البحث عن اللبنانيين المخفيين بالسجون السورية: لملاقاة اللجنة الأممية
النشرة الدولية –
المدن – بتول يزبك –
في التّاسع والعشرين من شهر حزيران الفائت، صوَّتت الجمعيّة العامة للأمم المتحدة لصالح قرار قضى بإنشاء مؤسسة مستقلة تحت رعايّة الأمم المتحدة، تُعنى بالمفقودين والمخفيين قسريًا في سوريا. ذلك تبعًا لتقديرات مختلفة أشارت لكون عدد المفقودين منذ عام 2011 يتجاوز المئة ألف، هذا من دون احتساب المفقودين قبل هذا التّاريخ، مع إمكانيّة أن تكون الأعداد أضعاف المُقدرة. وقد حظيّ مشروع القرار (الذي يتمحور حول “توضيح مصير الأشخاص المفقودين وتقديم الدعم والرعايا للضحايا والعائلات”)، الذي صاغته لوكسمبورغ، على تأييد 83 دولة، بينما عارضته 11 دولة، وامتنعت 62 دولة عن التّصويت، من جملتهم لبنان (بحجة تماشيه مع الاجماع العربيّ على عدم التّصويت لما فيه من “جدليّة وتسيس للملف الإنساني”).
لبنان بدوره لا يزال عددٌ لا يُستهان به من مواطنيه مُحتجزاً قسرًا في سجون الأسد، منذ حقبة الاحتلال السّوري إلى الآن. وامتناع لبنان الرسميّ عن التّصويت، بقرارٍ مُخزٍ ومُجحف بحقّ ضحايا الاعتقال التعسفيّ وجرائم التّعذيب التّي يرتكبها نظام الأسد، جاء انسجامًا مع انصهاره الكليّ في طموح الأسد بالعودة إلى السّاحة العربيّة والدوليّة كرئيس دولة لا كمجرم حرب. وبذلك أكدّ صناع القرار من السّاسة اللبنانيين، خضوعهم لإملاءات “الممانعة”.
مؤتمر صحافيّ
وعليه، عَقدت “الجبهة السّياديّة من أجل لبنان” مع “جمعيّة المُعتقلين اللبنانيين المُحررين من السّجون السّورية” مؤتمرًا صحافيًا ظهر اليوم الأربعاء 26 تموز، للإعلان عن الخطوات المُزمع السّير بها دعمًا للمعتقلين اللبنانيين الـ622 المخفيين قسرًا لدى سجون النظام السوري، في مقرّ الجبهة في البيت المركزي لحزب الوطنيين الاحرار في السوديكو- بيروت. وجاء في الكلمة التي ألقاها رئيس حركة التغيير إيلي محفوض: “جرح المعتقلين اللبنانيين لدى سجون النظام السوري لا يزال ينزف لدى أكثر من 622 عائلة وبيت. والتخلّي عن قضية هؤلاء وصمة عار على جبين كل من يتجاهل إخفاءهم قسرًا ناهيك عمّن تسبّب بخطف كثيرين منهم لا سيما يوم 13 تشرين الأول “.
وأشار محفوض إلى كون المعتقلين المُحررين لا تزال أثار الصدمة والخوف تُسيطر عليهم، متسائلاً عن أولئك “الذين لا يزالون تحت التّعذيب الوحشيّ. وفيما أقرّت الدولة اللبنانيّة تعويضات للمعتقلين المُحررين من السّجون الإسرائيليّة، لم تعرّ اهتمامًا لمن تحرر من سجون النظام السّوريّ”. شاجبًا امتناع لبنان الرسميّ عن التّصويت في الهيئة العامة للأمم المُتحدة، ومُعتبرًا ذلك دليلاً على استتباعها للخارج في هذه القضيّة. لكن لن يمنعهم هذا الواقع من اتخاذ إجراءات وخطوات من أجل تفعيل هذه القضيّة، التّي هي “ملف إنساني بحت ومقاربته ومواكبته تندرج في هذا السّياق” فيما قال “إن الملف وطني لا إسلامي ولا مسيحي فالمخطوفون من جميع المناطق والطوائف والمذاهب”.
جرائم التّعذيب
مُضيفًا: “انتظرنا قانون قيصر الذي دخل حيّز التنفيذ كي يضيء بقعة أمل حول مصير اللبنانيين في سجون الأسد، الذي ينكر وجود أي معتقل لبناني لديه، لكن قرائن كثيرة تؤكد وجود لبنانيين هناك. وأذكّركم هنا بشهادة الشاب السوري عمر الشغري الذي أبلغ أنه خلال فترة اعتقاله في سجن فرع الأمن 215، شهد تواجد لبنانيين مضى على اعتقالهم عشرات السّنوات”. وختم محفوض: “إدي ابي اللمع وأنا تقدمنا بعدد كبير من الإخبارات والبلاغات القضائية حول ملف المعتقلين اللبنانيين في سجون سوريا، ووجهنا شكاوى مباشرة ضد أركان النظام السوري بشخص رئيسه بشار الأسد وضباطه والأمنيين لديه، وزوّدنا القضاء اللبناني بكافة المعلومات والمستندات. نعوّل خلال السّاعات المقبلة على تحرّك ميداني للنواب، وفي مقدمهم نواب ينتمون للجبهة السيادية وأحزابها كي يقوموا بتقديم ملف كامل عن هذه القضية أمام مكاتب الأمم المتحدة، مواكبة لإنشاء لجنة مستقلة للتقصي عن مصير جميع المفقودين في سوريا”.
ثمّ تحدث المُعتقل المحرر علي أبو الدهن، الذي قضى ثلاثة عشر عامًا وهو خلف القضبان في سوريا، حيث أمضى معظم فترة اعتقاله في سجن تدمر الصحراوي الواقع وسط البلاد. تم اعتقاله على يد أحد أجهزة النظام السوري خلال فترة “وصاية” النظام على لبنان، والتي استمرت طوال الحرب الأهلية بين عاميْ 1975 و1990، وتمتد أثارها بعد اتفاق الطائف حتى عام 2005. راويًا الظروف التّي أقل ما يُقال عنها باللاإنسانيّة في السّجون السّورية والتعذيب الذي طاله، واتسم بنزعة كيديّة وبهدف التشفيّ والإذلال. منها إجباره على أكل الحشرات الحيّة في طعامه، والتعنيف، وغيرها من ضروب المعاملة القاسيّة.
ويبقى ملف اللبنانيين المُحتجزين في السجون السّوريّة قيد التعطيل والفشل في صياغة سياسة جديّة وحاسمة، إزاء الجرائم التّي ارتكبها الاحتلال السّوري في لبنان، ففي تشرين الثاني عام 2018، وافق البرلمان اللبناني على قانون يتعلق بالمفقودين والمختفين، وكان من المتوقع أن يفتح الباب لتشكيل هيئة وطنية تمتلك سلطة التحقيق في حالات الأفراد المفقودين، والكشف عن مواقع المقابر الجماعية، واستعادة رفاتهم، واتخاذ إجراءات لإنهاء معاناة آلاف العائلات الذين طالما عاشوا في حزن وقلق بسبب اختفاء أحبائهم. ومع ذلك، لم يحقق القانون أي تقدم في تنفيذ الملف حتى الآن.