرى تساعد اليهود في الهجرة إلى إسرائيل من العمل في البلاد، في إشارة إلى تدهور علاقة الكرملين بإسرائيل والتداعيات بعيدة المدى للحرب في أوكرانيا. وذكرت الصحيفة أن وزارة العدل الروسية تسعى إلى تصفية الفرع الروسي للوكالة اليهودية التي تعمل بالتنسيق مع الحكومة الإسرائيلية، بحسب إشعار من محكمة في موسكو.
وبدت خطوة الحكومة الروسية بمثابة انتقاد لليهود في روسيا، وبدت أيضاً وكأنها تراجع عن جهود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مر السنين لبناء علاقات أوثق مع إسرائيل والجالية اليهودية. وتم تحديد جلسة استماع أولية في 28 يوليو (تموز) الحالي. ولم تكشف وزارة العدل عن سبب سعيها لإغلاق الفرع الروسي للوكالة ولم ترد على طلب للتعليق، لكن وفقاً لمسؤول في الوكالة اليهودية، أرسلت الوزارة خطاباً قبل نحو أسبوعين إلى مكتب الوكالة في موسكو تتهمه فيه بانتهاك قوانين الخصوصية من خلال الاحتفاظ بتفاصيل المتقدمين للهجرة إلى إسرائيل في قاعدة بيانات.
وقال المسؤول الذي لم يصرح له بالتحدث علناً خلال الإجراءات القانونية، إن الرسالة تضمنت شكوى لا علاقة لها بالادعاءات القانونية، وتحدثت عن أن إسرائيل تستنزف بعضاً من أفضل العقول بروسيا، التي يقطنها مئات الآلاف من الأشخاص من أصل يهودي.
وأصبحت إسرائيل بعد الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) الماضي، واحدة من الوجهات الرئيسة لموجة الهجرة، وهي موجة نزوح شملت عدداً من العمال في صناعة التكنولوجيا الروسية. وتم تسجيل نحو 16 ألف مواطن روسي كمهاجرين في إسرائيل منذ بداية الحرب، أي أكثر من ثلاثة أضعاف ما سُجل في العام الماضي بأكمله، ووصل 34 ألفاً آخرون كسائحين. وقال المسؤول في الوكالة اليهودية إن الاستياء الروسي من إسرائيل في شأن مجموعة متنوعة من الأمور الأخرى قد يساعد أيضاً في تفسير الضغط الروسي الجديد، وتشمل الأنشطة العسكرية الإسرائيلية في سوريا والنزاع على ممتلكات الكنيسة في القدس.
وفي السياق، تأتي استقالة حاخام موسكو بينشاس غولدشميت من منصبه، وبينما ذكرت وكالة “ريا نوفوستي” أنها جاءت بعد انتهاء عقده، ذكر موقع “آر بي سي” أن أقارب غولدشميت قالوا إنه تعرض لضغوط من السلطات الروسية لأنه رفض “العملية الخاصة” في أوكرانيا، وغردت زوجة ابنه التي تعيش في نيويورك أفيتال تشيزيك غولدشميت على موقع “تويتر”، قائلة “يمكنني أخيراً أن أشارك أن أهل زوجي الحاخام الأكبر في موسكو، قد تعرضوا لضغوط من قبل السلطات لدعم العملية الخاصة في أوكرانيا علناً، ورفضوا ذلك”.
وأصبح المسؤولون الإسرائيليون أكثر جرأة في انتقادهم للحرب الروسية في أوكرانيا، بعد محاولتهم بدايةً التعامل بطريقة دبلوماسية، فخلال الأسبوع الماضي بدأت إسرائيل في توفير الخوذات وغيرها من المعدات الوقائية لقوات الإنقاذ الأوكرانية والمنظمات المدنية بعد أن رفضت في وقت سابق القيام بذلك، ووقع لبيد إعلاناً مشتركاً مع الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته الأخيرة للشرق الأوسط، يعبر عن “مخاوف في شأن الهجمات المستمرة ضد أوكرانيا”.
تاريخ الوكالة
تأسست الوكالة (سخنوت) باسم الوكالة اليهودية لفلسطين أو “مكتب فلسطين”، وذلك عام 1908 في يافا، كفرع لعمليات المنظمة الصهيونية في فلسطين تحت الحكم العثماني، بمهمة تمثيل اليهود أمام السلطان العثماني والسلطات الأجنبية الأخرى، وشراء الأراضي لليهود بمساعدة الصندوق القومي اليهودي في عمليات الاستيطان. وبعد إعلان قيام دولة إسرائيل، حدد المؤتمر الـ16 للوكالة أهدافها، وتضمنت تطوير حجم الهجرة اليهودية إلى فلسطين بصورة متزايدة، وشراء الأراضي كملكية يهودية عامة، وتشجيع الاستيطان الزراعي المبني على العمل اليهودي، ونشر اللغة والتراث العبريين في فلسطين.
وبحسب إحصاءات عام 2019، سهّلت الوكالة اليهودية تهجير أكثر من 30 ألف يهودي حول العالم إلى إسرائيل، 19 ألفاً منهم من دول الاتحاد السوفياتي سابقاً. وفي عام 2021، أعلنت الوكالة ذاتها أن عدد عمليات تهجير اليهود نحو إسرائيل زاد بـ31 في المئة عن السنوات السابقة. ولعبت الوكالة دوراً كبيراً في المساعدة بإنشاء إسرائيل عام 1948، وسهلت هجرة ملايين اليهود من جميع أنحاء العالم. وهي تصف نفسها بأنها أكبر منظمة يهودية غير ربحية في العالم، وتدير برامج اجتماعية في إسرائيل وللمجتمعات اليهودية في الخارج. وأدرجت ضمن أهدافها الهجرة (العودة إلى إسرائيل)، ومساعدة اليهود الذين يعيشون في “الشتات “على البقاء يهوداً، للحفاظ على علاقتهم بالدولة اليهودية وتعزيزها.
وبدأت “سخنوت” نشاطها في أراضي الاتحاد السوفياتي عام 1989، قبل عامين من الافتتاح الرسمي للسفارة الإسرائيلية في موسكو، وهي مسؤولة عن عدد من البرامج التعليمية، بما في ذلك تنظيم معسكرات الأطفال ومدارس الأحد، فضلاً عن الإشراف على برامج “إعادة” الشباب إلى إسرائيل. وعلى مستوى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق لديها مكاتب تمثيلية في روسيا وبيلاروس وأوكرانيا ومولدوفا وأوزبكستان وكازاخستان وأذربيجان وجورجيا.
وتقول مصادر عدة في الأوساط اليهودية بروسيا إن دور “سخنوت” في إعادة اليهود إلى إسرائيل من روسيا أصبح ضئيلاً الآن، وإن العمل الرئيس يمر عبر القنصلية الإسرائيلية في موسكو. ويمكن للوكالة تقديم المشورة في شأن قضايا الهجرة، لكن المساعدة تنحصر أساساً في تنظيم رحلات جوية مجانية إلى إسرائيل “للعائدين”.